بقلم  / بيار سمعان

النخبة الحاكمة في استراليا، كمعظم النخب في العالم لا يبالي اعضاؤها في آخر المطاف الا بمصالحهم وبالاهداف الخفية التي يعملون سراً على تحقيقها.
فالمال والسلطة، اذا تجاهلنا الاهداف الخفية، هي ما يسعون العمل من اجلهما. اي المزيد من المال والمزيد من التسلّط. هذا ما يسعى اليه كل مليونير.
مالكولم تيرنبل هو ملياردير، كما هي الحال مع العديد من السياسيين ايضاً، فهم لا يبالون من اين وكيف يُحصلون المزيد من الاموال ! وكيف ينفقون المال العام!! لكن غالباً ما ينفقون اموال دافعي الضراذب عملاً بإيحاءات الأمم المتحدة وتوجيهاتها.
ومع مراجعة سريعة لعام 2017، تبدو هذه السنة انها لم تكن سعيدة او مزدهرة بالنسبة للعديد من الاستراليين، خاصة للمتقاعدين منهم بعد ان خدموا بلادهم خلال حياتهم المنتجة، وكافحوا بجد من اجل ازدهارها وانمائها. لكن مكافأة الحكومة لهم ليست على مستوى تضحياتهم وخدماتهم السابقة.
وليس صعباً القول ان قادة استراليا يعملون منذ عقود على زعزعة اقتصادها وتراجعه وتخلف المجتمع الاسترالي سنة بعد سنة، عوضاً ان يعملوا على ازدهارها وتماسكها. للأسف، انهم يطيحون بها ارضاً من خلال تدمير هويتها، وبيع ممتلكاتها ومواردها ومعاقبة شعبها، عن طريق خلق نظام ديكتاتوري يحد من الحريات الفردية وهي حقوق مكتسبة للجميع.
وعملاً بالدستور الاسترالي، العديد من سياسيي اليوم لا يستحقون تمثيل الشعب والتحكم بمصيره. فالمادة 44 من الدستور تنص صراحة على ان اي شخص تحت الولاء او الطاعة او ملحقاً بسلطة خارجية او كان مواطناً لبلد آخر.. لا يحق له ان ينتخب كنائب او كعضو في مجلس الشيوخ».
بالإضافة الى ثنائية الجنسية لدى العديد من البرلمانيين، علينا ان نذكر ان الأمم المتحدة هي قوة خارجية وان استراليا تحكمها بالواقع هذه المنظمة الدولية. هذا الواقع يفقد السياسيين الاستراليين الحق بوجودهم في مواقعهم، طالما انهم يقرون بسلطة الأمم المتحدة عليهم وقدرة هذه المنظمة على التحكم بقراراتهم السياسية. وربما يكون الحل الوحيد هو بانسحاب استراليا من منظمة الأمم المتحدة، كما يخطط الرئيس الاميركي على تنفيذه على مراحل.
فكل السياسيين المفسدين الذين يدركون هذه الحقائق يسهل اتهامهم بالخيانة العظمى. ويذهب البعض لاتهامهم انهم مجرمون يرتدون سترات غالية الثمن. انهم مراوغون ومنافقون يتلطون وراء تفسيراتهم الخاطئة للقوانين. وكم من الاستثمارات الضخمة يقومون بها لجني الاموال الطائلة تحت غطاء القانون وحماية السلطة؟

< مالكولم تيرنبل من كبار المستثمرين
يجهل المواطنون الاستثمارات الجانبية الضخمة التي يمتلكها سياسيون، اما مباشرة او في شركات عالمية. مالكولم تيرنبل هو احد هؤلاء المستثمرين الذين يمتلكون المليارات. فلننظر الى تاريخه المالي:
في سنة 1989 انشأ تيرنبل مؤسسة مصرفية للإستثمار بالشراكة مع رئيس حكومة نيو ساوث ويلز السابق العمالي نيفيل ران، ومع المدير التنفيذي السابق لبنك ولاية نيو ساوث ويلز نيكولاس ويتلام ، ابن رئيس الوزراء السابق غوف ويتلم .
