دلّت نتائج الانتخابات النيابية في لبنان الى ان الرأي العام غير راضٍ تماماً عن الطبقة السياسية، لا سيما التيار الوطني الحر وتيار المستقبل. فصحيح ان الحزبين أحرزا نتائج جيدة، الا ان مجرّد ارتفاع المحصول النيابي لخصومهما، والخرق الذي تعرضت له لوائحهما وتحديدا لوائح التيار الازرق، يشكلان في حدّ ذاتهما، انتكاسة للفريقين. فلا يخفى على أحد انهما ارادا الاستحقاق لتدعيم سيطرتهما على شارعيهما، بما يساعدهما أكثر في فرض خياراتهما السياسية في المرحلة المقبلة، الا ان ذلك لم يتحقق لا بل حصل العكس تماما.
يمكن القول إن تيار المستقبل بزعامة رئيس الحكومة سعد الحريري هو الخاسر الأكبر، فنجاح الرئيس نجيب ميقاتي في العودة الى ساحة النجمة، تماماً كما فؤاد مخزومي وعبدالرحيم مراد وفيصل كرامي واسامة سعد وجهاد الصمد- وإن كانت لن تكسر تفوّق الرئيس سعد الحريري وتيار المستقبل في الشارع السني وأحقّيته تاليا في رئاسة الحكومة- الا انها بلا شك، ستعيد خلط الاوراق بقوة على هذه الضفة، وتعطي الفائزين الجدد “حجّة” أقوى لـ”مقارعة” الحريري.
وفي النتائج ايضا خسارة اللواء اشرف ريفي، اذ انه لم يتمكن من الوصول الى الحاصل الانتخابي في دائرة طرابلس المنية الضنية لكنه ساهم في تراجع الحاصل الانتخابي لتيار المستقبل في هذه الدائرة.
اما على الساحة المسيحية فحقق حزب “القوات اللبنانية” نصرا أكثر من المتوقع، اذ ضاعف كتلته وفاز بـ15 مقعداً بينما دلت الأرقام والنسب على تراجع في المزاج الشعبي المؤيد للتيار الوطني الحر عن الانتخابات الماضية في 2009 بالرغم من حصوله مع حلفائه على نحو 26 مقعداً.
فقد تعرض التيّار الوطني الحُرّ لخروقات كبيرة في العديد من الدوائر، من جبيل كسروان مُرورًا بالمتن وببعبدا وُصولاً إلى جزيّن، لكن التيار سيحافظ على الكتلة النيابية الاكبر على الساحة المسيحية مستفيدا من التحالف مع شخصيات لا تنتمي له.
اما حزب القوات اللبنانية الذي يدخل الى البرلمان بقرابة الـ15 نائباً فقد اثبت أنّه يتمتّع بشعبيّة قويّة في مُختلف الدوائر. ويسجل للقوات ايصال نوابهم بنسب اصوات عالية تصدّر الكثير من بينهم لوائح الفائزين.
وبالحضور القوي لتيار المردة الذي كبرت ايضا كتلته النيابية، ومع تراجع حزب الكتائب الى 3 نواب، لن يستطيع اي فريق ان يدعي بعد اليوم احتكار صفة التمثيل المسيحي به.
“الثنائي” يكتسح
على الساحة الشيعية اثبت الثنائي (حركة امل وحزب الله) اكتساحه الكامل وقُدرته على تجيير أصوات كبيرة مؤثّرة في كل الدوائر التي يتواجد فيها.
ولولا سُقوط مرشّح الحزب في جبيل ? ?كسروان? لكان الُثنائي الشيعي فاز بكل المقاعد التي هي من حق الطائفة الشيعيّة بحسب ?القانون اللبناني? (27 مقعدا)
وكرّست النتائج المعلنة الرئيس نبيه بري رئيسا للمجلس النيابي الجديد، واثبتت قوة حزب الله وبات يملك كتلة نيابية وازنة من حلفائه السنة تتماهى في اهدافها مع كتلة “الوفاء للمقاومة” واصبح قادرا على التحكم بمفاصل الحياة السياسية والتأثير فيها كلاعب بارع في هذا الاطار.
وتشير مصادر مقربة من امل وحزب الله إلى أن النتائج أكدت قدرة الثنائي الشيعي على التحكم نوعاً ما بشخص رئيس الحكومة المقبل، كما انه سيملك الكلمة الفصل في تشكيل الحكومة.
الزعيم الأقوى
اما درزياً، فمرة جديدة يثبت النائب وليد جنبلاط انه الزعيم الاقوى وبفارق كبير اذ تمكن الحزب التقدمي الاشتراكي من الاحتفاظ بكتلة نيابيّة وازنة تضم فائزين من مُختلف الدوائر التي تتمثّل فيها الطائفة الدُرزيّة وحققت لائحته فوزا كبيرا في دائرة الشوف عاليه (10 مقاعد من اصل 13) بالتحالف مع “المُستقبل” و”القوّات اللبنانيّة”.
وسجلت خسارة مدوية لرئيس حزب التوحيد العربي وئام وهّاب ولائحته بشكل كامل، وقد سارع وهاب الى اتهام حلفائه بالغدر. وقد تمكن رئيس ?الحزب الديموقراطي اللبناني ?طلال أرسلان? من الخرق بمُساعدة كبيرة من “التيّار الوطني الحُرّ”.
رايات “حزب الله”
من جهته ندد وزير الداخلية اللبناني بالتحركات التي يقوم بها أنصار “حزب الله” في بيروت احتفالاً بنتائج الانتخابات النيابية.
وقال المشنوق في مؤتمر صحافي للإعلان عن النتائج الرسمية للانتخابات إن تلك التصرفات تهدد بإشكالات في الشارع. وأفادت الوكالة الرسمية للأنباء بأن مسلحين على دراجات نارية أقدموا مساء أمس الاول، على رفع أعلام حزبية على تمثال الرئيس الشهيد رفيق الحريري في منطقة سان جورج، ثم انتقلوا إلى منطقة عائشة بكار حيث اعتدوا على عدد من آليات وأطلقوا النار من دون وقوع إصابات. وقد تدخل الجيش للعمل على تهدئة الوضع.
وكان ناشطون تناقلوا مقاطع فيديو وصوراً لمناصري “حزب الله” يرفعون رايات الحزب على تمثال الرئيس الحريري في وسط بيروت، على مقربة من موقع اغتياله في عام 2005.