الفكرعند كل كاتب إيمان وواقع يستند الى عوامل كثيرة ومنها الإمكانية المتوفرة لديه، فما من كاتب لا يجد سبلاً واقعية لطروحاته التي يطرحها من خلال كتاباته أوفلسفته الكتابيه أو الذهنية وكثيراً ما وجدنا كتاباً عمالقة وجدت لنفسها الطريق في إثبات واقعيتها من خلال نظرياتها وطروحاتها، وكل كاتب يتعامل معها في وقتنا المعاصرعلى أنها فلسفة ونظرية،والبعض لايمتهن الكتابة ضمن الاختصاص الذي هوعليه، لكننا بنفس الوقت نجده يبدع في فلسفة الكتابة عند تأليفه كتاباً أو كتابة موضوعات صحافية لأننا نجد حينما تتوفر الامكانية لدى كل من يمتلك اختصاصاً معينا يستطيع تنمية امكانية في اختصاصات اخرى مثل ذلك الاكاديمي صاحب الاختصاص المسرحي الذي يمارس الصحافة بكل الوانها وبكل حرفية،والمقارنة بين الاختصاص في اوروبا وامريكا. نرى ان الاوروبيين يمارسون الكتابة في الصحافة لاعتقادهم أنّ الكتابة في الصحافة واجب وطني،عكس الامريكان الذين يعتبرون ان الاختصاص في الصحافة واجب على الصحافي، ومثل هذا الموضوع تطرّق اليه الكثير من فلاسفة الحداثة مثل (أنريكوا) وغيره ونحن حينما نجد كاهناً يمتلك الروح العالية في الكتابة الصحافيّة والادب والرواية ذلك يدعونا الى السرور والغبطة مثل الاب الكاتب والمؤلف (يوسف جزراوي) كاهن في كنيسة المشرق الاشورية، الذي نفض الغبار عن رحلاته في كتابه الموسوم (أفكاروتأملات من تراب)وهي تأملات في الحياة والانسان) مثل ذلك اليوناني الذي نفض الغبار في رقصة المشهورة (زوربا) ليعبرعن ما موجود في داخله من شعور اتجاه الحياة …. مثل كاتبنا الأب الجزراوي في كتابه الذي طبع في أستراليا سدني بحجم كبير و130 صفحة، وهو مداخلات في الرحلات والمواقف التي مرَّ بها. إنَّ المتفحص للكتاب يلحظ ميل الكاتب الى الوعظ والنصيحة للقارئ بشكل خاص وبنحو عام، وبأسلوبٍ يدعو الى التفاؤل في بعض الاحايين والى التأمل في احيان أخرى،من هذا نجد أن الكتاب كتب بلغةِ السيرة الذاتية للإنسان وذات مداخل معينة في الحياة بعضها يغوص الكاتب في جذورها الفلسفية والبعض الآخر يخوض في صلب حكاياتها ليصل الى المراد قوله لتكون الموعظة التي يمارسها الكاتب في الكنيسة بغية إيصال للآخرين إن اسقاطات الحياة لا تأتي دون سبب، بل فعلها من بني البشر أنفسهم لتكون واحدة من أرهاصات الحياة التي نعيشها …. لذا نرى الأب يوسف جزراوي في سعيه ليضعنا في بوطقة الحياة في تأملاته التي مرَّ بها ليضعها في خانة (الانا) التي تطال بعض الاحيان أكثر الناس برغم وجود (الانا العليا) و(الانا السفلى) الا ان الكاتب يستشهد في هذا الموضوع بالعالم الاجتماع الامريكي (جورج ميد)في تفسيره (الانا) بوجودها في (الانا الفردية) و(الانا الاجتماعية) ليؤكد إن الانا الاجتماعية هي وسيلة توافقية لمسايرة الناس والمجتمع ووفق المتطلبات الحياتية أي بمعنى التوافقية ، ولكنه حينما يتحدث عن (الانا الفردية )التي تجعل الانسان يندفع نحو تفسير ما موجود على الحياة في غربلة لكلِّ العادات والتقاليد وحتّى الممارسات الثقافية لتكون حافزاً في إنشقاقه عن مجتمعه في عدم (الانتماء) لتلك العادات والممارسات ليحدد لنفسه الشخصية المميزة (تميزاً) عن الآخرين؛ بمعنى ألاّ يكون نسخةٍ عنهم، بقدر إندفاعه الى الاصلاح والتجديد. والكاتب في أسلوبهِ المميز ومثلما ذكرنا في ديباجة الموضوع إن الكاتب يميل الى الوعظ باسلوبٍ يتقبله القارئ. وحينما يذكر وهو يخاطب القارئ أن حياتك أشبه بحجارة بوسعك أن تجعل منها مادة لبناء الجسور الى الآخر. وأملي أن نكون جميعاً من بناء الذات والإنسان والمجتمع عسى أن نتعود على بناء الجسور وفتح قنوات الحوار الصادق؛ حوار التلاقي والتآخي والمحبة والإحترام والقبول وتقبل. وهذا ما نعنيه أن الكاتب الأب (يوسف جزراوي) يبقى في جلباته الكهونية في الوعظ.
