رنا اسطيح

تختزن بيروت قصصاً شخصيّةً وعامّة تشكّل هويّتها الفريدة التي جعلت منها المدينة – الرمز أو مدينة الأضداد والمتناقضات. هذه المدينة بأوجهها العديدة ستتجسّد مسرحياً من خلال شخصيّة «الست بديعة» في عمل من كتابة جيرار أفيديسيان وإخراجه وبطولة ندى أبو فرحات التي ستقف أواخر الشهر المقبل على خشبة «ميترو المدينة» لتقدّم لنا نسخة فنّية جديدة عن المدينة المُشتهاة والساكنة في الذاكرة.
بعد النجاح الكبير الذي حصدته ندى أبو فرحات عن مسرحيّة «مجنون يحكي» من إخراج لينا خوري وبمشاركة الفنان زياد الرحباني وغبريال يمّين وأبطال آخرين، تعود الممثلة اللبنانية مجدداً إلى خشبة المسرح ولكن هذه المرّة وحيدةً ومن خلال الكاتب والمخرج جيرار أفيديسيان الذي يوقّع مسرحية «أسرار الستّ بديعة».
في المسرحية الجديدة تقف ندى وحيدةً على الخشبة لتواجه نفسها وجمهورها في عمل يتناول ذاكرة بيروت من خلال شخصية امرأة ستنصهر بنفسها مع روح المدينة.
هو اللقاء الفنّي الأوّل الذي يجمع ندى بجيرار الذي قدّم أخيراً «عودة الست لميا» لرولا حمادة. «هذه المسرحية بالذات شاهدتُها مرّتين لشدّة إعجابي بالنصّ والتمثيل. وهو بدوره كان قد تابعني في أعمال مختلفة على المسرح ثمّ التقينا وتناقشنا وأنا سعيدة جداً اليوم بالتعاون معه» هذا ما تقوله ندى في حديث خاص.
جيرار… الفنان الحسّاس
وتتابع: «جيرار من الأشخاص المميَّزين في طريقة تفكيرهم. مخرج مثقّف درجة أولى وله طريقة خاصّة جداً في العمل. فالتحضير للشخصية يتمّ من خلال جلسات عفوية نتشاركها وتطال أحاديث عميقة ومتشعّبة أكتشف لاحقاً أنها تصبّ مباشرة في إطار تطوير وبلورة الشخصية التي أؤدّيها».
ماذا يقول أفيديسيان إذاً في هذه المسرحية عن بيروت وذاكرياته مع المدينة؟ تجيب: «جيرار أمضى حياته بين فرنسا وإيطاليا وروسيا وقد عمل مع أهمّ صنّاع المسرح والسينما كما كانت لديه أعمال بارزة في لبنان. هو شخص حسّاس ولديه نظرة خاصّة جداً لبيروت تملؤها النوستالجيا. هذا ما ينقله إلينا في هذه المسرحية التي تأتي بعد مشوار مهني وشخصي زاخر بالأحداث والتفاصيل والتجارب والذكريات».
بين بيروت الأمس واليوم
تتقاطع نظرة المخرج الفذّ إزاءَ المدينة مع نظرة ندى التي تؤكّد: «أحلم ببيروت مثلما كانت قبل الحرب. وأحرص على التواجد في الأماكن ومع الأشخاص الذين ينتمون إلى هذا الجوّ الثقافي الحضاري وأشعر أنني أشكّل رابطاً بين بيروت المعاصرة والمدينة القديمة.
والحقيقة أنّ هناك عنصراً مشتركاً آخر قوياً جداً بيني وبين جيرار هو نظرتنا لكبار السنّ ومدى تأثّرنا بهم وهذا جانب آخر من جوانب المسرحيّة. وأعدكم أنّ «الستّ بديعة» ستأخذكم إلى عالمها السحري الذي تشتهونه في خيالكم لتعيد رسمَ صورة المدينة برؤية فنّية جديدة ومختلفة «.
عن رهبة الوقوف وحيدةً على المسرح تقول ندى: «أشعر بالخوف والرهبة ولكنني أتمتّع بهذه التجربة الجديدة. بالطبع هناك قلق ومسؤولية كبيرة لأنني أؤمن بالإيقاع وأهميته على المسرح فكلّ كلمة يجب أن تخرج بالطريقة الصحيحة ليكون لها معناها ووقعها الخاص».
ليلة واحدة في برودواي…
ندى التي اختتمت أخيراً «مهرجانات ذوق مكايل الدولية» من خلال العمل المسرحي الاستعراضي «One night in Broadway» تعتبر أنّ موهبتها المتشعّبة في مجالاتٍ عدّة هي التي تقودها إلى مساحات فنّية مختلفة، موضحةً: «أنا لست مغنّية، وإنما ممثلة تعرف أن تغنّي قليلاً وعلى هذا الأساس أقدّم هذا النوع من الأعمال.
لديّ أفكار كثيرة لمسرحٍ استعراضي ولكنني لستُ من النوع الذي يتسرّع وإنما أفضّل أن أنتظر الوقت والظروف المناسبة على أن أقدّم عملاً كيفما كان».
بدّي حكيم!
ندى التي تستعدّ للمشاركة في ثلاثة أعمال سينمائية جديدة تعترف أنها لا تستطيع أن تفصح عن أية تفاصيل في الوقت الحالي لا سيّما أنها لم تشرع في تصوير أيّ منها، إلّا أنها تؤكّد: «العروض السينمائية كثيرة وأنا أوافق على عدد منها. وسأكرّر تعاوني مع شخصين سبق أن جمعتني بهما أعمال ناجحة هما: نيبال عرقجي ولينا خوري»، رافضةً الخوض في مزيد من التفاصيل.
