Peirre Samaan2بقلم بيار سمعان

الانخفاض الديمغرافي في عدد السكان في الدول الاوروبية اصبح يشكل ظاهرة مقلقة بالنسبة للباحثين ولرجال السياسة. وقد عالجت سابقاً هذا الموضوع من ضمن المخاطر التي تهدد مستقبل الاتحاد الاوروبي. فالنمو السكاني في ايطاليا اصبح كارثياً، وهنغارياً تكافح ضد هجرة السكان، والقرى الاوروبية تتجه نحو الموت والزوال، وعدد السكان في رومانيا ينخفض يوماً بعد يوم، وفنلندا تعاني من انخفاض في معدل الولادات فيها.. كلّ هذه المؤشرات السكانية دفعت المفكرين للتحدث عن سقوط الحضارة الاوروبية نتيجة لانخفاض نسبة الولادات.
الكاتب والصحافي الايطالي المعروف جوليو ميوتي Meotti  كتب مؤخراً تعليقاً عن هذه الظاهرة بطلب من معهد Gatestone  يصف فيه ما دعاة «الشعب البديل» او التغيير السكاني الذي يحدث في اوروبا.
فالشعب الاوروبي الاصلي يموت بسرعة فائقة تزيد على قدرته على اعادة انتاج ذاته.
وحسب مكتب احصاء الاتحاد الاوروبي والارقام الصادرة في سنة 2015، فان 5،2 مليون شخص يموتون سنوياً في الاتحاد الاوروبي، مقابل ولادة 5،1 مليون طفل خلال نفس المدة الزمنية. وهذا يعني وجود نقص سكاني يصل الى 100 الف نسمة سنوياً.
لكن الاحصاءات تشير على العكس ان عدد السكان في اوروبا ارتفع خلال سنة 2015  ما يوازي 1،8 مليون نسمة نتيجة لتدفق المهاجرين واللاجئين، اذ دخل اوروبا خلال هذه السنة حوالي مليوني مهاجر ولاجئ ويصف «ميوتي» هذه الوضعية كالتالي:
«انها ظاهرة الشعب البديل. لقد خسرت اوروبا الرغبة والارادة والتصميم على الحفاظ على نموها السكاني الطبيعي. هذه الظاهرة هي بمثابة زلزال ديمغرافي، كما حدث خلال انتشار وباء الطاعون في القرن الرابع عشر».
وفي نظرة مركزة اكثر، يمكننا ان نرى ان انهيار اوروبا يكمن في عدم قدرتها على استبدال ذاتها. فايطاليا تعاني من ادنى درجات الولادة في الاتحاد الاوروبي منذ ولادة اوروبا الحديثة في سنة 1861. اما نسبة الولادات في البرتغال فهي 2،2 بالألف. اما دول اوروبا الشرقية فتشهد  موجة غير مسبوقة من النزوح والهجرة، وخسارة سكانها في التاريخ الحديث، فيما انخفض عدد الولادات في المانيا الى مستويات متدنية هي الآن اقل من معدل الولادات في اليابان.
ويمكن الملاحظة ان هذا التدني كان متسارعاً خلال السنوات الخمس الماضية، اذ تشير الاحصاءات انه بين 2008 و2013 انخفضت نسبة الولادات في الاتحاد الاوروبي بمعدل 7 بالمئة. فاوروبا اشرفت على الشيخوخة عوض  ان تستبدل ذاتها طبيعياً، وان الاستبدال الحاصل هو نتيجة تدفق المهاجرين واللاجئين، خاصة من الشرق الاوسط وافريقيا وآسيا. هؤلاء المهاجرون يستبدلون بشكل سريع السكان الاوروبيين ويعوضون عن النقص في نسبة الولادات. وهم بالمقابل ينقلون معهم ثقافة مغايرة جذرياً للثقافة الاوروبية، خاصة بالنسبة للعلوم والجنس والقوة السياسية والاقتصاد والحضارة والامور الميتافيزيقية (الماورائيات) والعقيدة الدينية…
ويعتقد «ميوتي» انه بعد جيل من اليوم ستتخذ اوروبا شكلاً اجتماعياً مغايراً لما هي عليه الآن، وان هويتها الثقافية هي مهددة بالدرجة الاولى من قبل النزعة التحررية التافهة والايديولوجيات الهدامة تحت ستار الحرية، خاصة التي تسعى الى هدم العلاقات بين الرجل وعائلته، وبين الانسان الاوروبي واهله وعمله وتاريخه ودينه ولغته وامته… وحريته الشخصية. هذه الحالة انتجت انساناً اوروبياً غير قادر على الحراك وغير مبالٍ ان نجحت اوروبا او فشلت، وغير معني ان اختفت الحضارة الاوروبية وغرقت في خضم الفوضى الاثنية او اجتاحتها ديانة جديدة قادمة من الصحراء العربية.
ويرى «ميوتي» ان تحولات جذرية تحدث الآن في قلب اوروبا ويبدو، حسب نظره ان قلب الاوروبيين ليس مهيأ لتحدي او فهم ما يجري بعد ان فقدت لديه المشاعر الدينية اهميتها.
ويصف الانسان الاوروبي انه بإلحاده حوّل  اوروبا الى قارة عاقرة فقدت إلهها واطفالها ولن تمتلك القوة لقتال او دمج الديانات التي تهدد ايمانها الاصلي. ويبدو حسب رأي «ميوتي» ان التبدل الحاصل داخل اوروبا سيكون لصالح الاسلام.
وفيا يتخلى الاوروبي عن تمسكه بإيمانه المسيحي، يتعلق المسلم بدينه حرفياً. وبينما توقف مسيحيو اوروبا عن ممارسة واجباتهم الدينية، يقوم المسلم بالصلاة يومياً ويحافظ على شعائره وتقاليده الدينية. وبينما تقدّر نسبة الولادات في العائلة الاوروبية بـ 2،1 بالمئة تزيد عند المسلم على  6،5 بالمئة. وفيما يبيح الاوروبيون  زواج المثليين، وهو غير قادر على الانجاب والتكاثر، يتمسك المسلمون بأهمية العائلة ويشجعون على تعدّد الزوجات لمن امكنه ذلك…
اضف الى ذلك اباحة الاجهاض بحجة حرية الاختيار وحقوق المرأة واللجوء الى وسائل منع الحمل ومنح اللذة الجنسية الاولوية على الانجاب.
ان قادة اوروبا هم نتاج هذه الثقافة السائدة. وهم اما عاجزون او غير مبالين بالتبدلات الاجتماعية والثقافية، او متآمرون على شعوبهم.
مع تدفق ما يزيد على مليون ونصف لاجئ شرق اوسطي الى المانيا، حذرت انجيلا ميركل الشعب الالماني ان يستعد لمواجهة تبدلات جذرية قد تقضي على المانيا وتبدل تاريخها.
فهل يشهد العالم بداية نهاية اوروبا التي نعرفها في كتب التاريخ، وهل ميركل وما تمثله على الساحة الاوروبية هي مجرّد شاهد زور على زوال هذه القارة؟
من يعش ير!!