بقلم مارسيل منصور
> اليوم في 15 مايو أيار 2015، يذكرنا بمرور العام السابع والستين ليوم «النكبة» الفلسطينية، وهي «الكارثة» التي حلّت بالفلسطينيين عند طرد وتهجير الشعب الفلسطيني من أجل إنشاء وإقامة دولة إسرائيل عام 1948. أتوقف هنا برهة لأفكر وأقول : ماذا صنعت لنا سبعة وستون عاما مضت في حياتنا السياسية والوطنية والفكرية، من أجل التغييرالحقيقي في جوهرالقضية الفلسطينية؟ ماذا بعد «نكبة «1948؟ ثم «نكسة» 1967؟ ثم الحروب المتتالية التي ما زالت تنهك في الشعب الفلسطيني؟ وماذا بعد المظاهرات السنوية في أنحاء العالم عامة وفي شوارع سيدني خاصة ، والرأي العام ما زال شبه متجمداً تجاه مفهوم «النكبة» والقضية؟ أسئلة وأجوبة متلاحقة تدورفي خلدي لا يمكن شرحها هنا ، ولذا رأيت أن أعيد نشر مقالتي في صحيفة التليغراف العربية بتاريخ 15 مايو2013 ، أي منذ سنتين مضت كما هي :
اليوم في 15 أيار مايو 2013، يذكرنا بمرور العام الخامس والستين ليوم «النكبة» الفلسطينية، وهي «الكارثة» التي حلّت بالفلسطينيين عند طرد وتهجير الشعب الفلسطيني من أجل إنشاء وإقامة دولة إسرائيل عام 1948.
ست حقبات ونصف مضت، والحقيقة ما زالت غامضة وشبه مجهولة عالمياً لدى الكثير من الشعوب. هناك تاريخ طويل للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، والذي كان وما زال يتعرض للتشويه من قبل وسائل الإعلام وغيرها، ونتيجة لذلك تظل القضية غير محدّدة المعالم … حتى أصبحت على مرّ السنين … وكأنها لغز مبهم يصعب حله … أوكأنها مرض مزمن قد أصاب الفلسطينيين وأصبح يلازمهم ولا بدّ لهم من أن يعايشوه !
فأنا ما زلت أذكر في أغسطس 2010 عندما قدّمت كلمة موجزة عن النكبة والهجرة، استقيتها من التجربة الشخصية لعائلتي المهاجرة من يافا، وكان هذا في قاعة النادي الفلسطيني بمناسبة تدشين كتاب «الفلسطينيون في استراليا» للمؤلف الصحافي الشقيق هاني الترك. ولدهشة الحضور قالت السيدة باربرا بيري عضو البرلمان : «انها لأول مرة تتعرف على المعنى الصحيح لمفهوم كلمة «النكبة» هذه اللفظة العربية التي يصعب فهمها واستيعابها.» وهذا ما يدل على أن كلمة «النكبة» قد يسمعها البعض أحياناً وكأنها واحدة من مرادفات اللغة العربية فقط. وقد يسأل سائل لماذا التعقيد؟ وهل أن الرأي العام غافلٌ وغشيم عن حقائق التاريخ؟ وهل أن القضية الفلسطينية هي لغز معقّد التكوين ولا يمكن إيجاد حل له كما يدعي البعض؟ وإذا كان الأمر كذلك، وعلى فرض أن هذا اللغز بمثابة صورة تتكوّن من قطع مبعثرة، فكيف يمكن أن نجد الحل من غير الحصول على القطع الضائعة؟ ويمكن تعليل ذلك لو تعمقنا في فلسفة «الجشطالت» أو «علم النفس الإدراكي» والذي عن طريقه نستطيع أن نعرف أن حل المشكلة قد يكمن في الأجزاء المكونة لها… وأنه لا يمكن أن تحل لغزاً محيّراً إذا كان هناك عدد من القطع مفقودة … فمذهب «الجشطالت» بالألمانية هو «جوهر كيان الشكل الكامل» القائم على نظرية العقل ومبدأ أن العين البشرية ترى الأشياء في مجملها قبل إدراك أجزائها. إذن الحل للمشكلة يكمن في إيجاد الأجزاء المكونة لها من أجل أن تصبح الصورة كاملة وواضحة المعالم.
ولهذا السبب نرى أن القضية الفلسطينية مبهمة حتى باتت وكأنها لغز في عين الآخرين. وإذا كانت بعض القطع ضائعة في أي لغز بسيط ولذا يتعذّر حلّه ، فما بالنا لو كانت القطعة الجوهرية المركزية هي الضائعة؟ ألا وهي مفهوم «النكبة»؟ التي ينكرها «العالم» والقانون الدولي؟.. وإذا كانت المفاهيم مقلوبة في جوهرها … فكيف يمكن إيجاد حلّ لها؟
فمنذ إنشاء دولة إسرائيل في فلسطين وحدوث «النكبة» في 1948… شهد التاريخ ما بين نوفمبر 1947 ويناير 1949 انه قد تمّ تدمير 530 قرية ومدينة فلسطينية وقتل 13000 فلسطيني، وتهجير 700 و750 لاجئاً … وأنه في العصر الحاضرهناك حوالي سبعة ملايين لاجئ فلسطيني يكوّنون أكبر جالية من المهجرين اللاجئين في العالم وما زالوا يعيشون في المنفى بينما هناك آلاف يعيشون في سجون غزه … وأن حوال ثلثي تعداد السكان الفلسطيني هم لاجئون في المنفى حيث يشكل الفلسطينيون اليوم أكبر جالية وأقدم مجموعة لاجئين في العالم، وأن 40% في المائة من اللاجئين هم فلسطينيون، وأن 74% في المائة من مجموع السكان الفلسطينيين هم لاجئون. كل هذا نتيجة النكبة والتهجير.
وعلى مدى التاريخ الدموي المديد، ومقاومة الاحتلال ، وكما نعرف … نرى أن هناك بعض الحلول السلمية التي طرحت على مرّ السنين الأخيرة، مع مراعاة مدينة القدس بأنها مهد الديانات السماوية الثلاث الكبرى، كما وأنه ما زال مطروحاً في مفاوضات السلام إيجاد الحلول المناسبة … كدولة أو دولتين..! علمانية أو دينية !!
وفي خضمّ كل هذا وذاك … ما زال الفلسطينيون يقومون بإحياء ذكرى النكبة في كل أنحاء العالم على أمل أن «العالم» لم يعد يُخدع … وأن يكون الرأي العام في «العالم الغربي» مستعداً اليوم لاستقبال الحقائق الصادقة.. لأن التساهل حيال الصراع الإسرائيلي الفلسطيني يعتبر مشبوهاً وهو خرق للقانون الدولي وحقوق الانسان.
ومما لا ريب فيه أنه قد آن الأوان للكشف عن الوجه الحقيقي للقضية الفلسطينية ومفهوم «النكبة» وربما هذا يعطى الأمل في الحرية وإنهاء الاحتلال والرجوع الى الوطن وتحقيق السلام العادل في ظل الإنسانية والحقوق المشروعة.
وكم يشتاق الفلسطينيون الى الاحتفال في يوم «الاستقلال» بدلاً من إحياء ذكرى «النكبة» فإلى متى المسير؟ والى اين المصير؟