– الكثيرون لا يرون أي سبب للتسوّل في بلد مثل أستراليا إذ يستفيد الجميع من الخدمات الاجتماعية والدعم الحكومي.

– المدن الأسترالية شهدت زيادة ملحوظة في أعداد المتسوّلين.

– سكافيدي: نريد أن نساعد على إعادة المتسوّلين مرة أخرى إلى حياة أفضل.

 المصدر: إعداد: مكي معمري عن «أديلاييد ناو» و»هيرالد صن»

عمدة بيرث، ليزا سكافيدي

أصبحت ظاهرة التسول في المدن الأسترالية تزعج الكثير من السكان، وباتت السلطات عرضة للانتقاد بسبب السماح لعدد كبير من المنبوذين باحتلال الشوارع من أجل استعطاف المارة. وفي الوقت الذي يبدي أستراليون تعاطفهم مع هؤلاء «المحرومين»، يرى آخرون أنه لا يوجد أي سبب يجعل هؤلاء يتسولون، لأن أستراليا تعتبر بلد الفرص، والكثير من الناس حول العالم يحلمون بالهجرة إليه من أجل العمل وكسب قوتهم.

مكافحة ظاهرة التسوّل

طلب مجلس مدينة بيرث الأسترالية من حكومة الولاية، أخيراً، إعادة العمل بالإجراءات التي تعتبر التسول غير قانوني. وتقول عمدة بيرث، ليزا سكافيدي، إن التقرير الذي أعده موظفو مجلس المدينة وجد أن التسول يحدث بشكل رئيس في مراكز التسوق. وتضيف «لاحظنا زيادة في التسول في الآونة الأخيرة، وتلقينا شكاوى من الشركات والمارة حول السلوك العدواني للمتسولين، وكذلك التعبير عن القلق إزاء تنامي ظاهرة التسول».

ويعتبر التسول غير قانوني في ولاية فيكتوريا وجنوب أستراليا وتسمانيا وكوينزلاند، ولكن تم إلغاء قوانين مكافحة التسول في ولاية غرب أستراليا في 2004 بناءً على توصية من لجنة إصلاح القانون. وبناءً على ذلك فإن شرطة مدينة بيرث في غرب أستراليا لا تستطيع منع التسول إلا إذا قام أحدهم بسلوك عدواني أو هدد أمن المدينة. أما المحامية مارغريت آن والش فتؤكد أن الحكومة المحلية بحاجة إلى النظر في أسباب ارتفاع عدد الأشخاص الذين يتسولون.

وتقول إنه «إذا أقدم شخص بلا مأوى على التسول، في رأيي فهو يتسول لسبب معين». وتضيف «يجب أن تكون هناك نظرة أوسع لنعرف لماذا يفعل هؤلاء الأشخاص هذا، وما هو الأثر إذا قررنا وضع التسول في قائمة الجنح أو الجرائم التي يعاقب عليه القانون».

وتقول عمدة بيرث، إن مدينة ملبورن يمكن أن تكون «قدوة» في هذا المجال، حيث يتم تشجيع المتسولين على الخضوع لفحوص صحية، وتقدم لهم إرشادات مع إمكانية توظيفهم. وتوضح سكافيدي، «نريد أن نساعد على إعادة هؤلاء الناس مرة أخرى إلى حياة أفضل، فهم لا يحتاجون إلى التسول في شوارع مدينتنا».

وفي انتظار إعادة العمل بقانون مكافحة التسول ستقوم مدينة بيرث بإطلاق حملة توعية تستهدف المتسولين من دون تغريمهم أو توقيفهم، إلا أن الشرطة ستتعامل بحزم مع مثيري الشغب أو الذين يهددون الأمن العام

وقال ناشطون في مجال حقوق الإنسان إن إعطاء المتسول مالاً يعني تشجيع آخرين على الانخراط في هذا العمل المشين. وعرفت مدينة أديلاييد الأسترالية زيادة ملحوظة في عدد المتسولين، إذ تعج الشوارع بهم، خصوصاً شارع «راندل» خلال فترة المهرجان الذي يقام في شهر مارس من كل عام.

