اسكندر خشاشو

تتربع مدينة جبيل منذ أعوام على خارطة أولى المدن السياحية في لبنان والعالم العربي، واستعادت مدينة الحرف رونقها السياحي والحضاري والأثري تدريجياً بعد انتهاء الحرب اللبنانية، لِتُصبح من أهمّ مدن الشرق الاوسط في هذا المجال وقد حصلت على العديد من الجوائز العالمية تثبت جدارتها وتقدّمها.
لكن التفوق الاقتصادي والعمراني والسياحي، لا يغيّب عنها الطابع اللبناني في تفاصيله الضيقة، وهو ما بدا في الايام الاخيرة، بعد سوء التفاهم الذي جرى بين البلدية ودار الافتاء في المدينة حول جامع الخضر، الواقع في منطقة حي الردم على شاطئ البحر، والقريب من المنتجعات السياحية المشهورة في المنطقة وعلى مستوى الوطن.
قصة الخلاف
بدأت قصة الخلاف منذ أسابيع، بعد ان قرّرت دار الفتوى ترميم «المصلّى» (المسجد) والإضافة على مئذنته ورفع الهلال فوقها، إضافة الى تعيين إمام للمسجد، والمباشرة بإقامة الآذان والصلوات، في حين كان المبنى الموجود منذ اكثر من 300 سنة هو عبارة عن مصلّى، لا تقام فيه الصلوات أقلّه منذ عام 2007 ، هذا الأمر لم ينل رضا البلدية التي أبلغت إمام المسجد المعيّن، وهو ابن مفتي جبيل الشيخ غسان اللقيس، بضرورة توقيف الإجراءات الجديدة، لأن المنطقة ذات طابع سياحي، بالاضافة الى انه أصبح مركز تجمّع لأشخاص غير لبنانيين، لا تحتمل المنطقة عددهم الكبير وما يترتب عن وجودهم من توترات أمنية وغيرها، نظراً إلى طابع المنطقة السياحي وموقع المسجد الملاصق لشاطئ البحر ما قد يثير إشكالات.
تحكيم دار الافتاء
ونظراً لمساحة لبنان الصغيرة، والفضاء المفتوح الذي تتيحه وسائل التواصل الاجتماعي، توسّع الإشكال وبدأ يتطوّر ويكبر ويأخذ منحًى غير مستحب ما استدعى اتصالات عاجلة من فاعليات جبيل، نتج عنها اتفاق على أن يقوم رئيس بلدية جبيل زياد حواط ومفتي جبيل بزيارة مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان ووضعه بالأجواء كافة وحلّ الموضوع قبل تفاقمه. وهذا ما جرى فعلاً، إذ زار حواط ونائبه أيوب برق وإمام مدينة جبيل الشيخ غسان اللقيس وفاعليات جبيلية دار الفتوى. وأعلن حواط بعد اللقاء ان «الموضوع تمّت معالجته، وهو ليس خلافاً بل اختلاف في وجهات نظر أبوية. ونحن والشيخ غسان واللجنة والاخوان في جبيل قلب واحد من أجل إتمام مسيرة الإنماء ومسيرة العيش المشترك الحقيقية»، مؤكداً ان «الفتنة لن تَقرع بالتأكيد أبواب مدينتنا». وأيّد الشيخ اللقيس كلام حواط، مشدّداً على ان «المساجد باقية والكنائس موجودة والسياحة فلتأخذ مجراها».
بنود التسوية
وأعلن الطرفان التوصل الى تسوية، لم يجاهرا ببنودها من على منبر الفتوى، وقد كشفها رئيس بلدية جبيل زياد حواط، وتلخّصت في الإبقاء على المصلّى مع مئذنته وهلاله وترك أبوابه مفتوحة على مدار الساعة، في مقابل عدم رفع الآذان وإقامة صلاة الجمعة في المسجد المذكور»، مشيراً الى أن «صلاة الجمعة سوف تنتقل الى موقع آخر ومساجد جبيل رحبة وتتّسع للجميع».
