تحدث السنيورة أمام غرفة الدرجة الأولى في المحكمة الخاصة بلبنان برئاسة القاضي ديفيد راي، «الصديق المؤتمن على أسرار الحريري» كما عرف عنه ممثل الادعاء غرايم كامرون. وتناول علاقته الوثيقة بالحريري منذ عضوية ابني صيدا في الحركة القومية العربية، مروراً بمرحلة توزيره في حقيبة المال منذ عام 1992، ووصف العلاقة السورية مع الحريري عام 1997 «بالمتوترة أحياناً والمتحسنة أحياناً بسبب حصر حصته الحكومية بثلاثة وزراء».

وأضاف: «كان في عنجر ممثل النظام السوري في لبنان اللواء غازي كنعان المكنى «ابو يعرب»، ويعرّج الحريري عليه في زياراته لسوريا. وكانت جولات وصولات عدة من التدخلات من الجهاز الأمني السوري واللبناني عرضها الحريري مع نائب رئيس الجمهورية عبد الحليم خدام وحكمت الشهابي اللذين توليا التنسيق في شأنها مع الرئيس السوري حافظ الأسد. ولكن الأمور راحت تتعقد بسبب التدخلات وعملية الاستتباع للبنان بشكل كامل من النظام الأمني السوري».

وميّز السنيورة بين علاقة الحريري بالأسد الأب، والتي كانت على مقدار من التواصل، وعلاقته بالإبن. وأعطى عيّنة عن التدخل السوري في مجلس النواب «بجعل النائب السابق ناصر قنديل على لائحة الحريري في بيروت عام 2000 بطلب من النظام الأمني السوري. وكان الحريري غاضباً جداً ومتضايقاً، واضطر الى القبول به مرغماً. فقنديل في نظرهم أفضل من يمثل التوجه السوري. وقبل الحريري بقيود تشكيل الحكومة والمرشحين في الانتخابات النيابية لأن القبضة التي كان يمارسها النظام السوري على الحكومة وجميع متعاطي الشؤون السياسية قوية. ولم يكن من أمر كبير أو صغير، إلا تدخلوا لحسمه. وكانت اعتراضات من الرئيس لحود لمشروع قانون الحريري المتعلق باصلاحات اقتصادية أساسية للنهوض بلبنانن ومنعه رغم محاولة الحريري من 2002 الى 2004 العمل بمقررات مؤتمر باريس 2 من دون فلاح».

ورداً على كامرون، قال السنيورة إن الحريري «تطلع الى بناء نظام اقتصادي ليبرالي، فيما الاقتصاد السوري كان موجهاً. ونتيجة الشعبية التي راكمها الحريري كانت هناك حساسيات. ومثّل روح لبنان المنفتح الديموقراطي بكل مكوناته، وهو ما لم يستسغه النظام الأمني اللبناني ? السوري»، متناولاً صورة «عكست الفساد بالاستمرار في التسلّط والأمساك بالأمور، ومنها مصالح مادية، إن من النظام الأمني السوري أو من لبنانيين».

وتحفظ عن ذكر أسماء المتورطين في الفساد من النظام الأمني السوري. وقال: «كانوا على مستويات عالية».

وسئل عن لقاء الحريري بالأسد في كانون الأول 2003، فأجاب السنيورة: «لم أعرف بتفاصيل اللقاء مباشرة، إنما مطلع عام 2004، ومع طول الفارق الزمني للقاء، كان الحريري متجهماً ويظهر عليه مقدار الغضب والشعور العميق بالإهانة. وكنت مرة في القصر الحكومي، وذكر لي هذا الأمر. وأطرق باكياً على كتفي وقال لي: «لم أنسَ إهانة الأسد لي في حضور ثلاثة ضباط». كنت أحس في كل حركة كم كان متوتراً عندما يستذكر الحادث، وعمدت الى عدم تحريك السكين في جرحه العميق. وردّد الحريري عبارات «بهدلني وشتمني وأهانني».

وأشار الى أن الحريري «أخذ يعدّ جلسات مجلس الوزراء المتبقية من عهد لحود بعدما أبلغه خدام أن الأسد لا يستسيغ فكرة التمديد له مما جعله مطمئناً الى انتخاب رئيس جديد في لبنان». الا أن اجتماعه بالأسد في 23 آب 2004 غيّر الاتجاه، «وعندما رأيته في منزله في فقرا في حضور النائب الراحل باسل فليحان كان متجهماً، وقرأنا في عينيه مزيجاً من الغضب والألم والأحساس بانتهاك الكرامة. وبادرنا: «قال لي الأسد ستسير بالتمديد وإلا أكسر لبنان على رأسك»، ولاحقاً كانت اتصالات بينه والمخابرات السورية ووعدته بأنه سيكون ثمة لحود آخر بعد التمديد، إلا أن الوعود التي قطعت للحريري لم تنفّذ».

ثم سألته المستشارة لدى الغرفة القاضية ميشلين بريدي عن المستفيد من إفشال مشروع الحريري لازدهار لبنان فأجاب السنيورة: «مجموعات».

وطلب المستشار في الغرفة القاضي نيكولا لاتييري تحديد هؤلاء. كما تدخل كامرون، فأجاب السنيورة: «غالبياتهم كانت تدور في فلك النظام الأمني اللبناني ? السوري».

وألحّ لاتييري عليه لذكر أسماء فأجابه السنيورة بعد تدخل راي: «هناك عدد غير قليل من سياسيين وصحافيين وآخرين. والرئيس لحود كان يناصب الحريري العداء، فهل كاف ذكر اسم وحده؟ لا يمكنني أن أحيط بالعدد الكبير من الناس. هم كل من دار في فلك الجهاز الأمني السوري. وثمة تعاون وثيق جداً بين النظامين الأمني اللبناني ? السوري. الأول متفوّق على الثاني بأحقاده والأخير متفوّق بسلطته. وان غزالي كان الأداة الظاهرة في لبنان. وكان أكثر من جهة داخل النظام الأمني السوري. سمعت أسماء مختلفة في لبنان تشكل الحلقة الضيقة في اتخاذ القرار»، مشيراً الى أنه لا يستطيع تحديد الفاعل في جريمة محاولة اغتيال النائب مروان حماده. ونقل عن الحريري اعتقاده أن «المسؤولين عن النظام الأمني هم من يقومون بهذا الأمر. والعمل نتج بسبب الموقف السياسي».

ورفعت الجلسة الى اليوم لمتابعة إفادة السنيورة.