أصيب أبو ياسر بالاحباط لدى سيطرة تنظيم «الدولة الاسلامية» على مدينة الرمادي في غرب العراق الشهر الماضي، اذ رأى الآمال باستعادة مسقطه مدينة الموصل (شمال) التي ترزح تحت سلطة الجهاديين منذ عام، تبتعد اكثر من اي وقت مضى.
وكان من المرجح ان تكون عملية استعادة مركز محافظة نينوى، اولى المناطق التي سيطر عليها التنظيم في هجومه الكاسح في حزيران 2014، تتويجا للمعارك ضد الجهاديين. الا ان اهالي الموصل، ثاني كبرى مدن البلاد، باتوا يخشون ان تركها حتى المرحلة الاخيرة من الحملة ضد التنظيم قد يعني عدم استعادتها.
ويقول ابو ياسر: «فوجئنا حين سمعنا الاخبار ان داعش (الاسم الذي يعرف به التنظيم) احتل الرمادي»، مركز محافظة الانبار.
واتت السيطرة على المدينة التي شهدت مواجهات مع التنظيم منذ مطلع العام 2014، بشكل مباغت. فهي سقطت بيد الجهاديين اثر هجوم واسع لم يدم اكثر من ثلاثة ايام، بعد قرابة شهر من اعلان رئيس الوزراء حيدر العبادي ان «المعركة القادمة» لقواته ستكون استعادة كامل الانبار.
وبدلا من ان تبادر القوات الامنية في هذه المحافظة الاكبر في البلاد، وجدت نفسها في حال تراجع. وذكر انسحاب القوات الامنية من مواقعها في الرمادي، بالسيناريو المشابه في الموصل قبل عام، حين انهارت قطعات عسكرية وترك الضباط والجنود مواقعهم واسلحتهم.
واتى اعلان العبادي بعد ايام من استعادة مدينة تكريت شمال بغداد، على الطريق بين العاصمة والموصل. وفي حين رجح البعض ان تكون الموصل الهدف التالي بعد تكريت، آثرت الحكومة العراقية التوجه نحو الانبار.
ويقول ابو ياسر (44 عاما) الذي رفض كشف اسمه، وهو يملك متجرا في المدينة الشمالية، «يبدو ان الارادة السياسية لتحرير الموصل ضعيفة».
وشهد التوقيت المرجح لعملية استعادة الموصل، تأجيلا متكررا اذ جرى الحديث بداية عن نهاية 2014، ومن ثم نيسان -ايار، قبل ان يتبين ان المسؤولين العراقيين شديدو الحذر في الخوض بعملية كهذه.
ويقول ايهم كامل، مدير الشرق الاوسط وشمال افريقيا في مجموعة اوراسيا البحثية ان «عملية الموصل سترجأ الى وقت غير محدد».
ويوضح «الموصل اكبر من ان تحسم خلال فترة قصيرة».
وعلى عكس تكريت التي لا تتخطى مساحتها نحو عشرة في المئة من مساحة الموصل، والتي كانت شبه خالية من السكان مع انطلاق عملية استعادتها مطلع آذار، لا تزال الموصل مأهولة الى حد كبير.
وفي حين لا تتوافر احصاءات دقيقة عن عدد سكانها حاليا، يرجح ان نصف قاطنيها المليونين (قبل حزيران 2014)، ما زالوا مقيمين فيها.
ويواجه هؤلاء ظروفا صعبة، اذ يحتاج كل من يريد مغادرة المدينة الى الحصول على اذن من تنظيم «الدولة الاسلامية» وتقديم ضمانات بأنه سيعود، كاظهار وثائق ملكية او تزويد التنظيم باسماء لاقارب في المدينة.
وبدأ الجهاديون هجومهم نحو المدينة في التاسع من حزيران 2014، وسيطروا عليها في اليوم التالي. وقابل بعض سكان المدينة ذات الغالبية السنية سيطرة التنظيم بنوع من الارتياح لانها اخرجت الجيش والقوات الامنية التي كانوا يتهمونها بانها شيعية التوجه وتعاملهم على اساس مذهبي.
الا انه بعد مرور عام، يعاني السكان من المعايير المتشددة للسلطة المطلقة للتنظيم الذي لم يتوان عن تنفيذ اعدامات ميدانية وقطع رؤوس في الساحات العامة، وهو مصير يخشاه كل من قد يجاهر برفضه لوجود الجهاديين.
ويقول احد سكان المدينة: «في الشارع حيث اقيم يوجد 50 منزلا، واحد منها فقط يؤيد التنظيم».
ويضيف الرجل الذي فضل عدم كشف اسمه «لكننا نخشى التحدث حتى الى الاصدقاء، نخشى ان نكون على سجيتنا. فقط عندما تصبح خلف الابواب الموصدة لمنزلك، مع عائلتك، يمكنك ان تقول ما تريد قوله».
ورغم استهداف بعض عناصر التنظيم باغتيالات وتفجير عبوات نهاية العام الماضي في الموصل، لم تسجل اي «انتفاضة» على نطاق واسع ضده.
ولا تزال اي جهود لاستعادة المدينة في مراحلها الاولية، لا سيما لجهة تدريب قوات ذات غالبية سنية في معسكرات اقيمت في محافظة نينوى.
كما ان سلطات اقليم كردستان اكدت ان قوات البشمركة التابعة لها على استعداد للمشاركة في معارك الموصل، من دون ان تكون هي رأس الحربة فيها. كما ان مشاركة الفصائل الشيعية المسلحة لاستعادة هذه المدينة ذات الغالبية السنية، قد تشكل مثار جدل بين المكونات العراقية.
ويرى رئيس مجلس النواب العراقي سليم الجبوري ان ثقة سكان الموصل بالقوات القادمة لتحريرها، عامل اساسي في نجاح العملية.
ويقول: «لا بد ان تتولد ثقة لدى سكان الموصل بأن القوات التي تأتيهم تجعلهم في وضع افضل مما هم عليه».
يضيف: «اهل الموصل يتملكهم الخوف من داعش وسلوكه وتصرفاته، ويتملكهم الخوف ممن يحرر الموصل» منه.
وتمت استعادة تكريت مطلع نيسان بعد عملية واسعة شاركت فيها الفصائل الشيعية المسلحة بشكل مكثف. الا ان المدينة لا تزال فارغة من سكانها الذين اما يخشون العودة اليها او يمنعون من ذلك.
ويمر الوقت بطيئا على سكان الموصل الراغبين في رؤيتها تخرج عن سلطة الجهاديين، لا سيما وان الاعباء اليومية في تزايد.
ويقول القاطن في الموصل نفسه: «استنفدت كل اموالي، واستدنت وبعت مجوهرات زوجتي. كان وضعي المالي افضل من غالبية السكان، الا انني الآن مديون».
ويضيف «العديد من الناس قاموا بما يقدرون عليه للصمود لعام، الامل اعطاهم الصبر. لكن هل يمكننا القيام بهذا لسنة اضافية؟ لا اعلم».