بقلم بيار سمعان

يواجه حزب الاحرار ازمة داخلية قد تؤدي للإطاحة بزعامة رئيس الوزراء مالكولم تيرنبل واضعاف الحزب .

موضوع الخلافات يتمحور للمرة الثانية حول سياسة تيرنبل للطاقة والتلوث المناخي وكيفية معالجتهما، على ما يبدو . لكن البعض يعتقد ان هذا مجرّد ما يُرى من جبل الجليد.

ليست هذه هي المرة الاولى التي ينقسم فيها حزب الاحرار حول قضية الطاقة. ففي سنة 2009 اطاح طوني آبوت بمالكولم تيرنبل، زعيم المعارضة آنذاك بسبب طروحاته لسياسة الطاقة ومكافحة التلوث المناخي. فهل يعيد التاريخ نفسه مرة اخرى ويجري ابعاد رئيس الوزراء عن قيادة الإئتلاف؟ وهل من قضايا اخرى تراكمت عبر السنوات ستدفع الى تحقيق انقلاب داخل حزب الاحرار يؤدي الى اقصاء تيرنبل عن العمل السياسي بشكل كامل، بعد ان انقلب تيرنبل على زعامة آبوت سنة 2015 واطاح برئيس الوزراء المنتخب من المواطنين؟ وقيل آنذاك، كان لدينا حكومة محافظة فاصبح لدينا الآن حكومة متحررة.

* ايديولوجية تيرنبل اليسارية

من المفترض ان يكون حزب الاحرار حارساً للفلسفة الليبرالية الكلاسيكية  ولقيم الحزب المحافظة التي تُدافع عن السياسة التقليدية المحافظة في البلاد. لكن مالكولم تيرنبل قد تخلى بالفعل عن هذين الهدفين واخذ استراليا في نفس الاتجاه الفلسفي العام، وجاور حزبي العمال والخضر في طروحاته العميقة، حتى كادت هوية حزب الاحرار ان تصبح مماثلة للعمال والخضر.

ومنذ تسلمه قيادة حزب الاحرار عمل تيرنبل على استبعاد القيادات المحافظة واقصاء مَن يشكلون تهديداً لزعامته. فأبعد جو هوكي (من اصول فلسطينية) بعد ان اسند اليه حقيبة سفير استراليا في واشنطن، ثم جورج براندس (مفوضاً سامياً في لندن). ووضع آبوت في الصفوف الخلفية، كما اقصى مَن يؤيدون سياسة رئيس الوزراء السابق. واستبدل مَن استقالوا بنواب ينتمون عقائدياً وعرقياً الى مجموعته السياسية. والف حكومة واسعة لإرضاء واسكات الجميع.

وميول تيرنبل اليسارية ليست بالأمر الجديد. فهناك مواقف واحداث تؤكد ذلك.

* تيرنبل العمالي

في 23 آب اغسطس 2009 اكدت صحيفة الصانداي تلغراف على لسان رئيس الوزراء العمالي الاسبق بوب هوك ان مالكولم تيرنبل اتصل على الأقل بست شخصيات مؤثرة في حزب العمال، ومن ضمنهم بوب هوك، ساعياً للحصول على تأييدهم له للإنضمام الى حزب العمال، خلال الاستفتاء العام على «الجمهورية» في استراليا شرط ان يتسلّم تيرنبل وزارة الخزانة.

وقال بوب هوك ان تيرنبل اتصل به في 6 تشرين الاول 1999 في فندق ماريوت في سدني بعد خسارة الاستفتاء العام. ويتذكر هوك جيداً ان تيرنبل قال له بالحرف الواحد: بوب الشيء الوحيد الذي يمكنني فعله الآن هو الانضمام الى حزب العمال». ووعد بوب هوك بمساعدته على تحقيق ذلك، لأن حزب العمال هو بمثابة كنيسة شاسعة تتسع للجميع.

واكد ديفيد بريتون احد كبار الموظفين في حزب العمال هذه الرواية، وذكر ان تيرنبل عقد اجتماعاً معه ليبلغه الرسالة التالية: «الا تعتقد ان كيم بيزلي يفضل شخصاً مثلي كوزير ظل للخزانة؟».

واكدت الصحيفة ان تيرنبل اتصل ايضاً بوزير الصحة في نيو ساوث ويلز جو ديلا بوسكا وسكرتير نقابة العمال في كانبيرا بيل كالتي. كما ناقش رغبته مع كيم بيزلي نفسه. واكد المسؤول الاعلامي السابق لحزب العمال بريتون ان هذه الاتصالات جرت بالفعل، لكن بيزلي عارض دخوله حزب العمال، كونه عضواً في حزب الاحرار.