ويرى منتقدون للحكومة أن تفاقم الظاهرة يعود إلى سياسة خاطئة تعتمد على سوء توزيع الثروة وعدم تكافؤ الفرص، ما أدى إلى وجود هذا العدد من المحرومين والمنبوذين، إلا أن الأمر قد لا يكون كذلك، فقد أشارت دراسات أجريت في بلدان أوروبية الى أن المتسولين في العالم المتقدم ليسوا بالضرورة من المحرومين اقتصادياً أو ممن يفتقرون إلى موارد، وربما يعود الأمر إلى إدمان هؤلاء على المخدرات والكحول بشكل كبير، وهو الأمر الذي يفسر وجود أغلب المتسولين في أديلاييد بالقرب من الفنادق والملاهي الليلية. وخلال ملاحقة قامت بها الشرطة في بيرمينغهام، في سبتمبر من العام الماضي، وجد أن جميع المتسولين الذين تم توقيفهم، وعددهم 40، يتعاطون صنفاً قوياً من المخدرات، في حين قال 18 منهم إنهم لا يملكون مأوى.

وبالنظر للبيانات الصادمة، فإن عدداً من المنظمات المدنية تشجع بحماسة على عدم التعاطف مع المتسولين أو إعطائهم المال، لأن إعطاءهم المال يعني تشجيع المتسولين على الاستمرار في التعاطي والإدمان، وبالتالي الموت المبكر. ويرى مسؤولون في هذه المنظمات أن إعطاء المال لهؤلاء ليس عملاً خيرياً لأنه ينطوي على نتائج كارثية. ويقولون إن أفضل مثال لسوء استخدام التسول هو الهند، فعندما يصل السائح إلى نيودلهي أو غيرها من المدن الهندية، فإنه يشعر بمدى معاناة الكثير من الناس هناك، خصوصاً إن صادفته طفلة في الخامسة من العمر برجل أو ذراع واحدة تمد له يدها تطلب القليل من المال. وقد يكون رد الفعل الطبيعي أن يعطيها السائح ما تيسر له حينها، لكن الحقيقة وراء براءة الطفلة قد تكون مرعبة حقاً.

عصابات محترفة

يوجد في الهند نحو مليون شخص يحترفون التسول والحقيقة أن أغلبهم يتبعون عصابات محترفة ومنظمة تقوم بتشغيل فرق التسول. ويقوم عناصر هذه العصابات بقطع أرجل وأذرع الأطفال، بكل وحشية، أو إتلاف إحدى عيني المتسول أو حرق وجهه وأطرافه، بهدف استعطاف المارة، فالأشخاص الذين لديهم عاهات ظاهرة يجنون الكثير من المال. ويذهب أغلب المال الذي يحصلون عليه إلى زعيم العصابة، ويحصل المتسولون على خمسة أضعاف الراتب الذي يحصل عليه العامل في الهند، لذا يفضل كثير منهم التسول بدل العمل بشكل شرعي. وكما هو الحال في الهند فالتسول مهنة في أوروبا كذلك، ويمكنها أن تتطور إلى مهنة في أستراليا أيضاً إذا استمر الناس في إغداق الأموال على كل من يفترش الأرض ويمد يده في الشارع. ولا يرى الكثيرون أي سبب للتسول في بلد مثل استراليا، إذ يستفيد الجميع من الخدمات الاجتماعية والدعم الحكومي، وحتى أولئك الذين لا يملكون منزلاً أو عنواناً ثابتاً يحصلون على الدعم. كما أن هناك العديد من المراكز التي تستقبل الأشخاص المحتاجين وتقدم لهم الطعام واللباس بشكل يومي، وهذا لا يعني أنه قد يوجد أشخاص بحاجة ماسة إلى المال ويضطرون إلى التسول، لكن إعطاءهم بعض المال لن يحل مشكلاتهم، بل قد يفاقمها لأنهم يحتاجون إلى تدخل أكثر كفاءة ومهنية.

