عبدالوهاب طالباني

مكتب «صوت الاخر» سيدني – استراليا:
حين تتأمل لوحات الفنان التشكيلي فيصل السعدي تشعر انك أمام تكعيبية بيكاسو لكن بالوان مستنبطة طبيعية هادئة يغسلها الماء ، تدق جذورها في ثقافة عريقة عراقة حضارات وادي الرافدين ، كما تُبرز التكعيبية الخاصة به الندب  والانحناءات وكأنها حفر في القماش ثلاثية  الابعاد ، لكنّها في الحقيقة ليست الا عمل فرشاة عادية ولكن بيد فنان مبدع وأصيل له تجربته وخبرته ورؤاه في إستعمالها. كما نجد عنده الالوان تتوهّج ولكن بصورة هادئة وسلسة تريح العين ، و  تتداخل  مضامين أعماله  في تداعيات إنسانية متحركة ومتفاعلة من رؤى حسية متنوعة.
فيصل السعدي هذا الشيخ المندائي المبدع الذي يتعامل روحيا مع الماء كطقس له جذوره ، هذا الكبير «الصّبي» الذي ينقش على الذهب فيحوّله ذهبين ، وينقش على اللوحة الوانا غير عادية فيحيلها سماء ونساء و تفاحات ، و ضحكات ، وصهيل خيول ..كان لنا حديث ممتع معه.

– ما حكايتك مع هذا الجمال الباذخ في لوحاتك ، كيف تتحدث عن تجربتك الرائعة هذه ؟
– كتجربة أستدرك فيها دوري ووجودي في هذا الكون الواسع بالرغم من التناقض الواضح للاساليب الفنية ، وأجد نفسي  مسؤولا عن ايجاد علاقة جدلية للتوازن البيئي لكي تأخذ دورا ً في الابتكار والابداع . لاعمالي معانيها وحيويتها ، أستفيد من تفاوت اللّون المريح ، وتبقى المرأة عندي نموذجا للجمال ، وللحياة بكل معانيها.
– طيب كيف كانت البداية؟
–  انا من العمارة « قلعة صالح» أصلا ولدت فيها ونشأت داخل أسرة عمّالية تعيش على الاجور التي يحصل عليها الاب  من أعمال النقش على الفضيات وتحفيات الصاغة بضمنه رسوم من التراث ، كان يستعمل  قلم الرصاص للرسم ومن ثم قلم النقش الحديدي على الفضيات ،  وقد جال أبي بلدانا عديدة في الاربعينات  لترويج هذا الفن التراثي الجميل ،وكنت مولعا بالنحت على الصلصال الذي يتجمع على ضفاف دجلة  في فصل الربيع وأعمل منه مسطّحات مناسبة، ثم انحَت عليه ما يجود به خيالي  من أفكار، وأنا في العاشرة من عمري ، وبدون معلّم او معلّمة بعد وفاة والدي عام 1943 حيث رجعنا الى قلعة صالح في عام 1949 ، سألتني عن البدايات فاقول أنا  ايضا من البصرة ومن السليمانية ، نعم عشت في هذه المدن الرائعة ، ولكل منها في روحي نداء ومهرجان ، كما قلت بدايتي  الفنية من الستينات ممارس للرسم والخزف وطوال هذه الرحلة قدّمت ، وأقدّم تجربتي بكل رموزها وتحولاتها متناولاً البيئة العراقية وتنوعها ، مغترفاً من الرّمز والاسطورة العراقية المتواصلة بشوق الى الانفتاح اللوني بالرغم من التفكيك المتوازن بعيداً عن الاساليب المقحمة والتلطيخ اللوني . التجربة في حضور الخط الوهمي لانشائية اللوحة ، وغنائيته الموسيقية في تشابك الالوان ، واستخلاص الاطر الفنية من تجربة الفنون الرافدينية ، وتوظيفها في منجز تشكيلي يعكس كونية الاشكال ، وعراقة مخلصة ، وعشق متدفق افجعته مرارة التمزق الداخلي والبيئي . الهدف في إغناء التجربة الفنية العراقية ومواصلة الارث الحضاري ، ووضع لبنة في صرح الرسم. ر
–  متى وصلتم الى استراليا؟
– اوّل الامر انا خرجت من العراق عام 2002 بقيت حوالي ثلاث سنوات في الاردن، ووصلت استراليا في 15.04.2004.