وفي 23 تشرين الثاني 2003 كشف غراهام ريتشاردسون ان تيرنبل ناقش معه امكانية اختياره مرشحاً عن حزب العمال في مقعد عمالي آمن.

وعندما سئل تيرنبل عن محاولاته هذه، ادعى ان الاحزاب الكبرى غالباً ما تسعى الى اجتذاب الشخصيات الهامة الى صفوفها.

هذه الحقائق تشير الى امرين: اولاً: السعي الدائم لدى تيرنبل لتحقيق طموحاته الشخصية رغم انتماءاته السياسية،  لأن الغاية تبرر الوسيلة. ثانياً: احتمال وجود تقارب عقائدي بين طروحات مالكولم تيرنبل وسياسة حزب العمال. وهذا الاحتمال ستكشفه لاحقاً المواقف السياسية لدى تيرنبل.

* مشروع الطاقة الوطني هندسته «كاري شوط» الاشتراكية العمالية.

وعودة الى موضوع النزاع الحالي في حزب الاحرار، اي مشروع مالكولم تيرنبل للطاقة الوطنية المضمونة، يتبين ان واضعة هذا المشروع هي امرأة تدعى كاري شوط Schott . وهي دكتورة بدأت حياتها كمدرسة في منطقة باريما. حصلت على اجازة في الآداب من جامعة نيو انغلاند، ثم انتقلت الى كندا حيث انجذت ماجستير في الفنون من جامعة بريتيش كولومباي، ثم دكتوراه في علم الحساب من جامعة اوكسفورد.

تعرف كاري شوط بميولها اليسارية المتطرفة ولديها مجموعة من المؤلفات التي تدعو الى المساواة بين الجنسين والى تحرير المرأة. تطالب كارين شوط بضرورة التوقف عن انتاج الطاقة بواسطة الفحم الحجري. اسند اليها تيرنبل ادارة مشروع تمديدات الالياف وخطوط NBN الوطنية. ويبدو ان صداقة  متينة تربطها برئيس وزراء استراليا الذي يشاركها في العديد من آرائها السياسية اليسارية وطروحاتها البيئية.

«شوط» التي امضت سنوات طوال في الخارج، كانت تعود الى استراليا كلما تسلّم حزب العمال الحكم، منذ ويتلم الى بوب هوك وبيزلي وآخرين.

في عام 1983 اسست مجلة اقتصاد اليسار العالمي. ولديها مؤلفات حول المرأة الاشتراكية. وتتميّز بمواقف مناهضة نافرة للكنيسة والملكة وهي تسخر منهما. وتنظر الى العائلة على انها قدرة استهلاك وانتاج لا غير.

في 1980 انتقلت من كانبيرا الى سدني لادارة مؤسسة مالية يمتلكها نيكولا ويتلم (ابن غوف ويتلم) ورئيس حكومة نيو ساوث ويلز السابق نيفيل ران ومالكولم تيرنبل وبقيت في هذا الموقع حتى عام 2003.

احتلت «شوط» مواقع مسؤولة ادارية في حزب العمال، وشاركت في ادارة معهد «غوف ويتلم» في جامعة غرب سدني.

في سنة 2003 عينت نائباً لمدير شركة مياه سدني وشجعت منذ ذلك الحين على تحلية مياه البحر وتكرير مياه الصرف الصحي.

هذه بعض المعلوم عن كاري شوط مهندسة الطاقة الوطنية التي اعتمدها مالكولم تيرنبل.

مصالح مشتركة عديدة تجمع بين الشخصين. غير ان امتعاض العديد من نواب حزب الاحرار ليس ناتجاً عن فشل تيرنبل بتحسين شعبيته بين الناخبين، لكن هناك ايضاً عوامل عديدة اخرى اشد خطورة من نسبة التأييد له، وتتعلق بمواقف تيرنبل السابقة والمثيرة للتساؤل حول حقيقة هويته ومدى انتمائه لحزب الاحرار والالتزام بسياسته.

* علاقات تيرنبل المشبوهة

يؤخذ على رئيس الوزراء مالكولم تيرنبل انه اتخذ مواقف وتدابير سابقة تثير التساؤلات حول مدى مصداقيته الاخلاقية بشكل عام، وذلك للاسباب التالية:

  في ايار 2008 داهمت شرطة نيو ساوث ويلز معرضاً للصور الفنية في منطقة بادينغتون للمصور المعروف بيل هانسون. واحتجزت الشرطة 20 صورة لاطفال عراة. وعلم ان هانسون زار عدداً من المدارس للالتقاط هذه الصور لاطفال قام باختيارهم. وتبين ان المحامي مالكولم تيرنبل تعهد آنذاك بالدفاع عن المصور في المحاكم.

