بيار سمعان

 على اثر تنفيذ حكم الاعدام بحق تشان وسوكوماران و6 آخرين رمياً بالرصاص، تكشف التقارير ان النظام القضائي في اندونيسيا هو نظام استنسابي، يفرض اشد العقوبات على الاجانب ويميل الى التساهل مع السكان المحليين. وقد اثار ادعاء محامو تشان وسوكوماران ان القضاة الذين طالبوا حكم الاعدام لهما كانوا قد طلبوا رشوة من لمال يقال انها 130 الف دولار لقاء تخفيف عقوبتهما.

لكن مراجعة قضية المتهم الفرنسي سيرج علطوي تظهر مستوى التناقضات والمحسوبية والاستنسابية والازدواجية في النظام القضائي.

علطاوي (51 سنة) هو مواطن فرنسي من مجموعة 17 شخصاً جرى اعتقالهم في تشرين الثاني من سنة 2005 خلال غارة نفذتها الشرطة في منطقة بانجيرون القريبة من العاصمة جاكرتا. ووصفت الشرطة آنذاك هذه العملية انها الاضخم في جنوب شرقي آسيا عندما وضعت يدها على مصنع للمخدرات ينتج حبوب الآيس بكميات ضخمة للتصدير في السوق العالمية.

وادعت الشرطة الاندونيسية آنذاك انها وضعت يدها على 62 طناً من المواد الكيمائية التي تستخدم في تصنيع مخدر الايس الى جانب آلاف الحبوب الجاهزة للبيع والمعدة للتصدير الى هونغ كونغ.

ونشرت وسائل الاعلام آنذاك ان هذه العملية جرت بالتعاون بين الاجهزة الامنية والمخابراتية الاسترالية والصينية والاميركية.

وتبين انه من ضمن الـ 17 شخصاً الذين اعتقلوا خلال هذه العملية اثنان من رجال الاعمال الاندونيسيين الذين يمكن اطلاق صفة القيادية في هذه العملية.

وعرف ان صاحب المصنع هو رجل الاعمال الذي يعرف باسم باني سودراجات ونائبه بودي سوسيبتو. وتمكن مواطن صيني  يدعى بيتر وونغ من الفرار، عمل على تجميع واعداد الماكينات المستخدمة في عملية تصنيع المخدرات. وهو لا يزال فاراً من وجه العدالة.

كما صدرت احكام بحق اربع مواطنين اندونيسيين  عرف منهم : صمد ساني (تاجر) هاندرا راهاردجا  (كيميائي)، كيفن سابوترا وتوتوكو سريادي (عامل صيانة).

كما قبض على اربعة آخرين هم عامل كهرباء وثلاثة حراس للمصنع، اطلق سراحهم دون اية احكام.

والقي القبض على الفرنسي علطاوي  ومواطن هولندي يدعى نيكولاس جيراردوس بينما تمكن هولندي آخر يدعى «ماكس» من الفرار.

مجموعة اخرى من الاجانب تضم خمسة صينيين قيل انهم متخصصون في صناعة مخدر الآيس.

المجموعات الثلاثة جرت محاكمة كل منها على حدة ولم يجر التعامل مع هذه القضية علىانها جريمة مشتركة تشمل كل عناصرها والمساهمين فيها. وعلى الاثر صدرت احكام منفردة بحق كل الجناة.

في المجموعة الاولى صدر حكم الاعدام بحق الرأسينن المدبرين وهما الاندونيسيين سودراجات وسويبتواز وجدا مذنبين وصدر بحقهما حكم الاعدام، غير انهما استأنفا الحكم. ومنذ ذلك الحين حتى اليوم لم تصدر احكاماً جديدة بحقهما.. القضية الآن لاتزال معلقة وموضوعة في الجوارير…

ثلاثة اندونيسيين آخرين (ساني وراهارادها وسابوترا) حكم عليهم بالسجن 15 سنة ورابع عشر سنوات.

اما الصينيون الخمسة فتلقوا حكماً بالسجن 20 سنة، وعندما استأنفوا رفع الحكم الى الاعدام. وتوفي احدهم في السجن بينما استأنف الآخرون هذا القرار.

اما المواطنان الغربيان (الفرنسي والهولندي) حكم عليهما بالمؤبد وعند الاستئناف رفع الحكم الى الاعدام. توفي الهولندي داخل السجن اما الفرنسي فينتظر تنفيذ حكم الاعدام.

ويبدو واضحاً ان معظم المواطنين الاجانب تلقوا احكاماً قاسية في حين تلقى الاندونيسيون احكاماً مخففة نسبياً رغم مشاركتهم في نفس الجريمة.

وفي مراجعة ادق لمجرى المحاكم، سمح للمواطنين الاندونيسيين اللذين قادا العملية بشكل رئيسي ان يحضرا الشهور ورجال الاختصاص للادلاء  بشهاداتهم في حين حرم الفرنسي من استدعاء اي شهود.

وعلم ان المواطن الفرنسي علطاوي الذي وضع في سجن منفرد بعيداً عن جاكرتا ارغم على دفع تكاليف نقله الى المحكمة مصحوباً بحراسة مشددة تكفل بدفع اجورها ايضاً. وقيل ان احد محامي الادعاء طلب منه مقاييسه الشخصية بغية اعداد كفن ملائم له.

ورغم ادعاء زميله الهولندي ان دور علطاوي كان تقنياً واقتصر على تلحيم المعدات ولم يتعداه الى الانتاج، غير ان المحكمة لم تأخذ بهذا الرأي. وهذا ما دفع وزير الخارجية الفرنسي الى توجيه انتقاد لاذع للنظام القضائي الفاسد في اندونيسيا، النظام لا يعطي العدالة لمستحقيها.

لا  احد يشكّك ان تشان وسوكوماران هما مذنبان في محاولة تصدير كميات تجارية من الهيرويين. وندرك ان هذا النظام القضائي هو من نظر واصدر احكاماً بحقيهما. وندرك ايضاً ان الاثنين امضيا عشر سنوات لاعادة تأهيلهما داخل السجن وتبين من تقارير المسؤولين الاندونيسيين انفسهم  انهما اظهرا تحسناً هائلاً في سلوكهما واصبحا شخصان مثاليين.

لكن يبدو ان الرئيس الاندونيسي الجديد اراد ان يظهر للرأي العام المحلي انه مناهض للمخدرت، كما اراد ان يثبت لانصاره وخصومه السياسيين انه رجل حازم وقوي لا يخشى تحديات العالم وضغوطاته.

انها محاولة الهروب الى الأمام. فاندونيسيا التي تواجه ازمة اقتصادية خانقة، كان لا  بد للنظام الجديد ان يخلق لها ازمة اخرى يتلهى بها الشعب علىامل ان يتناسى مشاكله الحياتية اليومية ويغض النظر عن الحكومة المسؤولة عن معالجتها.

ويدعو الرئيس ويدودو من خلال هذه المواقف الى تفعيل وتحريك المشاعر القومية والدينية في الداخل الاندونيسي.

مواطنون اجانب نفذت احكام الاعدام بحقهم او ينتظرون تنفيذها، يحملون الجنسيات التالية: استراليا، البرازيل، الصين، فرنسا، غانا، بريطانيا، الهند، ايران، مالايا، ماليزيا، هولندا، نيجيريا، الباكستان، السينيغال، سيراليون، فيتنام، زيمبابوي والولايات المتحدة… جميعهم ادينوا في ظل قانون البلاد وشعاره «عدالة وانسانية».

pierre@eltelegraph.com