التسول في جنوب أستراليا ممنوع بموجب القانون، كما هو الحال في أغلب المقاطعات، ما عدا نيو ساوث ويلز وغرب أستراليا، ويمكن أن تصل العقوبة أحياناً إلى السجن لعام كامل. ويقول الناشط في مجال الحقوق والحريات، غريغ كوك: «إذا كنت حقاً مهتماً بمعاناة الناس فحاول أن تفهم الأمر جيداً لتستطيع مساعدتهم بالفعل». ودعا كوك إلى التبرع للمنظمات التي تعمل في المساعدة الإنسانية، لأنها الأقدر على تقييم وضعية المحتاجين بشكل جيد. وتسعى هذه الجهات لوضع حلول فعالة للمدمنين من خلال إعادة تأهيلهم وتوجيههم بعد الانتهاء من العلاج. وتم بالفعل علاج عدد من المنبوذين وأعيد دمجهم في المجتمع. ويلفت كوك انتباه الأستراليين إلى أنه عوضاً عن تشجيع المدمنين على التسول هناك من هو في أمسّ الحاجة إلى المساعدة، إذ يوجد نحو مليار إنسان حول العالم على وشك الهلاك بسبب المجاعة.

مهنة مربحة

صحيح قد يقضي المتسول ساعات طويلة على قارعة الطريق، إلا أن هذه «المهنة» تغدق الكثير على صاحبها. وفي ذلك نقلت صحف أسترالية أن متسولاً في سيدني تمكن من جمع 50 ألف دولار أسترالي في عام واحد، وذلك بفضل «القلوب الطيبة». ويجلس المتسول كين جونسون (52 عاماً)، في شارعي جورج وماركت المزدحمين، وسط مدينة سيدني، لمدة تصل إلى 16 ساعة يومياً وطوال أيام الأسبوع. وفي ذلك يقول المتسول إنه يحصل أحياناً على 400 دولار في اليوم الواحد من المارة، ولا تقل يوميته عن 75 دولاراً يومياً. ويضيف جونسون الذي عاش في الشوارع منذ التسعينات «أشعر بالخيبة عندما أجلس لساعات طويلة يوم الجمعة ولا أحصل إلا على 250 دولاراً فقط». ويعتقد المتسول أنه يقوم بمهنة عادية، ويجمع القطع والأوراق النقدية التي يحصل عليها في مكان سري، قبل أن يودعها في حسابه البنكي كل أسبوع. وعندما سأله أحد الصحافيين عما يفعل بكل تلك الأموال، أجاب أنه لم يكن من المدمنين في يوم ما، وإنما يجمع المال لمساعدة صديقه الذي يحتاج إلى زراعة كبد. ويقول المتسول إن أفضل الأوقات للتسول تكون في العادة مساءً عندما ينتهي الناس من عملهم وهم في طريق العودة إلى منازلهم.

تحذيرات للمتسوّلين

نشرت شرطة سيدني، هذا العام، تحذيرات من المتسولين وطرق التعامل معهم والإبلاغ عنهم. أما المسؤول في هيئة توحيد العناية في أديلاييد، ويسلي هينلي، فيقول: «شيء يبعث على السرور أن نرى أن مجتمع أديلاييد سخي، ولكن من المخيب للآمال أن حفنة من الناس تستغل هذا السخاء».

احتيال في المناسبات

يستغل المتسولون الأعياد والمناسبات لجني الكثير من المال. وقبيل عيد الميلاد في آخر السنة يحتشد المحتالون في الشوارع مرتدين ألبسة رثة لاستعطاف المارة، وبات المشهد يشوه منظر مدينة سيدني بشكل خاص، إذ يتوافد عليها مئات المحتالين في هذه الأيام. وفي حين قد يكون بعضهم بحاجة فعلية في هذه المناسبة، إلا أن 90% من الذين يطلبون المال هم محتالون. ويذكر أن المحرومين في سيدني، وغيرها من المدن، يأخذون المال من الجمعيات الخيرية، إلا أن هذه الأخيرة تعرضت للخداع من قبل أشخاص ادّعوا أنهم بحاجة إلى مساعدة، الأمر الذي جعل هذه الجمعيات مترددة في المساعدة قبل التحقق من هوية المتقدمين لطلب المعونة. وتقول وكالات الرفاه الاجتماعي إنه من الصعب اللحاق بالمتسولين المحترفين اللحاق، لأنهم «يعملون ضمن التجمعات في المناطق التي تشهد حركة كثيفة، وهم قادرون على الاختفاء بسرعة».