> يبدو أن اليونان بدأت نبش دفاترها القديمة بحثاً عن مخرج لأزمة ديونها المستعصية. وفي هذا السياق، برزت مجدداً دعوات تبنتها حكومة رئيس الوزراء ألكسيس تسيبراس الرافضة سياسة التقشف التي يمليها عليها المجتمع الدولي، إلى مطالبة ألمانيا بتعويضات عن جرائم ارتكبها الجيش النازي لدى احتلاله البلاد بين عامي 1941 و1944 ونهبه بعض أرصدتها.

وليست تلك المرة الأولى التي تصدر دعوات في هذا الشأن من جانب أثينا، حيث هدد نيكوس باراسكيفوبولوس، وزير العدل في حكومة تسيبراس، بـ «وضع اليد على الأرصدة الألمانية (في اليونان) واعتبارها تعويضات». ويعيد ذلك إلى الأذهان مطالبات متكررة من الحكومات اليونانية المتعاقبة للألمان بدفع تعويضات عن أمرين: الأضرار الإنسانية والمادية التي خلفها النازيون، وإعادة مبلغ مالي ناهزت قيمته في حينه 500 مليون مارك، استولت عليه القوات النازية من المصرف المركزي اليوناني بصفته «قرضاً» ولم تسدده، وذلك لتمويل الحملة العسكرية للقائد النازي رومل في المغرب العربي ومصر. وطالبت أثينا بإعادة القرض مع الفوائد المستحقة عليه لمدة سبعين سنة.

ولم تكتسب المطالبات اليونانية في الماضي طابعاً قانونياً حازماً، باعتبار أن الأوضاع المالية الصعبة التي مرت بها ألمانيا واستدعت «خطة مارشال» الأميركية التي وفرت مساعدات مالية، ساهمت في إعادة تنشيط اقتصادات أوروبا الغربية. ومرت الأعوام والعقود من دون أن تحل مسألة التعويضات الإنسانية، أو «القرض المنهوب».

ولم تبدأ مطالبة الحكومة اليونانية اليسارية الجديدة بطرح مسألة التعويضات لمواجهة الموقف المتشدد الذي تقفه الحكومة الألمانية إزاء ديون اليونان المتراكمة اليوم، ذلك أن تسيبراس كشف عن نيته في هذا الشأن خلال حملة الانتخابات النيابية التي أوصلته إلى الحكم، كما أن سلفه المستقيل المحافظ أنطونيس ساماراش كان شكل لجنة خبراء توصلت إلى تحديد قيمة القرض المنهوب وفوائده بـ 11 بليون يورو. لكن هذا لا يعني أيضاً أن تسيبراس لا يستخدم هذه الورقة مع برلين كعصا يلوح بها للجم التشدد الألماني في مسألتي فرض التقشف على اليونان وشطب قسم كبير من ديونها. وعلى رغم أن ألمانيا تمكنت من خلال اتفاقات أبرمتها مع أثينا ولندن (واتفاق «2 + 4» في عام 1990 عقب توحيد شطري ألمانيا)، من تحصين نفسها أمام القانون الدولي والمحاكم من مطالب التعويض عن جرائم الحرب النازية، فإن خبراء قانونيين وسياسيين كثيرين، يرون أن برلين لا تزال تتحمل مسؤولية سياسية ومعنوية وتاريخية لا تسمح لها بنفض يديها بسهولة. والدليل على ذلك استمرارها في دفع التعويضات إلى اليهود وإسرائيل.

وحاولت برلين في العقد الماضي التهرب من دفع تعويضات إلى آلاف العائلات اليهودية في دول أوروبا الشرقية بعد فترة من انهيار المعسكر الاشتراكي السابق، لكن ما إن رفعت المنظمات اليهودية الأميركية، وخصوصاً «آيباك»، صوتها في وجه برلين حتى سارعت الأخيرة إلى تشكيل لجنة مشتركة لتحديد أعداد المستفيدين وتقدير قيمة التعويضات.

ويرى خبراء أنه إذا كانت الحكومة الألمانية لا تريد أن تفتح باباً لمطالبات دول أخرى بتعويضات فبإمكانها على الأقل، وهي المقتدرة اقتصادياً ومالياً اليوم، مراعاة أوضاع اليونان البائسة وتقديم معونات ومساعدات مالية هادفة الى تخفيف معاناة اليونانيين بدلاً من حشرهم في الزاوية وتأنيبهم، لأنهم لم يكونوا في وضع يؤهلهم الانضمام إلى منطقة اليورو.

ويرى كثيرون أن مستشار الوحدة (الألمانية) هلموت كول يتحمل بدوره مسؤولية إدخال أثينا إلى نادي العملة الأوروبية الموحدة على رغم معرفته بأنها لم تكن مؤهلة مالياً واقتصادياً. وكانت حجته آنذاك أن اليونان «مهد الحضارة الأوروبية» ولا يمكن إبقاؤها في الخارج، الأمر الذي وافق عليه سائر الدول، متناسية وضع اليونان الاقتصادي حينها.