بقلم بيار سمعان

يحق للبنانيين ان يحتفلوا عن جدارة بذكرى مرور سنة بدون رئيس جمهورية للبلاد. كيف لا، وهم اصحاب العيد بعد ان كرسوا الفراغ في البلاد!! لذا آمل ان يقوم لبنانيو الانتشار باعداد قالب «كاتو» يضرب الرقم القياسي بالحجم على ان يكون مزيناً بورود على عدد النواب مع طبقات توازي عدد الطوائف في لبنان، تقوم طائرة شحن خاصة بنقله خصيصاً الى البرلمان اللبناني الذي يجد صعوبة بالاجتماع لانتخاب رئيس للبلاد ويكتفي بالتجديد لنفسه مرة تلو الاخرى… حرام.. عم يتعبوا الشباب.. بيستاهلو يرتاحو ويحتفلو بهذه المناسبة، وان يقول لهم جميع اللبنانيون : «شكراً على ما صنعتم. كنا نعيش حالة من المثالثة المعطلة للبلاد. وبقرار مجهول جرى استبعاد ثلث اللبنانيين ، وادخلتم الوطن في ثنائية قد تكون قاتلة، لا سمح الله…»

كل فريق في لبنان «يغسل يديه» ويضع الملامة على الطرف الآخر. فليتفق الموارنة على رئيس ونحن نؤيدهم…!!

هكذا تلقى المسؤولية على الموارنة، فالرئاسة تعنيهم بالدرجة الاولى في نظام توزع فيه الحصص والوظائف على اساس طائفي مذهبي.

لنفترض ان هذه المقولة صحيحة. وهي ليست كذلك بالرغم من فضل الموارنة التاريخي على نشوء واستمرار الدولة اللبنانية منذ ما قبل الاستقلال.

الواقع ان البلد اليوم منقسم على ذاته في خطين سياسيين يبدوان رغم كل المحادثات انهما لا يتفقان علىالكيان والصيغة والميثاق ومفهوم الوطن ومستقبل الشعب فيه.. لذا يصعب ان يلتقيا معاً خاصة مع موجة التسلّح السائدة فريقي 14 و8 آذار، مع فارق اسبوع واحد بينهما يغامران بمصير الوطن. وقد يكون العماد عون في قمة التعطيل، منذ ان اصبح قائلاً للجيش. انه ديغول لبنان مع فارق صغير وهو ان ديغول فرنسا احترم وحافظ على ديمقراطية بلده واصغى الى صوت الشعب ووضع مصلحة فرنسا اولاً، وديغول لبنان الغى كل الاعراف والمواثيق وتسبّب بأزمات وبسلسلة من التعطيلات حباً بالسلطة، او هكذا يبدو ، بعد ان جيّر كتلته وتكتلاته الشعبية من اجل مصلحته الخاصة ومصلحة الصهر العزيز.

فهو اليوم يطالب برئيس قوي بعد الغاء الرئاسة ويطالب بانتخاب رئيس من الشعب في غياب معظم مقومات الدولة ومؤسساتها، ويكرر ليلاً نهاراً: «انا او لا احد»، دون اي حياء او شعور بالذنب».

والأسوأ من ذلك حالة الاقناع والكم الهائل من التبريرات التي تروجها ابواق تكتله. فتارة يدعون ان العماد يمثل مسيحيي لبنان والشرق الاوسط ويحق له تمثيلهم في موقع الرئاسة.. وطوراً يروجون ان الفراغ في هذه الظروف هو افضل في ظل الاجواء المتوترة والسائدة في لبنان والمنطقة، وكأن المسيحيين غير معنيين بما يجري ولا يدفعون اثماناً باهظة هناك وهناك…

ويذهب البعض ابعد من ذلك فيهمسون فيما بينهم ليبرروا العمالة المدفوعة مسبقاً ان الوضع الحالي مع غياب الرئيس وانقسام البلد هو افضل في اجواء البطالة وقلة العمل، فالمسيحيون حسب ادعائهم يستفيدون من اموال ايران والسعودية التي تتدفق على البلاد.. هكذا يتحول الوطن الى سلعة، ويتحول تعطيل الرئاسة وسيلة لكسب المال ويجري تكريس الفراغ والاستعطاء وتطبيع العمالة للخارج.

