بعد عودتها أخيراً من الولايات المتحدة الأميركية، حيث حاضرت في جامعة «هارفرد» المرموقة، وتزامناً مع استكمال إطلالاتها عبر برنامج الرقص الأوّل من نوعه في العالم العربي «يلا نرقص»، خصّت مصمّمة الرقص اللبنانية أليسار كركلا «الجمهورية» بحديث يلقي الضوء على قصتها في عالم الرقص ونظرتها إلى صناعة هذا الفن في العالم العربي.
«ّل باقة خبرات منوّعة»
لم تكن أليسار كركلا قد أكملت عامها الأوّل عندما غادرت لبنان إلى لندن التي عاشت فيها معظم حياتها. المحطة التالية كانت في لوس أنجلس التي احتضنتها طوال عقد من الزمن وفتحت لها أبواب لقاء أهم مصممي الرقص وصنّاعه، قبل أن تتخذ الصبية اللبنانية بعد 29 سنة من الغربة قرار العودة.
هكذا جاءت محمّلة بخلفية أكاديمية صلبة وبخبرة غنية في عالم الرقص. وهنا كان ينتظرها تاريخ عائلة صنعت مجداً في أحلك ظروف الوطن وأشدّ حروبه ضراوة. كان ينتظرها مسرح قاوم المتاريس وحمَلَ العلم والحلم اللبناني إلى أهم مسارح العالم.
محاضرة في «هارفرد»
في جامعة «هارفرد»، ألقت أليسار محاضرةً عن قدرة الرقص على التأثير في حياة الشعوب. روت قصّتها مع الرقص واستعادت صوَرها في عوالمه الجميلة وفي ظروف صناعته الصعبة. وتؤكّد في حديث خاص لـ»الجمهورية» أنّه «ليس سهلاً أن تكون فناناً في العالم العربي. ففي حين تخصّص دولة مثل إنكلترا 349 مليون باوند سنوياً لدعم الفنون، يغيبُ الدعم الرسميّ عن الفنانين والمؤسسات الفنية العربية».
قصة فرقة وحكاية وطن
وتضيف: «دُعيت إلى هارفرد التي استضافت أيضاً السيدة نورا جنبلاط للحديث عن مهرجانات بيت الدين. وفي كلمتي رويت قصّتي مع الرقص، فصحيحٌ أنّني تربّيتُ في لندن، لكنني رأيت كم عانى والدي عبد الحليم كركلا خلال الحرب اللبنانية، حيث لم يتوقف مسرح كركلا يوماً واحداً على رغم كل الصعوبات.
كانت الفرقة تتنقل من منطقة إلى أخرى لتواصل تمارينها، ولم تفعل ذلك فحسب، ففي حين كانت الحرب تشتعل هنا، كانت الفرقة ترفع العالم اللبناني في أهم المسارح بين لندن وباريس وأميركا، لذا مهما كانت الظروف صعبة يبقى الفن وحده قادراً على كسر الحواجز كلّها».
بين المسرح والشاشة
وبعد تسعة مواسم في برنامج «ستار أكاديمي»، تطلّ أليسار كأحد أعضاء لجنة تحكيم برنامج So You Think You Can Dance- يلا نرقص، عبر شاشة الـ MTV.
في هذا الخصوص تقول: «تتراكم الخبرة كلّ عام، ومع كلّ برنامج جديد. أحببتُ الانضمام إلى «يلا نرقص» لأنّه يختص بعالم الرقص، ومن المهمّ ان نفهم لغة الرقص بنحو أفضل في العالم العربي. فقد عشتُ حياتي كلها في الخارج، وقابلتُ مصمّمي وأساتذة رقص كُثُراً من حول العالم، وتربّيتُ في عائلة فنّية، ما سمح لي بأن أعي باكراً أنّ الرقص أكثر بكثير من مجرّد حركة جسد، وبأنّه لغة راقية لا تعرف حواجز، لكن في العالم العربي لا يذهب الجميع إلى المسارح التي هي بدورها قليلة جداً مقارنة بالخارج.
بالنسبة إليّ المسرح عالمي، وأنا ابنة مسرح، ولدتُ فيه وسأبقى فيه، لكن لا يمكنني أن أنتظر من الجميع أن يأتوا إلى المسرح. في المقابل، يدخل التلفزيون كلّ بيت عربي، لذا أحببتُ أن أكون موجودة لأتشارك خبرتي وأعطي صورة جميلة عن الرقص، فالشاشة هي بمثابة نافذتي على العالم العربي».
لو رقص السياسيّون
وتضيف: «لطالما تابعتُ البرنامج بنسخته الأميركيّة وكنتُ معجبة به، وقد درست وعملت مع معظم مصمّمي الرقص المشاركين في النسخة الأميركيّة، لذا رغبتُ بالمشاركة في النسخة العربية الأولى لأعطي خبرتي في عالم الرقص وأتمكّن من إيصال صورة الرقص كأرقى أدوات التعبير الثقافية والعالمية. وأنا سعيدة جداً وفخورة بالمستوى العالي الذي جاءت عليه النسخة العربيّة الأولى، ومتأكّدة من تطوّرها أكثر في المواسم اللاحقة».
وتبدي أليسار سعادتها بهذا النوع من البرامج الذي يتوجّه إلى مختلف شرائح المجتمع ويخاطب الجيل الجديد، ما ينعكس حماسةً عامةً إزاء الرقص، فنسألها ما الذي كان سيتغيّر لو أنّ السياسيين والحكّام العرب رقصوا؟، فتقول ضاحكةً: «لم أتحدّث يوماً في السياسة، لكنني أعتقد أنّ الرقص شكلٌ من أشكال الفنون التي تخاطب إنسانيّتنا، ولا شَكّ في أنّه يزيدنا فرحاً.