وعن مدى رضاها عن مشوارها المهني تقول: «أحياناً أشعر أنني لم أفعل شيئاً يُذكر إلى اليوم وأحياناً أخرى أشعر بالفخر لأنني أثبت نفسي وفرضت اسمي بمجهودي الخاص من دون مساعدة أحد. لديّ هاتان النظرتان المتناقضتان تماماً». وتضيف ممازحةً: «يمكن بدّي حكيم».
القرار الصعب
وتتابع: «ينضج الفنان بعد مشوار معيّن ويدرك أكثر ماذا يريد ومَن هم الأشخاص الذين يجب أن يتعاون معهم. وأنا أشعر بالفخر أنني أخذت قراراً بعدم التنازل عن القيمة الفنّية لأيّ عمل أقدّمه. لا يهمّني أن أقدّم أعمالاً موجّهة فقط لأشخاص لا يشاهدون سوى التلفزيون وإنما أعمال تحثّ على التفكير وفنّية أكثر.
هو بالطبع قرار صعب لأنّ الفن الجميل في النهاية ليس متوفّراً بكثرة وهو غير تجاري. ابتعدت من الأعمال التجارية وأنا سعيدة ومرتاحة وفخورة جداً بهذا الخيار. أشعر أنني اخترت خطّي الخاص وأسير عليه في دربي المهنية. فأنا أرغب بأن يُقال بعد موتي «هذه ممثلة أعطتنا أشياء جميلة وحرّكت مشاعرنا وتفكيرنا وليس «هذه ممثلة شفاهها جميلة وتاتو الحواجب لديها رائع»!
دوري أسند لمبتدئة!
وعن حقيقة اعتذارها عن أعمال تلفزيونية عدّة في الفترة الماضية لا سيّما عن مسلسلي «24 قيراط» و»قصّة حب»، تقول: «بالطبع اعتذرت لأنني متى أردت أن أشارك في دراما تلفزيونية فيجب أن يكون الدور على الأقل مكتوباً لي لا أن يكون دور إن اعتذرت عنه يُسنَد إلى مبتدئة! أشعر بقلّة قيمة من ناحية اختياري لأدوار تلفزيونية معيّنة ولم أعد أرضى أبداً بهذا الأمر».
وعن الأدوار التي اعتذرت عنها تكشف: «كان معروضاَ عليّ دور فيفيان أنطونيوس في «24 قيراط» وفي «قصة حب» دور أظنّه ذهب إلى ملكة الجمال نادين ويلسون نجيم».
وعما إذا كان كلامها يعني أنها تعتبر نادين مبتدئة تجيب: «بالطبع أعتبرها مبتدئة في التمثيل. أما فيفيان أنطونيوس فالأمر مختلف معها. هي صديقتي ونحن في مرحلة متقاربة من مشوارنا المهني. ولكنني أتكلّم عن أداور كثيرة أخرى حيث لم يعد هناك احترام لمسيرة الممثل المهنية. عيبٌ أن تستخفّوا إلى هذه الدرجة بقيمة الفنان الصح الذي درس وتعب وطوّر نفسه ولديه الكثير ليقدّمه.
ولكنّ اللوم يقع أيضاً على الفنان الذي يرضى وأنا لم أعد أرضى بذلك. وهذا أفضل لي لأنني أوفّر طاقتي لأوظّفها في المكان الصحيح الذي يناسبني. أشارك في المسلسلات ولكن بشرط أن تكون بمستوى الأدوار التي قدّمتها في هذا الإطار سواءٌ أكانت أدوار بطولة أم لا ولكن يجب أن تكون شخصية لا يستطيع أن يؤدّيها إلّا مَن لديه إلمام مهني وخبرة كافية».
وتشدّد: «الممثل يجب أن يطالب بحقوقه ولا يخشى زعل المنتجين أو الكتّاب لأنّ البعض يقاطع مَن يبدي رأيه بصراحة أو يطالب بحقه وأنا «مقاطعينّي من زمان وعاملين فيتو» ولكن ما مِن مشكلة أبداً فالفيتو في المكان غير المناسب يفتح مجالات في أماكن كثيرة أفضل… هذه صرختي للممثلين: إقطعوا علاقتكم بهكذا أشخاص وافتحوا مجالاً لعلاقات مع أشخاص يفهمون في الفنّ ويحترمون المهنة».
ندى التي تطالب بحقوق الممثلين من غبن بعض المنتجين واحتكار الكتّاب، تخوض خطاً مطلَبياً موازياً من خلال مشاركتها في المظاهرات الشعبية التي تشهدها البلاد لا سيّما ضمن حركة «طلعت ريحتكم» حيث تقول:» أنا من المؤمنين بهذه الحركة ولهذا تابعتها من البداية.
واليوم بات هناك حراك آخر تحت عنوان «دفاع» يجمع إعلاميين وفنّانين كثراً ويدعم مطالب الشعب اللبناني ويساهم في مواكبة الحراك الشعبي من النواحي الإبداعية سواءٌ في ابتكار الشعارات أو تصميم اللوحات أو الفيديوهات…
وقريباً ندعو لمؤتمر صحافي لإطلاقه. هو دعم فنّي لكلّ الحركات المطلَبية وأنا معها جميعاً للمطالبة بحقوقنا الجوهرية والأساسية كمواطنين أما الجوانب السياسية فنتركها لرجال السياسة».