إنها حرب مصطلحات تبيّن الإختلاف العميق في الرؤى. في مفهومنا الجماعي صارت كلمة «كاميكاز» اليابانية تحيل على الإنتحاري على اختلاف جنسيته وخلفيته، لكن التعبير يستخدم في وسائل الإعلام، الغربية خصوصا، على نحو غير ملائم، في كثير من الحالات على ما يوضح بحث «كاميكاز» (بصيغة الجمع) الصادر لدى دار «فلاماريون» بالفرنسية وأنجزه الكاتبان بيار فرنسوا سويري وكونستانس سيريني. حين يتمهّل الإعلام عند الهجمات التي يشهدها الشرق الأوسط، يصف الصحافيون الارهابيين بـ «كاميكاز» لمجرد إقدامهم على الإنتحار خلال تنفيذ عملياتهم. لكن الإستعانة بهذه الكلمة في هذا السياق ووفق هذه المعايير يثير غضب اليابانيين الذين يفضلون عليها كلمة «جيباكو» (وتعني «من فجّر نفسه»).
الكاتبان سويري وسيريني أكاديميان متخصّصان بالثقافة اليابانية وهما تاليا في الموقع الأفضل لتقديم دراسة تاريخية لإحدى أكثر الظواهر اثارة للإستفهام والتي شهدتها حروب المحيط الهادئ أثناء الحرب العالمية الثانية. في أسلوب نابض، يسعى الكتاب إلى إخضاع الأسطورة للبحث وإلى إظهار أن الطيارين الانتحاريين اليابانيين لم يكونوا متعصّبين أو إرهابيين حكما وإنما أرغموا على التحول إلى قنابل بشرية. يكتب أحدهم ويدعى اوتسوكا أكيو قبل تنفيذ آخر عملية من هذا الطراز بالقرب من أرخبيل أوكيناوا في 28 نيسان 1945 «أستيقظتُ عند السادسة هذا الصباح لأتنشق هواء الجبل المنعش. كل ما سأقوم به اليوم سيجري لآخر مرة!».
يوضح النص أن «كاميكاز»، وعلى خلاف الإرهابيين المنتشرين في زمننا، لم يعتدوا على أهداف مدنيّة وعلى أشخاص عاجزين عن الدفاع عن أنفسهم. استجابوا لأمر صادر من سلطة عليا في زمن الحرب فحسب. يصرّ الكتاب على إيضاح هذا الجانب بهدف توجيه التحية لذكرى هؤلاء الطيارين المُرسلين إلى الموت في توابيت طائرة. يكتُبان «من الصعب أن نتصوّر خسارة أكثر فداحة من التضحية بالجيل الشاب».
في خريف 1944 كانت اليابان بالكاد قادرة على مواجهة القدرة العسكرية اليابانية، كانت البلاد تحتاج تاليا إلى معجزة للإنتصار. في هذا السياق بلورت هيئة الأركان في الجيش الياباني وحدات هجوم خاصة. إنتقت طيارين مميزين ودرّبتهم على الرمي بأنفسهم فوق أهداف عسكرية أميركية. سيطلق عليهم إسم «كاميكاز» (النبيذ الإلهي) وسيقارنون في الدعاية المنظّمة اليابانية بـ «محاربي الساموراي الذين ضحوا بحياتهم من باب الإخلاص كأوراق شجر الكرز التي بعثرتها الريح».
في المحصلة سيلقى ثلاثة آلاف وثمانمئة طيار وبحار (من الإنتحاريين أيضا) حتفهم في إطار هذه المغامرة الفتاكة. أما باكورة هؤلاء فشاب في الثالثة والعشرين يدعى سيكي يوكيو. على شاكلة جميع رفاقه كان عليه، كما يشير المؤرخون، أن يكتب وصيته على أن تُعرض مع سواها في متحف المدرسة البحريّة. أخضعت معظم الرسائل للرقابة فلم تحمل جديدا. إستعادت شعارات المرحلة والإستعارات القومية كما كان متوقعا. غير ان رسائل أخرى مرّت عبر قنوات غير رسميّة عبّرت عن التشكيك بل والحنق البائس لشباب «الوحدات الخاصة».
يتناول الكاتبان الواقع كما الأسطورة ويحاولان تحديد الحقيقة. يذكران بأن لا مثيل في التاريخ العسكري لمهمات فئة «كاميكاز». إفتقرَت هذه العمليات الخطيرة إلى عنصر أساسي: لم تشمل تمسّك الإنتحاريّ ببصيص الأمل بالعودة حيّا. نقرأ «لم تكن من نسق المهمّات حيث حظوظ العودة منها واحد على عشرة. كانت هذه مهمة حيث حظوظ العودة منها صفرٌ على عشرة».