حاوره بيار سمعان
الأب بدوي حبيب، سيم كاهناً نهار عيد القديس شربل من سنة 1995 وطلب اليه الالتحاق برهبنة المرسلين اللبنانيين للموارنة في سدني وكانت في انطلاقتها التأسيسية.
خدم في رعية مار يوسف كرويدن ومار يوحنا الحبيب. ثم عيّن مساعداً لكاهن الرعية في كنيسة سيدة لبنان قبل ان يصبح خادم رعية مار جرجس في تونلي، واشرف على بناء الكنيسة بمؤازرة سكان المنطقة من سكان بان والجوار.
سنة 2001 عاد الى لبنان وجرى تعيينه بعدئذ خادماً للموارنة في اسرائيل من سنة 2005 حتى 2006.
في تموز من عام 2006 جرى تعيينه خادماً لرعية جنوب افريقيا للموارنة حيث عمل مع ابناء الجالية على متابعة المسيرة الطويلة، بعد ان رافقت الكنيسة هجرتهم منذ سنة 1905.
التقينا الأب بدوي حبيب الذي يقوم بزيارة عائلية قصيرة لاستراليا وطرحنا عليه مجموعة من الاسئلة حول رعية جنوب افريقيا …
– اخبرنا عن الجالية اللبنانية، تعدادهم ومتى بدأت هجرتهم الى جنوب افريقيا؟
– يقدر عدد الللبنانيين حوالي 33 الف نسمة معظمهم من الموارنة ونصفهم من بلدة سبعل، والنصف الآخر يتوزع على مغتربين قدموا من زغرتا وبشري وكرم سدة وحدث الجبة وقرطبا ومغدوشة ومناطق مجاورة لبيروت.
بدأت الهجرة اللبنانية في اواخر القرن الماضي في مطلع سنة 1888 وامتدت حتى سنة 1910 – 1918. سنة 1988 ونتيجة لحرب التحرير جاءت مجموعة جديدة منهم الى جنوب افريقيا.
في سنة 1905 شكل وفد ضم مجموعة من ممثلي الموارنة في البلاد وعادوا الى لبنان للمطالبة بتعيين كاهن لخدمتهم الروحية. التقوا غبطة البطريرك الياس الحويك الذي تفهّم حاجتهم فعين اول كاهن رعية لخدمتهم الأب عمانوئيل الفضل من بلدة كفرحاتا – زغرتا.
للأسف توفي الكاهن سنة 1910 عندما غرقت احدى السفن التي كان على متنها عند ملتقى المحيطين، خلال عاصفة، فتلاه الأب الاشقر في خدمة الرعية خلال 16 سنة ( من سنة 1910 الى 1926).
في سنة 1927 طلب الى جمعية المرسلين اللبنانيين ان يتسلموا رعاية الموارنة في جنوب افريقيا وعيّن الأب بطرس العلم لخدمتهم من سنة 1928 الى سنة 1964. توفي ودفن في جنوب افريقيا. ويبدو ان الموارنة احبوه وهم يحفظون له تضحياته العديدة وتكريس حياته لخدمتهم ولا يزالوا يضعون الزهور على قبره حتى اليوم.
ومع مرور الزمن ارتفع عدد الكهنة من واحد الى ثلاثة كهنة . واليوم يوجد 5 كهنة يقومون بخدمة الموارنة وغير الموارنة في رعيتي سيدة الارز وسيدة لبنان. وساعد وجود هذا العدد من الكهنة على انعاش العمل الرسولي والاجتماعي والثقافي ودعم حركة بناء المؤسسات الخاصة بهم. وتعاقب مجموعة رؤساء على الرسالة. وانا بقي لي سنة واحدة (9 سنوات كرئيس للإرسالية فقط) وانتظر تعييني في مكان ما بعد سنة من اليوم.. المهم خدمة المؤمنين اينما وجدوا… الرب يدعونا ونحن نلبي نداءه.
– ابونا بدوي ما هي المشاريع التي انجزتموها خلال السنوات التسع في جنوب افريقيا؟
– كمؤسسة مرسلين لدينا الآن كنيستين واحدة في الشمال واخرى في الجنوب.
سيدة الارز تقع في منطقة Cedar’s Park شمال مدينة جوهانسبرغ جرى بناؤها سنة 1994. وكنيسة سيدة لبنان التي دشنت سنة 2001.