وعملت هذه المؤسسة المالية حتى سنة 1997، بعد ان انتقل تيرنبل ليصبح مساهماً ومديراً عاماً لمؤسسة Goldman Sachsكما كان تيرنبل مديراً تنفيذياً لشركة FTI خلال الاعوام الممتدة بين 1995 و2004.
كما كان تيرنبل مديراً لمؤسسة Star Technology من سنة 1993 حتى 1995. وفي التسعينات كان تيرنبل ايضاً مديراً عاماً لشركة Axiom Forest التي كانت تنفذ مشاريع قطع الاخشاب في جزيرة سولومون تحت اسم Sylvania Forest Products لكن رئيس وزراء الجزيرة انذر بإقفال الشركة لعدم التزامها بشروط العقد مع بلده.
في سنة 1994 اشترى تيرنبل شركة الانترنيت Ozzi Mail بنصف مليون دولار ثم باع حصته في سنة 1999 بـ 57 مليون دولار دون ان ينسحب من عالم الانرنيت، بل استثمر المزيد من الاموال في هذا القطاع مع شركات عالمية ضخمة.
في سنة 2002 مثل تيرنبل امام المفوضية الملكية للتحقيق وجرى استجوابه بشأن شركة غولدمان ساكس واستثمارات في شركات تأمين. لم يجر ادانة تيرنبل بل سرت اشاعات حول دفع رشوات طائلة تحت الطاولة لتبرئة تيرنبل والشركة المذكورة.
شركة غولدمان ساكس بلغ دخلها العام في سنة 2013 – 2014 ما يزيد على 632،575،966 دولاراً ولم تدفع دولاراً واحداً كضريبة دخل .. طبعاً ضمن القوانين.
تيرنبل يعتبر من النخبة المالية العالمية، اذ يبلغ دخله السنوي ما يزيد على 200 مليون دولار من استثمارات متعددة في البورصة (Wall St) وشركات عالمية. ونتيجة لوضعه المالي اصبح ينتمي الى فئة الراسماليين العالميين. يدافعون عنه مقابل ان يحمي مصالحهم ويدعم برامجهم السياسية.
يعتقد ان تيرنبل هو من اصول يهودية، اعتنق العقيدة البرسبيتارية، ويشاع انه تحوّل الى الكاثوليكية بسبب مواقف الفاتيكان المتسامح مع المسلمين عملاً بقول المسيح على الصليب «يا ابتاه اغفر لهم لأنهم لا يدرون ماذا يفعلون». فالمسيح لم يدن احداً بل نشر رسالته الخلاصية القائمة على المحبة.
اما آجندا تيرنبل ورأسماليي العالم فهي تختلف باهدافها البعيدة عن هدف الكنيسة. تيرنبل يؤيد المسلمين ليس حباً بهم، بل عملاً بالخطة السياسية الصهيونية الساعية الى ضرب العالمين الاسلامي والمسيحي واستخدام الارهاب الاسلامي لدمار اوروبا ودول الغرب.
< زواج المثليين:
تيرنبل عمل بدهاء لتشريع زواج المثليين، وهذا ما تريده الأمم المتحدة والصهيونية العالمية. انها آجندا الالحاد العالمي الذي يسعى الى دمار العائلة ودمار الأديان والعقائد المثلى وانشاء جيل جديد يجري تثقيفه على الفكر الملحد الذي ينكر وجود الله ويتجاهل المثل الاخلاقية ويقضي بالكامل على وحدة العائلة، ليتحوّل الناس الى مجرّد ارقام، دون هوية شخصية انطلاقاً من كون الفتاة هي انثى والصبي هو ذكر.
فلنتوقع خسارة المزيد من الحريات الشخصية والدينية بعد اقرار زواج المثليين وما سيليه من تشريعات لاحقة وتعديل في قوانين التعليم. سوف نشهد اعتماد المزيد من القوانين التي تمنح الحكومة صلاحيات مطلقة لتحل مكان العائلة والمؤسسات الدينية الحالية فزواج المثليين سيبدل كيفية تربية الاطفال ويواجه التعليم الديني وكل الاعراف.