– -ماذا عن دراستك؟
– في العام 1962 التحقت بمعهد الفنون الجميلة  وأكملتها في العام 1965 وأثناء دراستي أعتقلت من قبل البعثيين  وذلك بتهمة إنتمائي الى الحزب الشيوعي العراقي وكنت منتميا له فعلا، وتنقلت بين عدة سجون منها سجن كركوك  وسجن السليمانية وسجن بغداد المركزي  وموقف جلولاء ثم سجن نقرة السلمان الرهيب  بعد ذلك موقف البصرة ثم اطلق سراحي. وتعينت في بعقوبة ، ثم سحبت الى النشاط المدرسي ، وكلّفت من قبل تربية بعقوبة لانشاء قسم الفنون الحرفية» سيراميك ومعادن و سجّاد» وقد  أقمت دورات عديدة للمعلمين والمعلمات لفن السيراميك واعمال المعادن والسجاد  ،  وأقمت نشاطات اخرى في المجال نفسه.وأنني ممارس محترف لفن الصياغة والنقش اليدوي والنقش البارز على معدني الذهب والفضة وصياغة التحف الفولكلورية منذ عام 1954.
–  قلت انك عشت في السليمانية  ، كيف حدث ذلك؟
– في بداية الستينات إنتقلت مع أسرتي للعيش في السليمانية ، بقينا هناك لسنتين تقريبا ثم عدنا الى بغداد ، كما سبق أن سجنت في سجن السليمانية من قبل البعثيين ، وفي السجن كنا مشغولين بصناعة النمنمات  ، وكنا نبيع المحفظة المصنوعة من النمنم بربع دينار ، ذلك الوقت كان يشكل مبلغا محترما. وتعرفت على الكثيرين من الاخوة الكورد لا اتذكر اسماءهم مع الاسف ، لكن هناك  صديق لا يمكن أن أنساه وهو صديقي عباس روستم  ، ومن المفارقات انني كنت اطلب منه ان يتكلم معي باللغة الكوردية حتى اتعلّمها لكنه كان دائما يفضل ان يتحدث معي بالعربية ..السليمانية مدينة رائعة لن أنسى ناسها الكورد الطّيبين. كما كان لي صداقة مع الفنان الكبير الله يرحمه الاستاذ الرسام محمد عارف .
– أهمّ المعارض التي أقمتها أو التي اشتركت فيها..
– أنا شاركت في معظم معارض جمعية الفنانين التشكيليين العراقيين منذ عام 1967، واشتركت في معرض الواسطي الذي أقيم في قاعة النصر ببغداد عام  1974 ، كما شاركت في معرض البينال العربي في بغداد عام 1973، وشاركت في المعرض الذي أقامته منظمة الامم المتحدة في عمان وفي فرنسا عام 1999، وشاركت في المعرض التشكيلي الذي أقامته السفارة السويسرية بالتعاون مع المفوضية السامية للامم المتحدة في 15.12.2002 في صالة الاندي ،  وأقمت معارض في صالة الاورفلي في عمان عام 1998 وفي صالة النادي الاورثوذكسي في عمان عام 200 ولي أعمال منتشرة في العالم مثل بريطانيا و السّويد واستراليا  وسوريا و فرنسا و تونس و لبنان والاردن و المانيا ومصر ودول اخرى. وأقمت معرضا شخصيا لي في ليفربول في استراليا في الشهر التاسع عام 2006.