لا يا سادة. ليست هذه معايير السيادة والوطنية ولن تكون اساساً صالحاً «للاصلاح والتغيير».

ان ما يجري اليوم من قبل البعض هو مغامرة خطرة تتلاعب بمصير وطن وبمستقبل اللبنانيين الذين اصبحوا اقلية في بلدهم مع تدفق الاغراب واللاجئين والخدم والطامعين ومع تكريس الفراغ في رئاسة البلاد.

ماذا ينتظر نواب الامة للقيام بواجبهم وانتخاب رئيس للبلاد حسب الدستور؟ هل ينتظرون ضوءاً اخضر يأتي من الخارج؟ وان كان نواب الامة ومكونات المجتمع اللبناني من احزاب وطوائف يحملون المسؤولية للقادة الموارنة، فليسمحوا ويفوضوا بطريرك الموارنة ليختار بالنيابة عنهم رئيساً للبلاد.. على الاقل يعترفون بذلك انهم قاصرون وعاجزون عن القيام بواجبهم حسب الدستور وهم غير احرار في قراراتهم، فتسقط هذه الوكالة  شرعية تمثيلهم للشعب.

ان مواقف الطوائف من قضية رئاسة الجمهورية والتغاضي عن القيام بالواجب او ممارسة الضغوط لاختيار رئيس للبلاد تعيد هواجس قديمة طرحت منذ انطلاق الحرب اللبنانية. نتذكر جيداً دعوة الاميركيين مسيحيي لبنان الى مغادرة البلاد، ومطالبة السنة بالرئاسة الاولى، ثم دعوة حزب الله للمثالثة انطلاقاً من التبدلات الديمغرافية. كما نتذكر خرائط تقسيم لبنان الى دويلات مذهبية. ومنها دولة للشيعة تمتد من الجنوب الى الهرمل والى الداخل السوري.

ربما  يكون انخراط حزب الله في القتال داخل سوريا يدخل ضمن هذا المخطط بحجة محاربة التطرف وموجة الارهاب التي تهدد الاستقرار الاهلي.

كما يخشى ان يكون قضم موقع رئاسة الجمهورية مقدمة لضرب التركيبة اللبنانية بكاملها. اذ ان قطع الرأس على الطريقة الداعشية يؤدي الى بتر الاعضاء وشلل دورها وتعطيل عملها المنسجم.

لقد اعتاد اللبنانيون اليوم على تغييب رئاسة الجمهورية وبدأت الابواق المشبوهة والاعلام المتآمر يشيعون ان البلد ماشية مع الرئيس وبدونه. وكل ما يلزم الآن هو تكريس الصراع المذهبي بين السنة والشيعة وخلق واقع تقسيمي بحجة الارهاب والاصولية والحماية الذاتية.

لقد افرغت الرئاسة الاولى وجرى استبعاد سعد الحريري، السني المعتدل والمنفتح والذي ينادي بشعار «لبنان اولاً» الذي يجمع حوله اللبنانيون الاوفياء من كل الطوائف. كما جرى تعطيل الرئاسة الثالثة من خلال التجديد اللاشرعي  لرئيس مجلس نواب هو ايضاً لا شرعي للاسباب ذاتها.

فلبنان ، بالواقع اصبح في حالة الشلل الكامل مع ضرب السلطات الثلاثة : واحدة اغتيلت قنصاً واثنتان رمزياً، ولا يبقى سوى طباعة «ورقة نعوة»  تحمل في اعلاها «ننعي اليكم بكل اسف «وفاة وطن» بعد ان تطبع اوراق نعوات اخرى تنشر في العراق وسوريا واليمن.. وربما من المحيط الى الخليج؟؟

كل رئاسة وانتم بخير…!!