زواج المثليين هو تطبيع لما هو غير طبيعي. وسيجري اقرار قوانين تحد من حرية رجال الدين في حال رفضوا تزويج المثليين ولو تعارض ذلك مع معتقداتهم الدينية.
فالمطلوب من الشعب الاسترالي رفض اقرار اية قوانين جديدة دون استفتاء الشعب عليها، عملاً بالدستور الاسترالي، المادة 128 وفقرة 51 اللتين تنصان على عدم تعديل القوانين دون استفتاء عام للشعب الاسترالي، مع العلم ان المادة 121 تنص على ان اية قوانين تعتمد وتتعارض مع الدستور تعتبر غير فاعلة والقوانين المعتمدة هي الاصيلة ويجب العودة اليها.
فالسياسيون توحدهم المصالح المشتركة، ونادراً ما يتدخل الحاكم العام لتصويب الامور وحماية مصالح الأمة.
الاستفتاء البريدي حول تشريع زواج المثليين اثارت نتائجه الكثير من التساؤلات وعلامات الاستفهام، اذ لم يطلع احد على نتائجه.
ويشاع ان امواتاً كثر قد ادلوا بأصواتهم وان محاربين قدامى متوفين شاركوا ايضاً في الاستطلاع البريدي.
لقد خاض اليسار الملحد الاستفتاء بكل طاقته. اولاً عبر طرح المسألة على انها تتلاءم مع الحرية الجنسية وتمنح صلاحيات لمجموعة من الناس يسيء اليهم المجتمع ويحرمهم من حق العيش بكرامة. الخطورة هي ان المساواة في الحب هو شعار سام سيقتل الجميع مستقبلاً.
الدعم للأقليات الشاذة يقابله اضطهاد للأكثرية. هذا هو الاسلوب الفاشي الملحد الذي قاد سفينته مالكولم تيرنبل بخبث، مدعوماً من حزبي العمال والخضر بعد ان تمسكا بالآجندا الشيوعية الملحدة على حساب المصلحة العامة.
كم هو غريب ان يتمكن 2 بالمئة من سكان استراليا من فرض مشيئتهم على عامة الناس وفرض تعديلات قانونية وتعليمية تعيد بناء المواطن الاسترالي على اسس الحرية الجنسية وطمس الهوية الشخصية ونكران وجود الله.
من الآن وصاعداً سيتحول الاهالي الى مجرد موظفين شرعيين في خدمة الاطفال. لقد فقدوا صفة الأبوة والامومة دون رجعة، وخسروا كل الحقوق كوالدين. فعملاً بقانون «المدارس الآمنة» يحق للمدرسة ان تساعد اي طفل على اجراء عملية تحوّل جنسياً، اذا رغب بذلك دون العودة الى والديه. يحق للمدرسة منحه لقاحات هرمونية دون رضى الاهل، لمساعدته على التحوّل جنسياً الى شخص آخر.
وسنشهد اقرار قوانين جديدة تسيء الى الحرية الفردية. اذ سيجري ملاحقة اي شخص يستخدم عبارة «رجل او امرأة» للدلالة الى شخص ما. تعابير كثيرة ستلغى من القاموس الاجتماعي وسيلاحق الناس ويسجنون، في حال اخلوا بها. جميع البيانات التي سنملأها في المصارف اوالمدارس والمستشفيات ومراكز الشرطة ستخلوا من كلمة ذكر او انثى، رجل وامرأة، زوج وزوجة… تعابير تبدو صحيحة سياسياً لكنها تتعارض مع الطبيعة. حتىكلمات «ابن» و«ابنة» سوف تلغى نهائياً وسيؤدي ذلك الى محاسبة وملاحقة اي فرد في حال اخّل بالقوانين.
