بقلم بيار سمعان
عندما طرح المفكر السياسي صموئيل هاتنتونغ سنة 1992 نظريته حول صراع الحضارات بشرنا ان العالم مقبل على نزاع بين الغرب «المسيحي» والعالم الآخر «غير المسيحي»… ورأى ان العالم الاخير سوف ينتقل من حالة الانغلاق لحماية الذات الى التسلح ثم الى الصدام مع الغرب. وبشرنا هانتنتونغ ايضاً بقيام نظام عالمي جديد بعد ان يكون «نزاع الحضارات والاديان» قد دمر كل شيئ، فيسهل بعدئذ فرض نظام عالمي يقبل به الجميع، لأن الحروب قد انهكتهم.
غير ان مفكرين آخرين يؤمنون بنظرية التفاعل الايجابي ضمن التعددية الحضارية والتنوّع الديني، لأن هذا هو النسق الطبيعي للتطور الذي يقبل بالآخر المختلف  ويحترم خصوصيته.
لكن الخطر الذي يهدد بضرب هذه النظرية يتوقف على مدى قبول الآخر لدى مكونات المجتمع المحلي،  وعلى صعيد اكبر على المستوى العالمي بأسره. لكن تكمن الخطورة في واقع الانغلاق ورفض الآخر لأسباب ودوافع ايمانية عقائدية. والتاريخ الحديث يتضمن مواقف وممارسات وحروب بنيت على هذه المعتقدات الثابتة ذات الطابع الالهي. وكانت النتائج القتل والدمار واباحة دم مجموعات بشرية تختلف في العرق والعقيدة والتقاليد.
منذ احداث 11 ايلول 2001 بدأ تقسيم العالم الى قسمين متنافرين، اتخذ للأسف الشديد طابع النزاع الاسلامي المسيحي، وهو غير ذلك . وساهمت الانترنيت والفضائيات بتعميق الهوة بينهما، خاصة بعد الحروب التي تلت تلك الحادثة المشؤومة. حرب افغانستان، والعراق وسقوط بعض الانظمة العربية نتيجة لثورة الربيع العربي. وتلا تفكّك العراق والنزاع في سوريا، ظهور تنظيمات اصولية متطرفة، من القاعدة الى تنظيم دولة الاسلام وجبهة النصرة وغيره من التنظيمات التي اضفت على نفسها  طابعاً دينياً ومنحت ذاتها تفويضاً الهياً ورسمت اهدافاً بعيدة لأسلمة العالم، ويتحدث اعلامها صراحة ويبشر قادتها علانية عن رؤيتهم المستقبلية ويدعمهم في هذا المشروع الخطير أئمة يشرعون الجهاد ويحللون سفك دماء كل من هم مختلفون عنهم في العقيدة والدين.
من يراقب تسلسل الاحداث يشهد بسهولة ان وتيرة العنف وحده نزاع الثقافات تتخذ منحاً تصاعدياً يوماً بعد يوم. وبدأ تصدير الارهاب الديني الى العالم اجمع لدرجة ان كل مواطن بدأ يشعر بهذا الخطر اينما وجد.
والارهاب الذي لا يعرف حدوداً اصبح ظاهرة مألوفة في معظم العواصم الاوروبية. فالفظائع التي وقعت في اورلاندو ونيس وباريس وبرلين وقبلها في لندن ومدريد، ومؤخراً حادثة ذبح الكاهن الكاثوليكي داخل الكنيسة، الى جانب المظاهرات التي تقوم بها مجموعات داخل  العواصم الاوروبية في مساع لفرض وجودهم الديني. كل هذه الممارسات اعادت طرح سؤال جوهري حول مدى اندماج المجموعات الاسلامية داخل المجتمع الغربي وقدرتهم على التكيف معه.
ان من يستمع الى خطاب دونالد ترامب وماري لوبان، وبولين هانسون والعديد من القادة الاوروبيين يجد ان الجواب على هذا السؤال هو سلبي. وبدأ العديد من الغربيين المتعاطفين معهم بالمجاهرة ان المسلمين المقيمين في العالم الغربي يشكلون ظاهرة خطيرة داخل المجتمعات العلمانية.