فلو رقص السياسيّون لأصبحوا ربّما أكثر سعادة وقدرةً على تقديم الأمور الجميلة في الحياة وإسعاد الآخرين، فلا يمكن لإنسان أن يرقص وألّا يشعر بهذه السعادة والطاقة. في المقابل، لا يمكننا أن نكون حالمين ونعتقد أنّ الرقص هو الحَلّ لمشكلاتنا السياسة، لكن على الأقل هذا النوع من البرامج يحضّ الناس على الفرح والحياة».
إختلاف بلا خلاف
وعن انسجامها مع مختلف أعضاء الفرقة تقول: «لكلّ منّا خبرته وخلفيّته المختلفة، لذلك نحن بمثابة باقة ورد منوّعة. أنا آتية من المسرح، ونيللي كريم آتية من مصر وهي ممثلة وكانت ترقص الباليه، وبيار رودلاين له خبرته المختلفة، وكذلك شارل مكريس.
نحترم بعضنا وخلفيّاتنا المختلفة، وهدفنا ليس أن نتفاخر ببراعتنا، وإنّما أن نساهم في إيصال أفضل الراقصين إلى النهائيّات. بالطبع سنختلف على مَن نرى أنّه الأفضل، وهنا يحين دور الجمهور لتكون له الكلمة الفصل».
لهذا غادرت
وعن صعوبة اتّخاذ قرارها بمغادرة «ستار أكاديمي» بعد 9 سنوات فيه، تجيب: «لم أتخلَّ عن «ستار أكاديمي» لأنضمّ إلى «يلا نرقص». فهو كان فرصة جميلة بالنسبة إليّ وقرار مغادرته ليس سهلاً، لكنّه كان يتطلّب مجهوداً جبّاراً.
خلال السنوات الماضية كنت أحضّر ما بين الثمان أو التسع رقصات في الأسبوع وأدرّب فرقة من 25 شخصاً إضافةً إلى تعامُلي مع طلّاب غير مهيّئين ليكونوا راقصين. يستغرق العمل نحو ستّة أشهر والضغط كبير.
ومع ذلك أنا شخص يحبّ التحدّي، لكنّ تزايُد مسؤولياتي ضمن مسرح كركلّا وضمن مدرستي الخاصّة لتعليم الرقص والتي تضُم أكثر من 2000 طالب، جعلني أقول لنفسي إنّ 9 سنوات كافية، وقد قدّمت خلالها لوحات متنوّعة جداً، ولا أحبّ أن أكرّر نفسي… وبعدما اتّخذتُ قراري، علمتُ بدعوة «هارفرد» وما كان من السهل التغيُّب لعشرة أيّام لو أنني كنت لا أزال في «ستار أكاديمي»، ففضّلتُ «هارفرد» لأنّها فرصة من العمر أن أكون موجودة في محفل عالميّ كهذا لأمثّل صورة الرقص في العالم العربي، وبعدها عُرضَ عليّ الانضمام إلى «يلا نرقص» الذي لطالما كنتُ معجبة به، فوجدتها فرصة لخوض تجربة جديدة».
هذه أنا
لكن هل من الصعب أن تكوني أليسار كركلا مع كل ما يحتّمه هذا الاسم من مسؤوليّة؟ سؤال تجيب عليه أليسار بالقول: «أشعر بأنّني محظوظة لأنّني وُلدت في هذه العائلة. الوالد هو أكبر أستاذ لي، ليس فقط كأب، وإنّما كَمُلهِم في الحياة وفي الفنّ، وقد فتحَ ليَ باب دخول هذا المجال، لكنّني لم أدخل عالم الرقص لانّني إبنةُ عبد الحليم كركلا بل لأنّه رأى فيّ موهبة. كان دائماً يقول لي لا يُمكنكِ أن ترثي الفن، فهو موهبة ومسؤولية.
واليوم مسؤوليّتي كبيرة في اتّباع خطوات والدي، لكنّني أعشق التحدّي، وأشعر بأنني أمدّ ذراعي لأحمل هذه المسؤولية وأسير بها، لأنّ مسرح كركلا ليس مجرّد فرقة رقص، بل بات بمثابة سفير لصورة لبنان الثقافية لدى أهم المحافل العالمية».
لهذا بكيت
وتضيف: «عندما قرّرتُ العودة من الخارج، لا أنكر أنّني شعرت بأنّني غريبة في بلدي. لم أكن أعرف ماذا يعني لبنان، لكنّني شعرت بأنّ لديّ دوراً يجب أن أؤدّيه هنا ومسؤوليّة إزاء إرث الوالد الفنّي ومشواره وإزاء عائلتي، فالعائلة هي الأهمّ في نظري.
كنتُ في صفّ في لوس أنجلس يضم 300 تلميذ، وكان مُتعلّقاً بحضارة الشعوب، فأعطى الاستاذ مثالاً على فرقة كركلا التي استطاعت الاستمرار في بلد مليء بالتحدّيات مثلَ لبنان. أدمعت عيناي، وهو بالطبع لم يكُن يعلم أنّ ابنة عبد الحليم كركلا معه في الصف.
وكلّ ما كبرتُ، شعرت أكثر بهذه المسؤوليّة، وبأنّني مدعوّة لتأدية دور معيّن إزاء عائلتي وطلّابي وبلدي وصورة الفن في العالم العربي. أشعر بأنّ دوري لم ينتهِ وبأنّ لديّ رسالة مهمة أؤدّيها، وربما عندما ينتهي دوري لن أتمكن من العيش هنا. يجب أن يكون لدينا هدف من وجودنا، وهذا هدفي».