دَخَل لبنان في الساعات الـ 48 الأخيرة قبل فتْح صناديق الاقتراع بعد غد الأحد لاختيار برلمانٍ جديد في انتخاباتٍ تأخّرتْ نحو خمسة أعوام وتَجري على «مسْرحٍ سياسي» داخلي مُتشابِكٍ مع واقع إقليمي – دولي يشي بـ «شرّ مستطير» من بوابة المواجهة القائمة بين إسرائيل وإيران في «ملعب النار» السوري والمفتوحةِ على احتمالاتِ تَطوُّرها إلى حربٍ متعدّدة الجبهات.
وفي حين لم يعد من مكانٍ على الشاشات والمَنابر في لبنان إلا للانتخابات التي كانت أجريت آخر مرّة في العام 2009، فإن أوساطاً واسعة الاطلاع في بيروت بدأت تضع نصب عينيْها مرحلة ما بعد 6 أيار مايو التي يبدو واضحاً أنها على موعدٍ مع مجموعة «كمائن»، داخلية تتّصل بـ «إسقاط» نتائج صناديق الاقتراع على الاستحقاقات الدستورية المُلْزِمة ولا سيما تشكيل الحكومة الجديدة، وخارجية ترتبط بمناخات الحرب الإيرانية – الاسرائيلية وإمكان استدراج لبنان ليكون إحدى ساحتها وما قد تخبّئه «صندوقةُ مفاجآتِ» مايو «الاقليمي – الدولي».
وتحدياتُ ما بعد الانتخابات تُفسِّر واقعياً وضْع «علاماتٍ حمر» على بعض دوائر «الخمس نجوم» التي صارتْ عنواناً لـ «معارك طاحنة» ذات ارتدادات سياسية على صعيد «لعبة التوازنات» بامتداداتِها الاقليمية، واستطراداً على «الأدوار الجديدة» التي قرّرتْ أطراف وازنة محلية الاضطلاع بها في سياق إعادة توزيع «كعكة» وظائف السلطة وملفّاتها.
وفي هذا الإطار تحتلّ دوائر مثل بعلبك – الهرمل (البقاع)، وبيروت الثانية، وكسروان – جبيل، وطرابلس – المنية – الضنية، والبترون – بشري – زغرتا – الكورة الحيز الأكبر على «الرادار» الانتخابي باعتبار انها ستشهد منازلات قاسية سيخوضها كل من:
* «حزب الله» بما يمثّل من عنوانٍ لمحور إيران في المنطقة ولمشروعها التمددي في الساحات العربية والذي بعدما كان اعتبر قانون الانتخاب النسبي «إنجازاً يوازي التحرير» أعلن الانتخابات معركةً لـ «تحرير القرار السياسي والاقتصادي» واضعاً «هدفاً أول» لها يتمثّل بانتزاع ثلث معطّل «صاف» له ولحلفائه الخلص في البرلمان، بالتوازي مع إطلاقه مسار استرداد حقيبة المال في الحكومة الجديدة و»كل الحكومات» باعتبارها «اغتُصبت» من الطائفة الشيعية بعد اتفاق الطائف وكانت «ضمانة أساسية تتعلق بدورنا في المؤسسات وفي آلية اتخاذ القرار اذ يشكل توقيع وزيرها التوقيع الثالث على قرارات مجلس الوزراء».
* زعيم «تيار المستقبل» رئيس الحكومة سعد الحريري الذي يخوض الانتخابات في أكثر من ساحةٍ بهدف تكريس زعامته السنية وتالياً تثبيت موقعه على رأس الحكومات في عهد الرئيس ميشال عون، وبما يعكس أيضاً استمرار التوازن في المشهد اللبناني بـ «وجهه» الاقليمي. ولعلّ معركة بيروت الثانية التي يترشّح فيها الحريري تُعتبر ذات رمزية كبيرة ليس فقط كون العاصمة شكّلت منذ 2005 وحتى ما قبْلها «الجبهة الأمامية» في الصراع الذي انفجر أولاً مع نظام الوصاية السوري قبل ان يُستكمل مع فريق 8 آذار في محطات عدة «ساخنة»، بل أيضاً لأن أي اهتزاز لزعامة الحريري في «عقر داره» وتَمظْهُر حضور وازن لـ»حزب الله» وحلفائه في العاصمة سيتمّ إسقاطه على مجاهرة طهران سابقاً بأنّ 4 عواصم عربية باتت تحت سيطرتها (بغداد، صنعاء، دمشق وبيروت).
* «التيار الوطني الحرّ» الذي ينخرط بمعارك، «فصّل» لكلٍّ منها «تحالفات المصلحة الانتخابية»، بهدف تشكيل «رافعة قوية» لعهد الرئيس عون وحمايته بكتلة وازنة تشقّ ايضاً طريق الوزير جبران باسيل الى الرئاسة الأولى. وهو لذلك يركّز معاركه في المناطق المسيحية حيث يَتَواجَهُ في شكلٍ رئيسي (ومع آخرين) مع حزب «القوات اللبنانية» الساعي إلى تأكيد تمثيله الوازن وفرْض التعاطي معه من الأقربين والأبعدين «بما يمثّل ومَن يمثّل».
ومن هنا، وفي حين يشهد اليوم انتخاب موظّفي أقلام الاقتراع مع الرؤساء والكتّاب المكلّفين القيام بمهماتهم الانتخابية يوم الأحد، والبالغ عددهم 14 ألف ناخب، وذلك في ثاني جولةٍ من الانتخابات بعد اقتراع المنتشرين، فإن المرحلة الفاصلة عن 6 مايو صارت مفتوحة على سقوف الحدّ الأقصى في التعبئة التي يواصلها الحريري ميدانياً حيث زار أمس صيدا ساعياً لاستنهاض قواعده لأكبر نسبة مشاركةٍ في الاقتراع دَخَل على خط التحفيز لها مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان الذي دعا أبناء بيروت والمناطق اللبنانية «الى المشاركة بكثافة في الانتخابات لأنها أمانة وطنية ومسؤولية دينية وواجب شرعي»، على ان يتولى أئمة وخطباء المساجد في لبنان تخصيص خطبة الجمعة لدعوة اللبنانيين إلى المشاركة الواسعة «وعدم التقاعس في ممارسة هذا الاستحقاق المهمّ بالتصويت لمن يرونه يحافظ على لبنان وعروبته».
وفي سياق «التحشيد» نفسه، وُضع خطاب النبرة العالية للأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصر الله لجمهوره، «الناقم» في جزء منه، في بعلبك – الهرمل حيث يواجه الحزب في معقله معركة سياسية بامتياز فرضها «المستقبل» بالتحالف مع «القوات اللبنانية» وسط خشيةٍ من ان ينجح هذا التحالف (مع مستقلين) في الفوز بأكثر من مقعدين (سني وماروني)، ولا سيما بمقعدٍ شيعي. وهذا ما يفسر وضْع نصر الله هذه «الموْقعة» بمرتبة «حماية الدماء» و»حماية المقاومة سياسياً» مهاجماً بعنف «المستقبل» و»القوات» ومتهماً إياهما بـ «دعم التكفيريين والجماعات الإرهابية» وانهما «كانا على صلة بهم». وقد ردّ رئيس «القوات» الدكتور سمير جعجع على نصر الله قائلاً إنه «كان يتمنى لو ان الأمين العام لـ (حزب الله) لم يخرج في إطلالته البارحة عن طوره ويتهم (القوات) بما لم تكن يوماً فيه ولن تكون».