ومن أبواب الكتاب أفكار وتأملات من تراب عناوين واضحة المعالم والمضمون ومنها (عقدنا النرجسية) والتي يقصد بها،إننا ماضون في اعتبار الماضي الجزء اليسير عند أبواب حياتنا، لئلا ندخل في الماضي عبرَ التأملات والمجد .بل علينا أن نخطط للمستقبل، أفضل من أن نبقى في عقدة الماضي .
وحقيقة الامر أن الكتاب فيه أبواب كثيرة تتجاوز الخمسين باباً، جُلّها ينص على التذكير والوعظ، وهذا ما يؤكد أن الكاتب الاب يوسف جزراوي يمتلك الدراية والمعرفة في صياغة موضوعاته، وأيضا يثبت انه واحد من القرّاء الجيدين في الفلسفة الحداثوية لان في كثير من الابواب يستشهد بأحد فلاسفة العصر والزمان. وحينما نتفحص كتاب الأب يوسف جزراوي نلاحظ بوضوحٍ الكثير من الحكم والافكار التي يريد طرحها على نحو أدب (السيرة)، لان جلَّ مواضيعه التي يعرضها الكتاب، تدور عن الرحلات التي قام بها في اوروبا، وبرغم تأكيدي ان الكتاب يندرج في خانة الوعظ إلاّ اننا نجد في دواخل كلّ موضوع مطروح في الكتاب يقودنا في نهاية المطاف الى وجدان المسألة التي كتبت، ومنها خاطرة (لسنا بحاجةٍ الى حكام بل الى حكماء) ومن خلال العنوان علينا أن نعرف ما يريد الكاتب قوله للقرّاء، لكننا حين ندخل لصلبِ الموضوع نجد أن الكاتب يقول: «حاجتنا اليوم الى حكام حكماء متصالحين مع الحرية وإحترام الرأي الاخر متصالحين مع التنوع الثقافي والجمال والحياة والحُبّ والسلام الذي إفتقدناه طويلاً». وكم أتمنى اليوم أن يكون أحد حكام عراقنا، يمتلك في عمله هذه المفردات الرائعة الجمال! ومن خلال هذه المعاني نجد أن مضامينَ الكتاب (أفكار وتأملات من تراب) والذي قد أختلف مع العنوان لان التأملات والافكار التي يطرحها الكتاب ليست تأملات من تراب، بقدر هي تأملات ذات واقع متطور يدعو الى الحياة الكريمة.
ومهما يكن من أمر، إننا وبكلِّ تقدير نرفع قبعتنا الى الاب يوسف جزراوي في جهوده الخيرة في إنتاج هكذا كتاب الذي كتب مقدمتة الاديب والصحافي العربي (أنطوان القزي) وان تناولنا بعض ما كتبه الاستاذ القزي نجد صوراً شعرية نثرية بحق الكتاب وكاتبه الاب الجزراوي (لستُ أدري من أين آتيه، هل من دور الكلام ما أبهاها لديه، أم من سموِّ المعاني وما أغناها في كنوزه،أم من صوره المنثورةعلى أطراف العين ل اتدانيها ريشة رسامٍ، أم عبر نثرِه المصقولِ متعةً ورفعةً ؟!
ما زال الحديث للكاتب والاديب أنطوان القزي، (وجدتُني، أنا أسرق ذاتي الى صفحاته؟ كمَن يتوجَس انزلاقاً في هيكلٍ شُرعت أبوابه على الضوء، أوكمن يُجانبُ لمسَ تاجٍ رصعتةُ أللآلي. وأعترف أنني ما أستطعت إدراكَ هذا الرحالةٍ وكأنني أعثرفي رمال تحُولُ دونَ العبور الى واحته) ونحن عندما نقرأ مثل هذه المقدمة لأديب غمر عباب اللغة وتفنن بها، يتحدث عن كاتب وكتابه بهذا الاسلوب الرفيع حتما سنجد في دواخل الكاتب وكتابه الكثير من الفائدة والاستمتاع بنص يجدر بنا متابعته والدخول في بواطنه  لكي نصل الى الهام الكاتب وأسلوبه الشيق وحكاياته التي تأخذنا الى عالم الجمال والمتعة.