زينة عيسى

أسمع دائماً تهجمات على المجتمع الغربي. فهو يُنعت بالفاسد، اللا أخلاقي، والُمفكِّك للأسرة. أما المرأة الغربية فهي “القاسية القلب” و “الساعية وراء الأمور المادية”. وتُتهم بأنها لم تعد تلعب الدور المخصص لها، بل أصبحت تعمل مثلها مثل الرجل، وصارت مستقلة تماما عنه إذ باتت قادرة على تدبير شؤونها بنفسها. كما يُقال أن الحريات العديدة التي مُنحت لها جعلتها في معظم الأحيان تهمل أسرتها مما يؤدي إلى تفككها. أما الأولاد الذين ينشأون في المجتمعات الغربية فيُنظَر إليهم على أنهم لا يحترمون والديهم ولا الأكبر سناً ولا المدرسين ولا القانون، وأنه ليس لديهم اي مفهوم للاحترام بالمطلق، بل يتمتعون بحريات تمنع والديهم من تأديبهم بالشكل الصحيح.

هذا الوصف يعكس نظرة العديد من الأشخاص. ومن المؤسف أنه بالنسبة إلى بعضهم تكون المرأة دائماً الملامة. طبعا، فهي حواء! بها دخلت الخطيئة الأولى إلى الأرض، وبها أتى هلاك الإنسان. أما الأهل الذين لا يتمكنون من السيطرة على أولادهم فيلقون اللوم على المجتمع الغربي وقانونه، معتبرين أولادهم نتاج هذا البلد ومجتمعه.

لا شك أن المجتمع الشرقي مجتمع متحفظ، يحبذ الحفاظ على الأسرة والشرف والكرامة والاحترام. وهذه صفات سامية تستدعي الحفاظ عليها. ولكن هل يفتقر المجتمع الغربي فعلا  إلى هذه الصفات؟

صحيح أن المجتمع الغربي فيه حريات أكثر، لكن كل إنسان يختار لنفسه المسلك وأسلوب العيش اللذين يريد اتّباعهما، بغض النظر عن مدى تأييد أو رفض المجتمع لهذه الخيارات. ومما لا شك فيه أن دور الوالدين يصير أصعب أمام تحديات هذا العصر التي تشمل تعاطي المخدرات والحرية الجنسية، لكنني متأكدة أن لكل عصر تحدياته الخاصة به.

تبدأ تربية الأولاد داخل المنزل. وتكون التربية سليمة عبر التواصل الدائم مع الأولاد بالكلام والتوجيه الصحيح والوعي والقدوة، وليس عبر القمع والحرمان. على سبيل المثال، كيف يمكن لأب أن يقنع ابنه بالبحث عن عمل إذا كان هو نفسه عاطلا عن العمل منذ سنوات عديدة رغم كونه قادراً على العمل وتوفير لقمة العيش لأسرته. فلماذا يستغرب هذا الأب عدم احترام ولده له؟ ألم يعلّم ولده أن يستغل القانون وألا يتكل على نفسه؟

في هذا العصر أصبحت المرأة مرغمة على العمل إذا أرادت لأسرتها أن تعيش حياة جيدة، بحيث يتمكن أولادها من العيش تحت سقف منزل مريح ومن الحصول على  تعليمهم المدرسي والجامعي وعلى كافة احتياجاتهم. لذا، يجب تقدير جهود المرأة التي تعمل وتسعى جاهدة من أجل أسرتها. أما تفكك الأسرة فيكون في الغالب نتيجة ضغوطات الحياة وتحمل الطرفين مسؤوليات تفوق قدرتهما. فلماذا يُلقى اللوم على النساء بشكل عام، ويُتغاضى عن مسؤولية الرجل الشرقي الذي صار في هذا العصر يريد من شريكة حياته أن تساعده بالعمل خارج المنزل ولكنه لا يزال غير مستعد لمساعدتها داخل المنزل؟

أضف إلى موضوع الطاعة للزوج الذي يتكرر ذكره على نحو دائم مما يدعو إلى التساؤل: إذا غمر الزوج زوجته بالمحبة واهتم بها وباحتياجاتها، أفلن تطيع قراراته التي ستكون دائماً نابعة من محبته لها واهتمامه بمصلحتها؟ من المؤكد أنها ستفعل، لا بل سيسعدها أن تفعل. لذلك، يجب أن يكون الاحترام متبادلا والمعاملة الحسنة أيضاً متبادلة.

إن المجتمع الغربي ليس بالمثالي لكنّ عدم مثاليته لا تجعله أدنى مرتبة من مجتمعنا الشرقي. فلمَ  نحط من المستوى الأخلاقي الغربي في حين تتخبط مجتمعاتنا الشرقية بالدماء والقتل وحكوماتنا يأكلها الفساد ولا تعرف العدالة. لكل مجتمع سيئاته وحسناته، لكن المسؤولية الأكبر تقع على الأفراد أنفسهم وعلى مدى حكمتهم وحسن تصرفهم ومدى تكيفهم مع مجتمعهم.

 

لمشاهدة الصفحة PDF اضغط هنا