بقلم هاني الترك OAM

المؤرخ الاجتماعي اندرو سكال سجل في كتابه الجديد الذي يحمل عنوان «الجنون عبر الحضارة البشرية» منذ عهد الكتاب المقدس حتى فرويد الى وقتنا الحالي».. ففي مسرحية الملك كير King Lear للمؤلف العملاق وليم شكسبير والتي يصرخ فيها: لا تقوديني الى الجنون ارحميني ايتها السماء.. وفيها مأساة الملك الانكليزي الذي يخشى من الوقوع بين انياب الجنون.. وهي تتعرض الى الدراسة بين العقل والجنون وعلاقة الملك ببناته الثلاث.. فإن الوقوع بين مخالب الجنون هو أسوأ مصير لأي انسان لأنه يصور الحزن والعزلة والبؤس والعار وموت العقل.

هذه مقدمة كتاب سكال التي تتبع فيها تاريخ الجنون منذ العهد القديم البعيد حيث كان يظن ان الشخص المجنون مصاب بمس من روح شيطانية مثل الانبياء الذين يتلقون الوحي من العناية الالهية.

كان اليونانيون مثل الرومان ينحون باللائمة على الآلهة لإصابة الشخص بالجنون.. على سبيل المثال المؤلف المسرحي اليوناني العظيم القديم يوربيدوس الذي كتب مسرحية «ميديا» التي قتلت فيها اطفالها.. ومثل المسرحية الاغريقية في اسطورة كبيرة الآلهة هير التي قادت القائد اليوناني هيروكليس الى الجنون والتي تطلب فيها من الآله بإيقاعه في براثن الجنون حتى يندفع بحس من الجنون الى قتل اطفاله.

وكان اليهود والمسيحيون والمسلمون في العصور الوسطى يعتقدون ان سبب الجنون هو قوة خارقة غير طبيعية.. وفي تلك الفكرة جاء فيها فكرة تطهير المجنون من روح الشيطان Exorcism

لم تكن تدري عائلات المجنون ماذا تفعل به فكان البعض منها تقوده الى زيارة الاضرحة الدينية او اطعامه وجبة ما واحتسائه الاعشاب او هجره في قارب حتى يدافع عن نفسه ويشفي. ويوضع المجانين في اماكن خاصة للامراض العقلية … وحتى القرن التاسع عشر كان يوضع المجانين في مستشفيات خاصة.. فإن المصابين بالامراض العقلية الذي لا يمكنهم ان يجاروا صعوبة الحياة يتم عزلهم.

ومع دخول البشرية القرن العشرين كانت بعض الدول تمنع زواج المصابين بالامراض العقلية.. وفي المانيا في الثلاثينات من القرن الماضي يقدّر عدد الذين تم قتلهم او تعقيمهم لعدم الانجاب حوالي 400،000 مواطن.

وجاء سيمفوند فرويد مع بداية القرن العشرين الذي ارجع المرض العقلي لقمع الرغبات الجنسية والعلاج عن طريق اطلاقها الى الوعي باستعمال التداعي الحر الطليق سواء بتحليل الهفوات اللفظية للسان او الاحلام حتى ان فرويد اعتبر الشذوذ الجنسي مرضاً عقلياً.

واهم ما جاء في نظرية فرويد هو كشفه اللاوعي او اللاشعور .. ومع ان جزءاً كبيراً من نظريته غير فعال في الطب المعاصر الا انه في نهاية عمره تنبأ باكتشاف العقاقير الطبية المعالجة.

من اهم منجزات العلماء في القرن العشرين هو اكتشاف وتطوير العقاقير الطبية التي تعالج المرضى العقليين.. واستعمال الصدمات الكهربائية في علاج المرضى.

وخلال السنوات الثلاثين الماضية بدأ تفريغ المستشفيات من المرضى بسبب ارتفاع فاتورة ادارتها وتطوير العقاقير الطبية في العلاج.. مع ملاحظة انه لا يمكن الشفاء من المرض العقلي بموجب الطب المعاصر ولكن العلاج بالاستمرار في تناول العقاقير الطبية.. مع ان معرفة العقاقير التي تناسب مريض عقلاني معين هي صعبة ويتم عن طريق تجربة العقاقير لأن عمل المخ لا يزال مغلقاً على العلماء.

غير ان إفراغ المستشفيات من معظم المصابين بالامراض العقلية ادى الى اقامتهم في الشوارع مشردين.. والوحدة واللجوء الى الجريمة والادمان على المخدرات والكحول.. ويأمل العلماء انه في المستقبل سوف يتم تطوير علاج وشفاء من الامراض العقلية.