تتسع كل كنيسة من 850 الى الف نسمة. وشيدنا بالقرب من كل كنيسة مزاراً للعذراء مريم على شاكلة سيدة حريصا. كما يوجد الى جانب كل كنيسة قاعة للاجتماعات والنشاطات الاجتماعية. ولقد انفقت حوالي 400 الف دولار لتحديث قاعة سيدة لبنان وجرى تجهيزها بالمعدات الضرورية للمناسبات . لقد اصبحت قاعة فخمة للغاية.
– ما حكاية حديقة الارز Cedar’s Park ؟
– اشترى اللبنانيون حديقة اطلقوا عليها اسم حديقة الارز واقاموا عليها نادياً للغولف وتوابعه. شهد النادي صعوبات مادية في مرحلة، فتدخلت الكنيسة للمساعدة. واوصى اصحاب النادي ان يسجل النادي والحديقة ( حوالي 85 الف متر مربع) باسم الكنيسة، وهذا يشمل ايضاً نادي الغولف والقاعة العامة والفندق. انشأت لجنة وقف تدير هذه الملكية يشارك فيها مجموعة من اللبنانيين الموارنة الاوفياء والغيارى، وبامكاني ان اقول ان كل الموارنة في جنوب افريقيا هم غيارى على كنيستهم. لا بد ان الفت ان احد المهندسين من ابناء الرعية وضع تصميم كنيسة سيدة لبنان التي تتميّز بهندسة لبنانية وتعكس التراث اللبناني الماروني، وهي جميلة للغاية وتتسع لألف شخص.
– اول مدرسة مارونية في افريقيا؟
– كان الأب المسؤول السابق قد اشترى الاراضي التي تحيط بالكنيسة فقررت ان ابني مدرسة تكون اللغة العربية اللبنانية ثاني لغة الزامية فيها بعد الانكليزية.
انطلقنا في ورشة بناء القسم الاول من المدرسة سنة 2008، وقام المرحوم ريمون ليشع (من سبعل) بتعهدات البناء. واود ان الفت هنا ان القسم الاول كلّف بناؤه حوالي مليون ونصف دولار، وباعتقادي ان هذا المبلغ هو ثلث الكلفة. فريمون ليشع تقاضى فقط ثمن المواد واجرة العاملين. كذلك ساهم موارنة آخرون بالحفريات وتقديم المساعدات المتوفرة لديهم.
وينبغي ان اذكر هنا بدوي القبرصي الذي ساهم مساهمة كبرى في تحرير اراضي نادي الغولف واعادته الى الجالية بواسطة الكنيسة. واعتقد انني مع ريمون وبدوي اصبح لديّ مجموعة من خيرة الناس اعتمد على تفانيهم وخبراتهم وتضحياتهم لدعم وتنفيذ مشاريع الكنيسة.
بعد الانتهاء من القسم الاول تستقبل المدرسة اليوم 223 طالباً وطالبة انطلاقاً من الحضانة الى الابتدائية. ولقد وضعت معايير نلتزم بها في هذه المرحلة وهي الكفاءة والمؤهلات الذكائية وقدرة الاهالي على دفع الاقساط . اريدها مدرسة مميزة. بامكاننا اليوم ان نقبل 800 طالب ابتدائي لكنني افضل ان نشدّد على نوعية الطلاب وليس العدد.
ونحقق حوالي 30 الف دولار ارباحاً كل شهر نجمعها لنتابع بناء القسم الثانوي وتجهيز اللماعب وبركة سباحة حسب المعايير الاولمبية الى حد ما. لكن بعد ان ننتهى من هذه المرحلة سوف نخصص عدداً من المقاعد للطلاب المعوزين من المتفوقين نعلمهم على نفقتنا، على امل ان يتخرج طلابنا وهم مسلحون بالثقافة العالية والاخلاقيات واحترام القوانين ومحبة الوطن الأم ودراسة اللغة العربية. لدينا الآن 45 بالمئة من الطلاب من العرق الاسود و55 بالمئة من السكان البيض، 55 طالباً هم لبنانيو الاصل. ولا بد ان اشير ان المدرسة تستخدم ايضاً للتعليم المسيحي خارج دوام الدراسة. ويشارك في هذه الصفوف الآن 450 شاباً وصبية بشكل منتظم.