وظهرت مؤخراً موجة من الطروحات الفكرية التي تسعى الى معالجة «صعوبة التكيّف» لدى بعض المسلمين، فدعا مفكرون في الشرق والغرب معاً الى ضرورة اعادة النظر في النصوص التكفيرية داخل القرآن ونزع التفسيرات المتطرفة وطرح مفكرون غربيون تساؤلات حول ضرورة العمل على تحويل المسلمين عن دينهم ودفعهم الى اعتناق المسيحية في محاولة لمعالجة قضية «صدام الحضارات» والحؤول دون وقوع صدامات دموية في اوروبا وخارجها…»»
الروائي الفرنسي ميشال هويلباك احدث ضجة كبيرة في آخر مؤلفاته «الخضوع (Soumission) اذ يتخيل ان فرنسا سيحكمها حزب اسلامي سنة 2022. يقود هذا الحزب احد الاساتذة الذي اعتنق الاسلام حفاظاً على موقعه وللزواج من اكثر من امرأة.
غير ان مفكرين اوروبيين يطرحون الآن نظريات معاكسة تدعو الى تنصير المسلمين. ويشير هؤلاء الى ان هذا الطرح ليس بعيد المنال، خاصة بعد التقارير الصادرة في اكثر من بلد حول اعتناق مسلمين المسيحية، خاصة في صفوف اللاجئين.
فذكر موقع نمساوي الكتروني (Kurier) ان 83 طالب لجوء قبلوا المعمودية في فيينا، معظمهم من السوريين والافغان والايرانيين.
القس الالماني فيليس شسلر ادعى ان 1200 مسلم انضموا الى كنيسته الانجيلية.
اللاجئ الايراني محمد اغتداريان تحوّل الى المسيحية وسيم كاهناً في الكنيسة الانغليكانية في ليفربول (بريطانيا) وبدأ مهمة تبشير المسلمين، وهو يدعي  انه تمكن من تنصير 140 شخصاً حتى اليوم.
غير ان البعض ينتقدون هذا التحوّل الى المسيحية على انه مجرد تدبير وقائي لضمان البقاء في اوروبا. ويشدّد هؤلاء، حسب رأي الكنيسة الكاثوليكية، خاصة منذ مجمع الفاتيكاني الثاني عندما بدأت الكنيسة النظر الى جميع الناس على انهم اخوة، وان قبول المسيحية يحتم اعداداً طويل الأمد وقناعة ثابتة بالعقيدة المسيحية، وان العمادة وحدها لا تكفي اذ يجب ان يرافقها فعل ايمان ثابت.
ورغم هذه المواقف المبدئية فقد كشفت مجلة الابحاث الدينية انه قبل 50 سنة من اليوم، اي في سنة 1960 كان يوجد في العالم 200 الف مسيحي من خلفية اسلامية. لكن بحلول سنة 2010 ارتفع هذا العدد الى 10 ملايين، وان 450 الف مسلم اميركي اعتنقوا المسيحية في الولايات المتحدة وحدها، و150 الف في اوروبا. وشرحت المجلة ان معظم العابرين هم من اندونيسيا وافريقيا والشرق الاوسط.
وتشير المجلة الى انه يصعب تحديد عدد العابرين الى المسيحية في البلدان الاسلامية نظراً لخطورة هذا التحول على حياة المسيحيين الجدد. وحتى في مخيمات اللاجئين في اوروبا تسود موجة من الخوف لدى من يتحولون الى المسيحية.
وبحكم قوانين الردة وملاحقة المرتدين يصعب اعطاء احصاءات دقيقة. وقد صرح كريستوف وهو افغاني اعتنق الكاثوليكية ويعيش في النمسا  مؤكداً ان الارتداد عن الاسلام هو عملية خطيرة بالنسبة للمرتد. ولفت ان بعض المجموعات المسيحية تبالغ احياناً بارقام المرتدين بينما تتحفّظ كنائس اخرى حول عدد وهوية هؤلاء لاعتبارات امنية.
< ردود الفعل الاسلامية
يشهد العالم الاسلامي عامة والعربي بنوع خاص حالة من القلق الشديد حيال ظاهرة العنف لدى بعض المجموعات الاسلامية الاصولية. وانقسم المسلمون من مؤيد للارهاب لاسباب عقائدية وسياسية ومعترض على ربط الاسلام بالارهاب. فمعظم المسلمين هم مسالمون يرفضون العنف والارهاب وهم كسائر الناس يريدون العيش بسلام ويدركون عن حق ان العالم اصبح اليوم قرية عالمية تتكامل الشعوب فيما بينها وتتعاون من اجل الخير العام.
