مصطفى  عبدي

أثارت حادثة قيام بعض من النسوة الهاربات من جحيم الحرب في ريف تل أبيض الغربي بنزع الجلباب والنقاب دهشة وقبولاً كبيرين، وجاءت ردود أفعال تشد على أيديهن، وتربطها بحالات القهر والذل والاستبداد والحرمان التي عاشتها النسوة في زمان حكم «داعش»، الذي يفرض قيوداً صارمة على النساء.

لعل الموقف كان عفوياً، ولكن رغم ذلك فإن له الكثير من الدلالات فهؤلاء النسوة عشن عامين من القهر والاستبداد والاستغلال والحرمان من أبسط الحقوق فلا يحق لهن حتى الخروج من المنزل، أو التجول أو زيارة الأهل إلا بقيود صارمة، وفي الغالب يقمن بإلغاء الزيارة خشية الاعتقال أو الاختطاف من قبل حسبة التنظيم.

أم مروان التي ظلت طيلة ثلاثة أيام مع نسوة وأطفال صغار تتنقل في صحراء الريف الغربي لتل أبيض بلا ماء أو طعام، وهي أم لستّ فتيات، عاشت عامين من القهر والذل في ريف ناءٍ وهي تتحاشى مسلحي التنظيم. حينما اختار أحد الأمراء لنفسه إحدى بناتها كزوجة، قررت الاختفاء عن الأنظار مع بناتها في مشغل خياطة.

حينما جاء «داعش» ليحتل تل أبيض وبدأ يفرض قيوده وإرهابه، كان يعتمد على تزويج مقاتليه من بنات العشائر والعوائل المحترمة بهدف كسب ودهن المجتمع والتغلغل فيه.

أم مروان حالما لمحت حاجزاً يحمل علم الكرد وإلى جانبه علم الجيش الحر، أدركت أنها وصلت إلى بر الأمان، ووقفت تخلع الجلباب، وتخلع معه عامين من القهر والذل والخوف، وتخلع معه «داعش» وهي ترفع يديها تشكر السماء، وتزغرد للمقاتلين الذين حيوها، وما هي إلا دقائق حتى وقفت الأخريات وهن يصفقن ويلوحن بحريتهن، ووصولهن إلى بر الأمان.

قصة أم مروان ليست مختلفة كثيراً عن قصة مرجانة التي كانت تسكن إحدى قرى تل أبيض مع زوجها دون أن يتمكنا من النزوح مع معظم السكان الآخرين كونهما أكراداً، رغم أن «داعش» قد طلب منهما مراراً إخلاء القرية لكنهما كانا يترددان كل مرة في أمل أن تتنهي الحرب، فلا مال لديهما، والزوج يمتلك قطعة أرض وعدداً من الآليات الزراعية وبعضاً من الأغنام التي هي رأسماله في تربية أطفاله الثمانية وأمهم ووالدته العجوز.

ولكن مع التطورات العسكرية بات البقاء انتحاراً، خاصة أن «داعش» بدأ مؤخراً يعتبر أي كردي في مناطقه عميلاً يجب قتله، لذا كان القرار الذي تأخر عاماً، وبدأت رحلة النزوح وبعد يومين وصل مع عائلته إلى بر الأمان، الذي أعلنته زوجته مرجانة، حينما سمع صوتها وهي تلوح بالقماش الأسود الذي ظل طيلة عاــمين يقيد حـــريتها، فخلعته ولوحت به عالياً إلى المقاتلين الكرد الذي لمحتهم من بعيد معلنة حريتها، وأمن عائلتها ونصرهم، ومعلنة انتهاء أشهر الاستبداد الذي كان يفرضه «داعش».

 حقوق النساء في زمن «داعش»

تعاني المرأة السورية في ظل حكم دولة «داعش» من انتقاص كامل في كل حقوقها المدنية والدينية بطريقة لم يسبق لها مثيل، ويتم التعامل معها كوسيلة للمتعة والإنجاب فقط، بسياسة ممنهجة لاضطهادها، وإخراجها عن دورها الحضاري والإنساني والاجتماعي.

يفرض «داعش» قيوداً صارمة على النساء، فيحظر عليهن السفر أو التجول دون رفقة رجل/ الذي يسميه محرماً، وعليهن أن يرتدين اللباس الأسود الكامل، وإلا فيتم توقيفهن وضربهن وجلدهن ومع الاعتقال وعقوبات تصل لحدود القتل جهاراً. وأيضاً يمنع انتعال المرأة الأحذية ذات الكعب العالي، وكذلك لبس العباءة المفتوحة، أو المزينة بالخرز والبرق وما سواه، والحرص على أن تكون العباءة فضفاضة، وعلى لبس الدرع المغطي لمفاتن المرأة.

