هالة حمصي: استحق مصطفى فاعور، قبل اسابيع، «وسام الدولة الاوسترالية» (The Medal of The Order of Australia)، وهو احد اعلى الاوسمة الاوسترالية، «لمساهمته في الفنون البصرية والعلاقات ما بين الثقافات». هذا الشاب اللبناني من القلمون- طرابلس تحديدا، نشأ في بريستون- فيكتوريا، بعدما تغرّب الوالدان الى تلك البلاد. لا يتجاوز بعد الـ32 عاما، ونجح في تحقيق ما يستوجب التقدير والتكريم: اول متحف اسلامي في اوستراليا. «ان اكافأ بوسام، يُشعرني بالتواضع. الوسام ايضا اعتراف باهمية المساهمات التي يقدمها المتحف في مجال التماسك الاجتماعي والتناغم المجتمعي في اوستراليا. هذه المكافأة شهادة بالفعل لفريق المتحف المتفاني ومتطوعيه وداعميه ومتبرعيه»، يقول فاعور لـ»النهار».
الفكرة عنّت على بال فاعور العام 2010، بعدما «يئِس» وزوجته اللبنانية ميساء، «من ربط القطاع التلفزيوني الاسلام بالارهاب والقمع». انشاء متحف اسلامي، الاول في اوستراليا، بات «اولويته». «التربية تبدو المفتاح للتعامل مع هذا الفهم الخاطىء (للاسلام). وبعد مناقشات مع اصدقاء، توضحت الصورة في ذهني. ما كنت اطمح اليه هو متحف. وانشاء متحف اسلامي كان الجواب: ان تكون سلطة الفنون والتربية في خدمة تعزيز التماسك الاجتماعي والتناغم المجتمعي، من اجل اوستراليا اكثر قوة».
بادق التفاصيل، جاء تصميم المتحف ليعكس في كل اجزائه ما يسميه فاعور «ثقافة توعية وفهم، من خلال بيئات مبتكرة وبرامج وادوات تساعد الناس في تنمية حشريتهم للاسلام، وتبني جسورا للفهم بين الثقافات». من الخارج، واجهة تبرز «نقاوة الهندسة الاسلامية وتعقيدها». في الداخل، ترامت 5 صالات عرض «دائمة» عن المساهمات الاسلامية في الحضارة، الدين الاسلامي، الفن الاسلامي، الهندسة الاسلامية، والتاريخ الاسلامي الاوسترالي. والرغبة هي تثقيف الزوار، «وتلقيهم معلومات صحيحة عن الاسلام وجماله، ومساهمات المسلمين في الحضارة، وخصوصا في اوستراليا»، يشرح فاعور.
بتكلفة 7,7 ملايين دولار على الاقل، «والبداية من لا شيء»، تحقق الحلم. العام 2014، فتح المتحف ابوابه في ثورنبري شمال ملبورن. وخلال عام واحد فقط، دخله 8 آلاف زائر، 50 في المئة منهم مسلمون، والبقية من غير المسلمين، وبينهم طلاب من المدارس العامة. ومن محطاته المثيرة للاهتمام، والتي «حقّقت نجاحا باهرا»، مقهى تديره شقيقة فاعور، المتبارية في نهائيات «ماستر شيف» سميرة الخفير، ويقدّم مزيجا من المطبخين الاوسترالي والشرقي. «المسيرة كانت اختبارا في الايمان والمرونة. لا يتحقق اي امر جيّد من دون تضحية. والحمد لله، تمكنّا من تجاوز تحديات عدة، خطوة خطوة، كفريق واحد»، يقول.
تثقيف الناس عن ماهية المتحف الاسلامي وما سيكون عليه، احد تلك التحديات. ومنها ايضا، جمع الاموال والتبرعات، تصميم بناء «يمثل انصهار البنى التحتية الاوسترالية بالمبادىء الاسلامية»، عملية البناء برمتها، تطوير محتويات المتحف، واقامة علاقات في الداخل والخارج… خلال تلك «المحن والصعوبات»، تمسك فاعور بايمانه الاسلامي، و»تذكرت دائما السبب الذي جعلني اتعهد هذا المشروع من البداية». الدعم الكبير لعائلته واصدقائه كان اساسيا له. «من دون وقوف زوجتي ميساء الى جانبي، كنت ربما استسلمت مرات عدة»، يقول.
في رصيد مؤسس المتحف ومديره، مسيرة مهنية متميزة: 11 عاما على الاقل من الخبرة في مجال الخدمات المصرفية والمالية. قبلاً، مديرا تنفيذيا في مصرف «ماكاري» (Macquarie)، وبنك اوستراليا الوطني. وحاليا، هو المدير العام التنفيذي لشركة البنى التحتية «حبتور لايتون غروب» في دبي. نجاحه في سن مبكرة يعزوه الى «تصميمه»، وهي صفة لازمته منذ طفولته، على «تخطي التحديات التي كنت اواجهها». واولوياته تبقى المؤثرة في اتخاذ قراراته. «اتمسك بقوة بايماني وعائلتي وثقافتي والبلد الذي اعيش فيه. وسابذل كل ما في وسعي دائما لاساهم في المجتمع، باي طريقة ممكنة».
هل يطمح الى انشاء متحف اسلامي في لبنان؟ يجيب: «في الحقيقة، لم افكر بعد في توسيع المتحف، علما ان اولويتي كانت انشاءه في اوستراليا والتأكد من انه يعمل باعلى المعايير وافضلها، تحقيقا لاهدافه. ولكن من يدري ما يخبئه المستقبل؟». وفي انتظار مفاجآت المستقبل، تبقى نصيحة فاعور لاترابه اللبنانيين «بان يتمسكوا بقوة بما يؤمنون به، ولا يستسلموا في تحقيق احلامهم. مع النيات الصحيحة والعمل الجاد، اي شيء يمكن ان يتحقق».