– في عام 1978، قام ايضاً المحامي تيرنبل، وكيل الشركة الاسترالية للطباعة، بالتفاوض مع مجلة «بلاي بوي» الاباحية الاميركية للحصول على تفويض اعادة طباعتها في استراليا. ووقع على الاتفاقية مع اصحاب المجلة التي تروج للجنس والتعري.

– الزعيم  الاحراري تيرنبل شارك عام 2015 في مسيرة المثليين Mardi Gras في سدني، الى جانب المذيعة المثلية في الـ ABC «افران كالي» وبيتر تاتشيل الناشط المثلي البريطاني/ الاسترالي الذي صرح لصحيفة الغارديان» ان العلاقة الجنسية بين الاطفال والراشدين هي غير محصورة بالمجتمعات الغربية، وان العديد من اصدقائه، رجالاً ونساءً يمارسون الجنس مع اطفال من عمر 9 الى 13 سنة.

– الدفاع عن منظمات تدعو الى الجنس مع الاطفال.

في سنة 1980 تسلم المحامي تيرنبل قضية الدفاع عن حظر نشر كتاب Spy Catcher للبريطاني بيتر رايت. وكانت رئيسة الوزراء البريطانية مارغريت تاتشر قد ادعت ان نشر هذا الكتاب يهدّد السلم الوطني ويجب عدم طباعته وتوزيعه.

دافع تيرنبل عن حق النشر لأن مضمون الكتاب يضمن حرية تبادل المعلومات بين المنظمات التي تمارس الجنس مع الاطفال. وهذه من ضمن الحريات العامة، حسب ادعاء تيرنبل. ويجب بالتالي عدم النظر الى هذه الجمعيات انها تهدّد الدستور والسلامة العامة.

– اباحة وجنس على الـ SBS

وزير الاتصالات في حكومة طوني آبوت لم يحرّك ساكناً ولم يتخذ اية اجراءات لوقف بث برنامج  Porn As على الـ SBS التي يمولها دافعو الضرائب رغم الضجة التي اثارها هذا البرنامج بين المواطنين.

وطوال السنتين التي تسلم تيرنبل خلالها وزارة الاتصالات عرضت الـSBS مئات الافلام الجنسية البحتة التي تظهر فيها مشاهد جنسية صارخة. ولو امكن لعرضت لائحة بأسماء هذه الافلام.

– تيرنبل يدعم هجرة المسلمين

ويرى البعض تشابهاً بين رئيس وزراء كندا ترودو ومالكولم تيرنبل متسائلين حول حقيقة النوايا وراء تشجيع هجرة المسلمين الى استراليا.

وانا لا اذكر هذا الموقف كوني اعارض هذه الهجرة، غير ان مواقف تيرنبل تثير ازمات داخل حزب الاحرار اذ يعتقد البعض ان رئيس وزرائنا يعمل بالخفاء لتحقيق مخطط «نزاع الحضارات» والاديان وزعزعة الاستقرار في الدول الغربية… كما يفعل بعض القادة الاوروبيين.

– تبذير المال العام

ويأخذ البعض على مالكولم تيرنبل تصميمه على اغراق البلاد تحت طائلة الديون، وذلك عن طريق تبذير المال العام في غير موقعه، مستفيداً من صلاحياته ودعم الفريق المنسجم معه للقيام بذلك.

فقد تبرع تيرنبل بمليار دولار لقمة باريس،  وقدم مساعدات لاسرائيل بقيمة مليار دولار لدعم الابحاث التكنولوجية. كما قدم هبة بقية 653 مليون دولار لاندونيسيا بعد الزلزال الأخير، واقر تخصيص 444 مليون دولار لمؤسسة كانت زوجته عضواً فاعلاً فيها، دون الرجوع الى مجلس الوزراء او الى المدراء المعنيين، على ان تقوم المؤسسة التي تضم فقط 6 اشخاص بمعالجة الاوضاع البيئية المتردية في شواطئ المرجان الكبير. المشروع الذي قال عنه مدير مركز الابحاث CSIRO انه مضيعة للمال العام، لأنه يصعب التحقق من نتائج انفاق هذه الاموال الطائلة.