رئيس الوزراء تيرنبل قاد عملية التغيير هذه وهو مسؤول على الإساءة الى الأمة الاسترالية بأسرها.
< الالحاد العالمي يتحكّم بالقرارات السياسية:
وفيما ينعم رجال السياسة في استراليا من صلاحيات وامتيازات ومستحقات مالية للسفر والاقامة والموائد ، يجري معاقبة المجتمع الاسترالي من خلال ارهاقه بالديون الطائلة والتضييق على الحريات الشخصية بحجة حماية الأمن القومي، وسرقة المعلومات الشخصية الخاصة بالمواطنين.
وتستخدم هذه القوانين لمعاقبة السياسيين الذين يحيدون عن المخطط المرسوم للبلاد. وهذا ما حصل مع رئيس الوزراء السابق طوني آبوت وبرنابي جويس والعديد من القادة التقليديين المحافظين الذين يضعون مصلحة استراليا اولاً.
رجال السياسة في استراليا، داخل كل الاحزاب فقدوا الكثير من التمايز والغت الفروقات فيما بينهم. انهم يؤسسون نادياً لأثرياء البلاد الذين يتحكمون بالسلطة. همهم الوحيد هو تطويع عامة الناس ومعاقبتهم لإبقائهم تحت السيطرة.
هؤلاء هم اخطر من التطرّف الاسلامي وهو صنيعة مخططاتهم. انه مجرد اداة يستخدمونها لإبقاء الشعب في حالة الاعتماد عليهم والقبول بهم اسياداً عليه. فالشعب الذي يعيش هاجس الارهاب يرى فيهم المنقذ والقوة التي تحمي الأمن القومي. انه مجرد سراب ووهم يعيش في مخيلة الضعفاء. فالخطر الداخلي هو اكبر بكثير من خطر الارهاب الذي قد يقضي على العشرات، اما هم فإنهم يتحكمون بمصير الأمة بأسرها. ويعملون على خلق نظام استعبادي.
حتى على الصعيد العملي، تبدو الحكومات وجميع المؤسسات الحكومية والقانونية غالباً ما تتعمد مخالفة القوانين دون محاسبة. لهذا يعارض تيرنبل وحزب العمال انشاء مفوضية ملكية للتحقيق في مخالفات البرلمانيين الفيدراليين. كما تتفق الاحزاب على عدم اجراء كشف شامل حول هوية السياسيين وانتماءاتهم الاجنبية. بل جرى اختيار بعض الحالات الشاذة للتغطية على مخالفات اعم وأشمل قد تطال معظم السياسيين.
الشعب يبحث عن الحقيقة المجردة ويطالب بضمان حرية الرأي ويعارض لجمها باسم المصلحة الوطنية وحجة التعامل مع الخارج.
لقد بلغت الحال في استراليا اسوأ المراحل. ان مجرد الاعتراض على القوانين والفلسفة الاجتماعية التي يجري تعميمها سيؤدي الى الملاحقة القانونية والسجن والاضطهاد، حتى ولو كانت المعارضة مبنية على الارقام الصحيحة والحقائق.
لا بد ان المجتمع الاسترالي كسائر المجتمعات الغربية سيشهد موجة من الارهاب والاضطهاد المنظم والمشرعن. وحدها موجات الاضطهاد سوف تخلق صدمة ايجابية تدفع الناس الى الثورة ضد سياسة الالحاد.
لكن، كم ستدوم هذه الدورة؟ وكم من الضحايا سيقعون ويقتلون، وكم من مخيمات التعذيب ستقام من اجل تطويع الناس وفرض ما هو غير طبيعي او صالح لهم؟
اننا ندخل حكم الشيوعية العالمية ولا احد يعلم كيف سيجرى القضاء عليها.
ربما لهذه الاسباب مجتمعة، لم يتمكن مالكولم تيرنبل من استمالة الرأي العام واكتساب تأييد الناخبين الاستراليين، كما يبدو جلياً من نتائج استطلاعات الرأي. لقد انجز مهامه وعلى تيرنبل الرحيل.