المرأة في شرع البغدادي مطالبة بالتزام البيت، حيث تم إغلاق صالونات التجميل، ومنع استخدام المانيكان لعرض الملابس، وعلى البائعة أن تكون أنثى، ويمنع بيع الملابس النسائية الداخلية للرجال، وبيع الملابس المزخرفة أو الضيقة أو الشفافة، ولا يسمح للمرأة بالجلوس على الكراسي، وتُمنع زيارة العيادات النسائية، التي يعمل بها الأطباء الذكور. الانتهاكات لا تتوقف عند هذا الحد بل تصل لحدود القتل والاغتصاب والاختطاف، للنساء في المدن والمناطق الخاضعة، إضافة إلى الزواج القسري لفتيات بعناصر من «داعش»، كما أن «داعش» يلاحق النساء في المدارس ويتدخل في النظام التعليمي باختيار مدرّسين ملتزمين دينياً، ومناهج خاصة وتوجيه دوريات مفاجئة للمدارس واعتقال أية طالبة أو مدرسة لا تلتزم بقوانينهم.

ولهذه القواعد المفروضة على السيدات من قبل «داعش» و»جبهة النصرة» آثار نفسية عميقة على الحياة اليومية للسيدات والفتيات، إذ تؤثر على قدرتهن على تحصيل التعليم، وإعالة أسرهن أو حتى الحصول على الضروريات الأساسية اللازمة للحياة. فهي تتعرض لكافة أنواع الاستغلال والتحرش، بالإضافة إلى إجبار الفتيات الصغيرات دون الـ 18 عاماً على الزواج المبكر والذي تنتج عنه عواقب مدمرة. آثار هذه الوقائع تعتبر مدمرة لنفسية المرأة وبالتالي ستنعكس على نفسيات الأولاد والعائلة والمجتمع.

 هيومن رايس وتش

أكدت منظمة هيومن رايتس ووتش في تقرير نشرته بتاريخ 13 كانون الثاني (يناير) 2014 أن القواعد المتشددة التي يفرضها بعض الجماعات في مناطق خاضعة لسيطرتها في شمال وشمال شرق سورية، تخرق حقوق الإنسان الخاصة بالسيدات والفتيات وتحد من قدرتهن على الاضطلاع بأنشطتهن الحياتية اليومية التي لا غنى عنها. الجماعتان المسلحتان المتطرفتان: «جبهة النصرة» و «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش) فرضتا تفسيراتهما للشريعة، إذ تطالبان السيدات والفتيات بارتداء الحجاب والعباءة مع التهديد بمعاقبة من لا تلتزم. في بعض المناطق تفرض هذه الجماعات إجراءات تمييزية تحظر على النساء والفتيات، لا سيما من لا يلتزمن بقواعد الملبس، التنقل بحرية في الأماكن العامة، والعمل، وارتياد المدارس.

المنظمة طالبت «جبهة النصرة» و»داعش» بأن يتراجعا عن كافة السياسات التي تخرق حقوق المرأة، ومنها قواعد الملبس الجبرية والقيود على حرية التنقل. يجب على الجماعتين الكف عن معاقبة السيدات والفتيات وتهديدهن بالمعاقبة، ممن يرتدين ثياباً أو يتصرفن تصرفات لا تتسق مع القواعد المشددة المفروضة. كما يتعين عليهما الكف عن التدخل غير القانوني في حقوق السيدات والفتيات في الخصوصية والاستقلال الذاتي وحرية التعبير والمعتقد الديني والفكر والضمير، مع فرض الالتزام بالقانون الدولي لحقوق الإنسان، ومعاقبة أي شخص تحت قيادتهما يقيد ثياب النساء أو قدرتهن على العمل أو التعليم أو ارتياد الأماكن العامة.

 المعايير الدولية

يكفل القانون الدولي لحقوق الإنسان الحق في حرية المعتقد الديني، بما في ذلك الحق في إعلان المرء عن معتقداته الدينية من خلال الملبس أو العبادة أو مراعاة الشعائر والممارسات الدينية أو التعاليم الدينية في الأماكن الخاصة والعامة.

إن فرض قواعد ثياب إلزامية وتقييدية على السيدات والفتيات في سوريا يخرق حقهن في الحياة الخاصة واستقلال الذات وحرية التعبير والمعتقد الديني والفكر والضمير.

هذه القيود والقيود الأخرى على حرية تنقل السيدات والفتيات تشكل شكلاً من أشكال التمييز ضد المرأة وهو محظور بواقع المعاهدات الدولية التي تعد سوريا طرفاً فيها، بما في ذلك العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة.