وديع شامخ – رئيس تحرير مجلة «النجوم»
> من المحال أن يقف شاعر النثر أمام هرم كبير في مقام عمود الشعري العربي .
من النشاز ان يعزف المحتفون بما لا يحبه المحتفى به .. شاعر العرب الأكبر وآخر الكلاسيكيين العظام ..
هو مشاكس بلا مهماز .. ذرب اللسان وعاشق بلا قاموس .. سلطان بلا تاج
قال عنه « طه حسين : هو الشاعر الشاعر «
قسّم جسمه .. فصار العراق .. على ذرى شمالنا الحبيب يقف الجواهري بغطاء رأس كردي ، وعلى الفراتين يتعرى ليستحم بهما .. في الجنوب .. هناك يبزّ خواصر العراق الرخوة ..
سلاما على الفراتين
لا أريد صب زيت شعري على روحه الليلة ..
نريد أن نفتح قنينة عطره ونرشها على الحاضرين لنشم ّ معا رائحة الجواهري ..
نتنفسه بعمق ..
فالجواهري خلاصة تاريخ الحياة العراقية المعاصرة .. لقد عاش القرن كلّه وتخضرم كثيرا .. عاش الملوكية في مجدها والجمهورية الأولى في دمها .. وتوالت الجمهوريات حتى اتخمت الجواهري غيضا فطار الى الهناك» في غيبته الأولى في براغ والثانية في متاهات الملوك والحكام .. .. ليفتتح سفر الشعراء الذين سيطوحون بالطغاة لاحقا .
من يقرأ حكايته التامة في مذكراته « بجزئين « يدرك بعض اسرار هذا الفنار العراقي المنتصب للرؤيا .
الجواهري شاعر المفارقات الكبرى .. ولد في تموز النجف ومات في « غربة دمشق « ?
لله درك .. ودرنا .. من عاشقين بلا وطن
نتوسد الهوى
وقبورنا واسعة لوأد كمالنا . ..
أليس هو كصنوه « شاغل الدنيا وماليء الناس»
…………………….. ..
للجواهري حقيبة سحرية ومشكاة ..
تقدّم للملوك مادحا وتأخروا عنه شاعرا . فكان مثل « آبن كوفته الحمراء»
ذاك قتله طموحه المنتفخ وهذا أقصاه حلمه عن مواصلة العشق بلا حدود
غنى للغجر والصباح والغواني
هو الذي رأى .. بغداد مسورة بالغيم الأسود فأطلق لحلمه عنان الرؤيا
و مات غريبا ..
………………………………..
قبل عامين ونصف شهقت روحي الى الشرق ثانية .» الى بلاد الشام» . الى الشمس الوفيرة وخزانة صورنا ومراتع صبواتنا .. فكان لخطواتي أن تقودني الى الغرباء دائما في دمشق .. مقبرة الغرباء …
تذكرتُ « دانتي «
صاحب « الكوميديا الالهية»
و»ذنب دانتي الذي جعله في مرمي سهام البابوية لم يكن سوى تقديم مصلحة الوطن علي مصلحة الأحزاب المتصارعة في مجالات السياسة والدين والتعليم، وتأليب الجماهير ضد السلطة، دفاعا عن العدالة والحرية، ولأنه في الخصام بين البابا والامبراطور، رأيهما يملك حق رعاية البشر، وقف دانتي مع الحق والقانون، لا مع القوة والعدوان».
تذكرتُ الجحيم .. المطهر. والفردوس
والكوميديا العراقية قائمة.. عندما تاهت خطاي في غابة قبور المبدعين العراقيين .. للبحث عن الجواهري وهادي العلوي والشيخ الشاعر.. والمطهر عندما وجدت قبوركم .. والفردوس المهزلة الكبرى أن تكون فرحا لوصولك الى قبر .. هكذا إنتابني الفرح في مقبرة
يرقد هنا بعيداً عن دجلة الخير وخارطة العراق هي الشاهدة
……………………………………
حين تنزع الأحلام جبتها وتأتزر الكوابيس
يصحو الشاعر ليلقي بعمامته في محراب الحياة ..
هكذا جاء « أبو فرات « عاريا من شجرة العائلة وكساء النسب ..
بثلاثين فضة باع يهوذا المسيح . وبكل رائحة الفراتين باعكَ الطغاة
بثلاثين فضة مضى يهوذا العصر .. يلتهمنا .. شاعرا إثر حلم
باقٍ وأعمار الطغاة قصار
…………………..قامة من قبور شئ
أبا فرات .. من يشتري قلبا بدرهمين وينحت على قبرك تعويذة
يشعل على عمرك نخلةً ونهراً
.. يا كربة النهر
يا سيد الفراتين ..
يا ذاكرة ..
سائحا في روحك
أشرب من عبثك
وأعطش ليومك
باقٍ والطغاة يأ فلون ..
………………..
تتسلق شجرة الحياة بعصا .. تنزع العمامة في محراب الشعر
يا سيد الأرق .. والمقصورة وكلّ شرفات الحياة
من جواهر عقل جدك ورثت جواهرا
لا من فتات الملوك
عشت الدهور كلها .. شارفت قرنا شاهدا
……………………….
تذكرت فلورنسيا ؟؟
«وبعد وفاة دانتي أدركت حكومة فلورنسا أنها أخطأت في حقه خطأ فادحا، وحاولت تدارك هذا الخطأ بطبع أعماله، ودعوة ابنه وبعض الأساتذة المتخصصين في الأدب إلي إلقاء المحاضرات عنه، ومنهم جيوفاني بوكاتشو (1303 ـ 1375) الذي يعد أكبر الدارسين للشعر اللاتيني وقد جمعت نصوص محاضراته في كتاب «حياة دانتي»،.
وظلت الحكومات المتتالية تتحين الفرص لنقل رفات دانتي من مدينة رافنا إلي فلورنسا فلما فشلت مساعيها أقامت له في عام 1829 قبرا تذكاريا في كنيسة الصليب المقدس، يعلوه تمثال لدانتي، توج رأسه بأكليل الغار»
لك الخلود يا صاحبي
وخلي الوفي
منتظرا هطول قامتك على بغداد حيث عشقت لتستقر فيها موطنا أبديا ..
أرح ركابك من أين ومن عثر………كفاك جيلان محمولان على خطر
………………………………………