متحف الفنون الحديثة و المعاصرة في لبنان
“مقام” رمز الإبداع وواحة الفنّ على أنواعه
إعداد زينة عيسى
إختلفت زيارتي الأخيرة الى لبنان هذا العام عن سابقاتها، إذ لمستُ أنَّ الفنَّ فيه عصيٌّ على الإستسلام، ليبقى واحة إبداع رغم العواصف التي تحيط به.
فعلى قمة تلة جميلة في عاليتا قضاء جبيل، تطلُّ على البحر وتشرفُ على وادي أدونيس حيثُ للقريحة والخيالِ أمداءُ لا تنتهي، حُوُّلَ مصنعٌ إلى مُتحفٍ يضجّ بالحياة الخلاقة ومحورُه الفنُّ التشكيلي في لبنان.
فمتحف «مقام» الذي أسّسه سيزار نمّور وغابريال شوب، هو الأول من نوعه في لبنان ،يقدم صورة عن بلد لا يزال فنّانوه عناوينَ خلقٍ وتألّق. فسيزار وغابريال أدركا أهمية توثيق الفنِّ اللبناني وضرورة إبرازهِ للأجيال الجديدة ، ليُثبتا أن زمن الفنِّ لا ينتهي، فهو يتوالدُ مع كلِّ شمسٍ، يغزل من شروقها ثوباً لنهاراته ويجعلُ من غيابِها خزانةً لقرائحِ المبدعين.
«أعتقد أن البشرَ يضعون الطيورَ في أقفاصٍ لأنهم هم أنفسهُم غير قادرين على الطيران»
القائل غير معروف
ميريلا سلامة هي فنانة لبنانية شابة، التقيتُ بها الشهر الماضي في متحفِ الفنون الحديثة والمعاصرة (MACAM). وهي إحدى المشاركات في جائزة التركيب الفني في مسابقة النحت «عصرالخشب». وعنوان عملها الفني التركيبي – الأدائي هو الحرية والحريّة . « يدور العنوان حول اثنتين من الحريات: حرية الإنسان الذي هو حر في وضع طير في قفصٍ وبيعه، في حين أن الحرية الأخرى تعودُ للطير الذي تم تحريرُه». يتكوَّن عملُها الفني التركيبي من لوحٍ خشبيٍّ مكوّن من ستةِ أقفاصٍ خشبية تحتوي خمسة طيورٍ حية وطيراً خشبياً منحوتاً. في ذلك اليوم، وقفتْ ميريلا بجانب قطعتها، وأدّت أغنية للأطفال بعنوان «في عنّا شجرة» ثمّ أطلقت عصفوراً من القفص. «أنا أتساءل عن مادية الخشب التي تأتي من الشجرة، الشجرة التي تأوي الطيور. الأمر التهكمي في هذا الموضوع أن البشر يأخذون الطيور بعيداً عن الشجرة، ثم يحوّلون الشجرة إلى أقفاص خشبية يحتجزون الطيور في داخلها.»
وبعد أسبوع من هذا اللقاء، في الخامس عشر من تشرين الثاني من هذا العام، تم افتتاح المعرض الاستعادي « عصر الخشب» الذي يسلط الضوء على منحوتاتٍ خشبية للفنان المبدع الراحل يوسف بصبوص، وعلى هامش هذا المعرض وزعت جوائز المسابقة، حيت قدّم 16 فناناً اعمالهم الخشبية منها خمسة اعمال تركيبية- فنية، والباقي من النحت الحديث، وفاز بالجائزة الاولى للنحث الحديث الفنان ابراهيم زود، اما الجائزة الثانية ففاز بها نبيل ريشاني. وجائزة التركيب الفني كانت من نصيب ميريلا سلامة. وأشادت لجنة التحكيم بـ «حمّالة الحطب» وهي عبارة عن سيارة أعيد تجهيزها بالخشب من الداخل والخارج لحسين ناصوري. تألفت لجنة التحكيم من: جوزيف برخيا، جاد الحاج، زينة عيسى، سمير صايغ، جوزيف طراب، سيزار نمُّور.
ولدت فكرة تأسيس مقام بشكل تدريجي وطبيعي، حيث مهّدت فكرة معينة الطريق لفكرة جديدة.
وكون سيزار وغابرييل من عاشقي الفن فقد شعرا بالحاجة العميقة لتوثيقه وارشفته في لبنان. وكانت النتيجة مكتبة ريكتو فيرسو، التي تحتوي حالياً على أكبر مجموعة من الكتب في لبنان حول الفن اللبناني في الماضي والحاضر. وبعد المتابعة، ظهرت فكرة حفظ والحفاظ على الفن فلاحظا أنّ جميعَ أعمال فن التركيب (النصب) في لبنان يتم تدميرها في نهاية المطاف، ولذلك خطرت فكرة الإقتراح على الفنانين فرصة تخزين اعمالهم في المصنع الذي يمتلكه الزوجان على تلال عاليتا الجميلة، في قضاء جبيل. وقد رحّب بهذا الإقتراح العديد من الفنانين، على أن تُعرض جميع هذه الأعمال الفنية في المصنع. وبعد ذلك تم انشاء منظمة غير حكومية ثم ولد .MACAM وكذلك عُرض على الفنانين عَرض أعمالهم في المتحف كجزء من معرض بانوراما النحت في لبنان. إنه معرض دائم يعرض قرناً كاملاً من النحت لخمسةٍ وستين مبدعاً من الفنانين اللبنانيين المعروفين، مع أعمال من المعادن والخشب والحجر والسيراميك والتركيب. وأعلمني سيزار أن تجاوب الفنانين كان لافتاً، وانه تم تسليم الأعمال الفنية على أساس الثقة، وهناك فنان واحد فقط طلب إيصالاً. «هذه هي الطريقة اللبنانية كما ترين، أن يثقوا بنا بعملهم الثمين، بدون طرح أية أسئلة».
لم تجف افكار سيزار وغابرييل. فإن « مقام» اليوم يعقد ورش عمل للأطفال من مختلف الفئات العمرية. والهدف من ذلك هو تنمية تذّوّق الفن وتشجيع الإبداع. ونظّم العديد من المسابقات الفنية ، شارك في بعضها طلاب جامعيون. يسلط مقام الضوء كل سنة على مادة فنية مختلفة، فقد كرّم العام الماضي الفنان والنحات زافين حديشيان في معرض استعادي لأعماله البرونزية حيث كان للفنان نبيل بصبوص مداخلة شرح غيها كيفية صب البرونز. أقيمت ايضا مسابقة شارك فيها 36 فناناً حاز ثلاثة منهم على جائزة بقيمة خمسة آلاف دولار.