وأكّد حواط ان «جبيل ستبقى مدينة الانفتاح والتعايش الاسلامي المسيحي، ولن نقبل ان تقترب الفتنة من منطقتنا. وطالما يوجد أناس عقلاء لا وجود للفتنة»، لافتاً الى أن «البلدية تحتضن المساجد والكنائس الموجودة في المدينة وتهتم بها على السواء الاهتمام نفسه».
وختم حواط بالتشديد على ان «الاتفاق يراعي جميع الاطراف وهو مثالي للجميع ويقفل الابواب على تأويلات نحن في غنى عنها».
بوادر خلاف جديدة
لكن يبدو ان التسوية التي تحدث عنها حواط غير واضحة تماماً بالنسبة إلى إمام مدينة جبيل الشيخ غسان اللقيس، الذي كشف بدوره ان القرار بوقف الاذان وإقامة صلوات الجمعة لم يؤخذ، انما بقي مفتوحاً على التفاوض مع رئيس البلدية وفعاليات جبيل، مشيراً الى انه «يمكن الوصول الى حلول أفضل من عدم إقامة الصلوات ورفع الاذان كخفض الصوت مثلاً».
واستغرب اللقيس الكلام عن تأثير المسجد على السياحة لافتاً الى ان «المسجد هو المسجد، وهو بالفعل على شاطئ البحر، انما في منطقة لا تعتبر مقصداً للناس».
وفي انتظار الاجتماع الجديد بين «الريس» والامام تبقى بيبلوس منارة الشرق. والمدينة التي صدّرت الحرف الى العالم، لم يهزّها وشعبها بعض «الزكزكات» الطائفية الصغيرة التي لم يسمح أهلها والقيّمون عليها تشويه تاريخها.
مطرجي: لاخراج وسط بيروت
من الموت السريري
رأى «رئيس هيئة الدفاع عن حقوق بيروت» المحامي صائب مطرجي:» ان سياسة التعطيل الممنهج القائمة في لبنان، لا تقتصر على تفريغ المواقع الدستورية في المؤسسات الرسمية، بل تطال بشكل كبير شريان الاقتصاد الحيوي اللبناني من خلال ضرب المؤسسات الاقتصادية والتجارية، وهو ما نراه بشكل فاضح بتفريغ قلب لبنان في وسط مدينة بيروت من المؤسسات التجارية وإعادة تهجير المستثمرين منها، وجعلها مدينة أشباح من جديد، تارة بالتهديد الامني وتارة بالتوتير السياسي واخرى باعتماد سياسة الاعتصامات المفتوحة التي تشل حركة التنقل بين شوارع الوسط التجاري للعاصمة».
وقال المحامي مطرجي في تصريح له أمس:»ان استهداف وسط بيروت التجاري ليس بعيدا عن الاستهداف السياسي والمذهبي والمناطقي للبنان، خدمة لمصالح إقليمية لم تعد تخفى على احد»، ولذلك بات الملح امام هذا الوضع المدمر اعلان حالة طوارئ اقتصادية تخرج وسط بيروت من الموت السريري الذي يعانيه لبنان على كل الصعد والمستويات، وذلك عبر خطة ثورية تعيد بعث الحياة من جديد في وسط المدينة ومنع كل الاعتصامات وبازارات الخطابات السياسية وخطف الوسط التجاري لابتزاز الدولة في مختلف القضايا الأمنية والسياسية التي يشهدها لبنان»، مشيرا الى ان المسؤولية مشتركة في ما يحصل، اذ على شركة سوليدير تنشيط الحركة الساحية والتجارية والثقافية في الوسط التجاري، وعدم الاستسلام لجعل قلب العاصمة، مفشة خلق لكل موتور او مأجور، ولتبقى بيروت كما أرادها آباؤنا وكما يريدها أبناؤنا وكما سعى اليه باني بيروت ولبنان الحديث الرئيس الشهيد رفيق الحريري، لؤلؤة الشرق ومدينة للحياة ونقطة ارتكاز تجاري ومركز إشعاع ثقافي وملتقى للعيش المشترك الذي تتعانق فيها المآذن مع الكنائس على المحبة والسلام والازدهار».