واخطط لأقيم مركزاً خاصاً لهذه الغاية يكون قاعة اجتماعات عامة الى جانب غرف مخصصة فقط للتعليم الديني، لكي نفصل المدرسة عن نشاطات الرعية.
– ما هي الصورة التي كونتها عن الجالية اللبنانية والمارونية في جنوب افريقيا؟
– وبكل ثقة اقول ان الجالية في جنوب افريقيا قد تكون من اطيب واحب الجاليات التي خدمتها خارج لبنان.
انها جالية تمكنت من الترفع عن النزاعات السياسية اللبنانية الضيقة والتزمت الكنيسة ومحبة لبنان اساساً ثابتاً لحياتها وللعلاقات الطيبة بين ابنائها. الكنيسة هي بالواقع محوراً جوهرياً في حياة الموارنة ونشاطاتهم والتزامهم بكل المشاريع التي تقرر السير بها وتنفيذها… انها جالية ثرية و متواضعة في آن واحد. وقد برع اللبنانيون في اكثر من قطاع. انها جالية مثقفة للغاية ويحتل ابناؤها مراكز هامة في اكثر من قطاع واختصاص، من التجارة العامة الى الطب والهندسة وعلم الاقتصاد والمشاريع الكبيرة. انها جالية نفوذ تلقى كل الاحترام لدرجة ان العديد من سكان جنوب افريقيا يرغبون التحوّل الى المارونية وهم يواظبون على المشاركة في الذبيحة الالهية حسب الطقس الماروني اننا نقدس معظم الاحيان باللغة الانكليزية.
– ما هي الفروقات برأيك بين الجالية اللبنانية في جنوب افريقيا واستراليا؟
– اعتقد انه يوجد فروقات كبيرة لا بد ان اشير اولاً ان كلا الجاليتين يتميز ابناؤهما بالتمسك بالممارسات الدينية ومحبة لبنان ومساعدة الكنائس.
الجالية في استراليا، رغم بعدها الجغرافي عن لبنان هي اقرب اليه بفعل تكوينها وحداثتها نسبياً ووسائل الاعلام العربية من محلية وفضائيات. وهذه غير متوفرة في جنوب افريقيا.. لبنانيو استراليا نقلوا خلافاتهم وفروقاتهم معهم، بينما تخطى لبنانيو جنوب افريقيا هذه العوامل التقسيمية وتركوا خصوماتهم الضيقة جانباً.
الكرم والضيافة والتحصيل العلمي والطموح…
اعتقد انها مزايا مشتركة لدى اللبنانيين لكنها نافرة اكثر لدى الجالية في جنوب افريقيا. وهناك فرق آخر بارز. اعتقد ان الكنيسة ومشاريع الاعمار التي نفذتها وتسعى الى تنفيذيها يقوم بها اثرياء الجالية في جنوب افريقيا وليست الطبقة العاملة، بينما تقوم مشاريع الكنيسة في استراليا على اكتاف ومؤازرة الطبقة الوسطى العاملة بالدرجة الاولى. القليل من اثرياء الجالية في استراليا هم من يدعمون مشاريع الكنيسة. وآمل ان يتبدل هذا الواقع في المستقبل بعد ان بدأت الكنيسة تميل الى تطوير العمل الخدماتي والاجتماعي والمؤسساتي لديها.
اغنياء جنوب افريقيا هم الكنيسة والداعمين لها. في استراليا عامة الشعب هم مصدر الدعم لها.
باعتقادي ان لبنانيي الانتشار هم لبنانيون من المستوى العالي وموارنة متأصلون في الايمان. وهذه صفة مشتركة لدى الجميع.
– هل من كلمة حول المستقبل؟
– اعتقد ان موارنة استراليا وموارنة جنوب افريقيا، رغم الفارق الزمني في الهجرة والبيئة الجغرافية والاجتماعية لديهم قلق حول الوطن ومصيره. حاولت تسجيل 15 الف لبناني من جنوب افريقيا في لبنان، ورغم اتمام جميع المعاملات المطلوبة لا نزال ننتظر رد الدولة الايجابي على تسجيلهم لست اعلم من يقرر هذه الامور وآمل ان تتحسن الاوضاع في لبنان لكي ينطلق لبنانيو الانتشار في عملية استثمار واسعة في الوطن الأم.
pierre@eltelegraph.com