وذهب آخرون ابعد من ذلك وبدأوا بشن حملات اعلامية لمواجهة الارهاب الاسلامي فهم يدركون الاهداف البعيدة لنظرية «صدام الحضارات» ومساعي جر العالم الاسلامي الى صدام مدمر مع الغرب «المسيحي».
غير ان بعض الأئمة اتخذوا مواقف مغايرة للنزعة العلمانية لدى بعض المسلمين وأفتوا مشرعين الجهاد والارهاب ضد «الصليبيين والكفار..» ويتخوف باحثون اسلاميون من موجة «التنصر» التي تجتاح العالم الاسلامي.
في سنة 2003 صرح الشيخ احمد الكتاني للجزيرة ان 6 ملايين مسلم في افريقيا وحدها يتحولون سنوياً الى المسيحية وان المسلمين يصبحون مع مرور الزمن اقلية في هذه القارة. غير ان مراقبين يعتقدون ان هذه الارقام مبالغ بها. لكن ما يبدو صحيحاً هو ان الرسالة المسيحية المبنية على المحبة وقبول الآخر هي عامل جاذب للعديد من المسلمين الذين بلغوا حالة الكفر والاشمئزاز من الاوضاع العامة في بلدانهم.
وهذه بعض الآراء على سبيل المثال- فالافغاني كريستوف الذي تحول الى الكاثوليكية في فيينا قال: منذ سنوات الدراسة في بلادي لم اشعر بالانتماء وكنت ابحث عن عقائد بديلة.
المسيحية بالنسبة لي هي دين انساني، وانا معجب بحياة السيد المسيح وبموته من اجلنا. اما جوهانز، وهو عابر ايراني صرح لصحيفة الغارديان قائلاً: لقد اكتشفت ان ما تلقيناه عن تاريخ الاسلام يتعارض بأمور كثيرة مع الواقع. وان كل دين يبدأ بالسيف سوف ينتهي بالسيف كما قال السيد المسيح. ولفت الى ان المسلمين في الغرب يتعرفون بسطحية على المسيحية لكنني اعتقد ان الرسالة المسيحية تصلهم تدريجياً. وقال ان المسلمين يواجهون ازمة وجدانية بعد ان طرحت مجموعات اصولية نفسها انها تمثل الاسلام، وهذا ما لا يقبل به معظم المسلمين، لذا بدأ العديد منهم عمليات بحث في التاريخ والفقه لاكتشاف حقيقة الامور، خاصة ان سبل المعرفة اصبحت الآن متوفرة وفي متناول الجميع. هؤلاء يجدون صعوبة في تقبل فكرة قتل الابرياء وقطع الرؤوس باسم الاسلام.
فالازمات الاجتماعية والسياسية والعقائدية التي تعصف الآن في العالم الاسلامي تدفع العديد من المسلمين للتشكيك بمعتقداتهم. وهذا ما دفع بعض المفكرين واصحاب الرأي الحر الى الانخراط في عملية جهادية من نوع آخر تسعى الى احداث يقظة دينية لدى المسلمين وترفض الجرائم التي ترتكب باسم الاسلام.
ولا ينكر المراقبون من مختلف الاديان ان اعمال التطرف المتمثل في التنظيمات الاصولية والتشويه الذي يطال صورة المسلم في العالم، وانتشار وسائل المعرفة الالكترونية تساهم جميعها في دفع المسلمين للبحث عن ديانات بديلة والمسيحية في طليعتها.
لكن يجب الاقرار ان خجل مسيحيي اوروبا بالتعبير عن هويتهم والعيش مسيحيتهم قد يكون من العناصر المنفرة للمسلمين الراغبين بالتحول الى المسيحية.
مسيحيو الغرب الذين بنوا الكاتدرائيات والجامعات والمستشفيات وشجعوا التجارة بين الدول والغوا العبودية ومنحوا المرأة حقوقها ووضعوا الأسس للديمقراطية التي تحترم الانسان والحريات وحرروا الفكر الانساني من المحرمات، هم دون شك قادرون على اجتذاب المسلمين الراغبين بالتنصير. لكن يبقى عليهم ان يعيشوا مسيحيتهم دون خجل وبقناعة ثابتة.
ألم يقل غاندي يوماًً: «لو كان المسيحيون يعيشون تعاليم المسيح لتحولت مسيحياً..!!» لكن غاندي اعطى الاولوية لمشاعره القومية متجاهلاً اهمية خلاص النفس البشرية وهي ملك الإله الخالق.