وسرت موجة استياء في صفوف حزب الاحرار بعد ان تعهد تيرنبل بمعالجة قضية طالبي اللجوء في جزيرة مانوس ووقّع مع جولي بيشوب على وثيقة اعدتها الأمم المتحدة تقضي بفتح حدود 27 بلداً امام اللاجئين وطالبي الهجرة، دون قيد وشرط، الأمر الذي دفع وزير الشؤون الداخلية بيتر داتون الى معارضته صراحة.

لكل هذه الامور، وهي غيض من فيض يتهم مالكولم تيرنبل انه خرج عن تقاليد حزب الاحرار وعلى توصيات الزعيم الاحراري روبيرت مانزي الذي دعا الى دعم روح الحفاظ على التقاليد والاخلاقيات الاجتماعية واعتماد نظام اقتصادي قائم على حرية السوق وفرض ضرائب مخفضة واعتماد ميزانية متلائمة مع الاوضاع الاقتصادية دون التأثير على حرية الاسواق التجارية. كما اوصى مانزي بضرورة اختيار مَن يدخلون استراليا كمهاجرين، مفضلاً الهجرة الاوروبية التي تشارك استراليا ثقافياً ودينياً ولغة.

ويعتبر مانزي ان الاشتراكية كانت دوماً مذهباً سلبياً وتراجعياً. ويصف مانزي الأمم المتحدة انها مؤسسة مثيرة للقلق وان استخدام حق الفيتو غالباً ما يعطل القرارات الهامة. ويعتبر هذه المنظمة انها آداة دولية للتدخل في شؤون واستقلالية الدول الاعضاء واملاء الشروط عليها وتعطل قراراتها السيادية.

ويرى مراقبون ان تيرنبل قد خرج على اسس حزب الاحرار وعارض معظم توصيات مانزي. ويعتقد هؤلاء ان بقاء تيرنبل مدة طويلة في الحكم تشكل خطراً حقيقياً على استراليا، ويمكن ان تدمر آخر معقل للفكر الليبرالي الكلاسيكي والمحافظ، كون تيرنبل يتمتع بحنكة سياسية نادرة. وهو يستفيد من طروحاته ذات الطابع اليساري للحصول على دعم حزب العمال، واحياناً الخضر، ويحد بذلك من قدرة الاحزاب المستقلة الصغيرة للتحكّم بقرارات الحكومة.

وفيما تقترب اليوم سياسة الاحرار من طروحات حزب العمال يميل الأخير نحو اليسار المتطرف ليتقارب من طروحات حزب الخضر الذي يعتقد محللون انه حزب مدمّر، لا يعترف بأية مبادئ اخلاقية ولا يحترم اية عقائد دينية ويؤمن بإباحة الجنس على اشكاله، ولا يمانع في دمار العائلة والمجتمع.

ونظراً للواقع المضطرب في البلاد عامة وفي صفوف حزب الاحرار، يرى المحللون انه عند تغيير رئيس الوزراء يمكن تغيير البلاد بأسرها. لذا يجب عدم السماح لتيرنبل باقرار المزيد من القوانين والتشريعات لوقف انحدار البلاد نحو الاشتراكية الملحدة.

فرئاسة الوزراء التي تمتلك قدرات اعلامية هائلة، هي قادرة على اجراء تغييرات جذرية في التركيبة الاجتماعية والنظام الاقتصادي والحريات العامة. ويبدو ان تيرنبل يعمل ضمن آجندا عالمية تسعى الى فرض الاشتراكية الملحدة وتدمير الاديان وطمس الفروقات الحضارية بين الأمم والسير تحت وصاية الأمم المتحدة، وهي الآن المنظمة العالمية البديلة للحكومة العالمية  الفعلية التي يريدها تيرنبل.

فهل سيتخلص حزب الاحرار من تيرنبل قبل ان يقضي تيرنبل على استراليا، بلد الفرص والعدالة الاجتماعية والتعددية المسؤولة؟ ام ان قراراً دولياً قد اصدر تعليماته ان ينهي تيرنبل مهامه التي بدأها بالعودة الى مؤتمر باريس، وتشريع زواج المثليين والغاء الفروقات السياسية بين الاحزاب الاسترالية، وفتح الحدود التي اغلقها آبوت في وجه تدفق طالبي اللجوء غير الشرعيين كما حدث ويحدث في اوروبا؟

الأيام والاشهر القادمة قد تحدّد مصير استراليا. فزيادة انقسام حزب الاحرار سوف يوصل بيل شورتن الى حكم استراليا، وشورتن هو الوجه الآخر لعملة مالكولم تيرنبل.