بالأمس وقّعت ايرلندا على وثيقة انتحارها الاجتماعي عندما وافق اكثر من نصف السكان بقليل على قبول زواج المثليين في البلاد، وبعد ان القى بعض المشاهير بكل ثقلهم للتأثير على الرأي العام والقبول بتغيير مفهوم العائلة التقليدي على انها علاقة بين رجل وامرأة واطفال…
اليوم جرى تعديل هذا المفهوم الذي ساد البشرية منذ الخلق الاول وجرى استبداله بتوصيف جديد للزواج على انه «اتفاقية تعقد حسب القوانين بين شخصين دون تفرقة لنوع جنسهما».
الانجاز الايرلندي لم يتساو مع الضجة الاعلامية التي رافقته. فقط 60 بالمئة من الشعب الايرلندي ادلوا باصواتهم و62 بالمئة من هذه المجموعة  ايدوا هذا التعديل.
بالمقارنة مع استفتاء سابق حول دخول ايرلندا في السوق الاوروبية  المشتركة شارك في الاستفتاء العام 72 بالمئة من سكان البلاد، وفي سنة 1992  في استفتاء آخر حول الاجهاض ادلى 68 بالمئة بأصواتهم ، وفي سنة 2009 عندما اجرت الحكومة استفتاءً حول معاهدة ليشبونه ادلى 59 بالمئة من الايرلنديين باصواتهم.
وخلال الانتخابات البرلمانية في سنة 2011 ادلى 70 بالمئة منهم بأصواتهم في الانتخابات العامة.
لكن رغم كل الفروقات، يبقى الفوز في معظم الحالات متوقفاً على افضلية صوت واحدة لكي تقوم الحكومة بتعديل قانون ما اواعلان فوز مرشح في دائرة انتخابية محددة.
فعلى مَن تقع الملامة في بلد كاثوليكي محافظ لتمرير قانون زواج المثليين؟ الكنيسة الكاثوليكية تلوم نفسها.
اسقف دابلن صرح بعد «التصويت بنعم» قائلاً: ان كان هذا الاستفتاء يعكس بمجمله،  رأي فئات الشباب في المجتمع الايرلندي، فهذا يعني بكل البساطة ان الكنيسة عجزت عن ايصال وجهة نظرها الى هذه الفئة الاجتماعية وانها اليومامام تحديات كبرى لكي تحسن استخدام لغة الشباب وتتمكن من مخاطبتهم وتوصل رسالتها اليهم.
وزاد قائلاً:  ان معظم الشبان الذين صوتوا بنعم هم نتاج مدارسنا طوال 12 سنة ماضية. ان فشلنا في الوصول الى الشبيبة لا يعني ان نتخلى عن القيم والتعاليم الاساسية التي ندعو اليها بخصوص الزواج والعائلة. وعلينا الا نختبئ في الملاجئ ووراء الستائر، بل يجب علينا ان نجد اللغة السليمة لمخاطبة فئات الشباب لكي يعوا اهمية الرسالة التي ننقلها اليهم.
اسقف دابلن يبدو محقاً في نظرته الى فشل الكنيسة في التواصل مع فئات الشباب. لقد فشل بالواقع انصار الزواج والعائلة في كسب هذه القضية. ويمكن القول ان المثليين لم يفوزوا في هذا الاستفتاء بل فشل اخصامهم من انصارالزواج التقليدي في ربح المعركة.
لكن دعونا ننظر الى الأسس الاربعة للزواج التقليدي: ديمومة العلاقات ، الزواج الاحادي، الانجاب، التكامل الجنسي.
< ديمومة الزواج: عدلت ايرلندا قوانينها سنة 1995 وشرعت الطلاق. وحذف من الدستور عبارة «حتى يفصلهما الموت» بعد اباحة وتسهيل الطلاق.
< آحادية الزوج: بين سنة 1996 و2011 ارتفعت نسبة من تزوجوا مجدداً بعد الطلاق 550 بالمئة، كما ارتفع عدد من كرروا زواجهم من 6،641 الي 42،960. وبذلك تكون ايرلندا دخلت منحاً جديداً من العلاقاتالزوجية المتعددة.
< الانجاب: ان نسبة الانجاب في ايرلندا لا تزال مرتفعة بالمقارنة مع دول اوروبية اخرى. في سنة 1960 كان معدل الانجاب هو 4 اطفال لكل امرأة. اما اليوم فبدأ هذا المعدل بالانخفاض.
ومع اقرار زواج المثليين، من المتوقع ان يشهد معدل الانجاب المزيد من الانخفاض، بعد ان جرى اعادة تحديد العلاقات بين الرجال والنساء واعيد توصيف مفهوم العائلة. بالواقع انه ليس زواج بالمعنى الصحيح بل شبه علاقات زوجية.
بالطبع المثليون والسحاقيون لا يرون في هذا التعديل اي اشكال، غير انهم، وبالرغم من التعديلات القانونية سيعيشون عقد النقص والتمايز ، لأن العلاقة بين رجل ورجل او امرأة وامرأة لن تكون متكاملة بحد ذاتها لاسباب فيزيولوجية، ولن تعالج من ناحية اخرى المشاكل العلائقية. فالعلاقات الجنسية خارج «الزواج» بمفهومهم، والهجر والفراق وعدم الاشباع الجنسي او تعدد الميول.. كلها مشاكل لن تعالجها علاقات زوجية «مشبوهة» تتعارض مع الطبيعة والمفاهيم والاخلاقيات.. والقدرة على الانجاب.
وفي حين تضرب العائلة في ايرلندا ويجرى تفكيكها، ينشرح المثليون للدخول في علاقات توصف «بالزوجية» .
يواجه اليوم انصار العائلة التقليدية طريقاً صعباً في ايرلندا. غير ان ما حدث قد يكون حافزاً للعودة الى الاصول والتمسك مجدداً بمفاهيم الامانةالزوجية والديمومة في العلاقات، واولوية الزواج التقليدي وافضليته.
ايرلندا صوتت لصالح المثليين، لكنها بالوقع اهملت اطفالها، فأي غد ينتظرها؟!