ابراهيم حيدر

على رغم انشغال العالم بأزمة كورونا والإضطرابات التي تشهدها الولايات المتحدة، تزداد الضغوط الأميركية على لبنان ويتوقع أن تبلغ ذروتها بعد بدء المرحلة الأولى من تطبيق بنود «قانون سيزر» ومندرجاته حول سوريا. فالإدارة الاميركية قررت بدء تطبيق القانون في مرحلته الأولى في 17 حزيران، وتركت المرحلة الثانية إلى تموز أو آب على ضوء نتائجه السياسية، وفق ما يقول مصدر ديبلوماسي، علماً أن «قانون قيصر» سيطبق على أربع مراحل ويستهدف النظام السوري عبر فرض عقوبات قاسية على أركانه وستطاول أيضاً كل داعميه الذين يتعاونون معه، من شركات ومؤسسات وأفراد وكيانات، إذا تبين أن في إمكانها إخراج النظام من عزلته، وهي تمارس مزيداً من الضغوط لخنق بنية النظام ومحاصرة داعميه، خصوصاً إيران و»حزب الله»، فيما لن تنجو شركات سورية وصينية ومن دول عدة من العقوبات.
وأياً تكن مندرجات المرحلة الأولى من العقوبات في بنود «قيصر»، فإن لبنان سيكون الأكثر تأثراً، في ظل التداخل القائم على الحدود اللبنانية – السورية، ومسألة المعابر وانخراط «حزب الله» في الحرب السورية إلى جانب النظام، إذ إن كل الدلائل تشير الى أن الضغوط ستكون قاسية. ويكشف الديبلوماسي نفسه أن لبنان قد يشهد سلّة من العقوبات الإضافية تستهدف الحزب وبنيته وبعض حلفائه، فيما الحكومة ستكون أمام وضع مأزوم جديد بالنسبة إلى مفاوضاتها مع صندوق النقد الدولي حول المساعدات، خصوصاً في ما يتعلق بمسألة المعابر غير الشرعية التي يبدو أنها ستكون إحدى النقاط التي يضغط الاميركيون من خلالها لفرض عقوبات إضافية، كونها أحد منافذ النظام السوري الذي يستفيد منها على عكس كل الكلام الذي سوَّقه البعض من أن الحكومة السورية تريد التعاون لإقفال المعابر غير الشرعية ووقف التهريب، إذ إن هناك معابر خاصة لا يستطيع أحد التقدم اليها وهي ذات طابع أمني واستراتيجي للنظام السوري و»حزب الله» معاً. ويشير في هذا الصدد إلى الموقف الاخير لمساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط ديفيد شنكر، الذي حذر الحكومة اللبنانية والقوى الداعمة لها من فرض عقوبات جديدة قاسية، مركزاً في كلامه على «حزب الله» ومشاركته في الحكومة، واشارته الى بعض القوى التي تشكل غطاءً ودعماً للحزب.
وإذا كانت المعابر ستُتخذ ذريعة لممارسة ضغوط على لبنان وفرض عقوبات جديدة، استناداً إلى تهديد المسؤول الأميركي الذي قال أيضاً إن هناك تطلعاً أميركياً لفرض عقوبات قاسية على القوى التي تدعم الحزب وتغطيه، إلا أن «حزب الله» لا يكترث لهذه الضغوط، وفق ما يقول سياسي لبناني متابع، كون بعض المعابر على الحدود تشكل مسارات تواصل ضرورية واساسية لاستمرار مهماته في سوريا، وهناك من يسعى إلى استهدافه، وهذا ما يتصل برفضه ورفض لبنان الرسمي والعهد خصوصاً لأي تغيير في مهمات قوات الطوارئ الدولية العاملة في لبنان (اليونيفيل)، ذلك أن أي تغيير يعني مزيداً من محاصرة الحزب واغلاق منافذ تنفّسه الإقليمية وضرب دوره في سوريا ولبنان.
ويظهر وفق معطيات سياسية أن تطبيق «قانون قيصر» سيؤثر على لبنان من دون أن يطاول «حزب الله» في بنيته، إذ إن العقوبات الاميركية السابقة على الحزب وعلى شخصيات مقربة منه وكيانات وشركات لم تفرمل اندفاعته إقليمياً، ولم تضعفه لبنانياً، حيث استثمر فائض قوته في الداخل اللبناني وأصبح المقرر الأول في كثير من الملفات، بما فيها السياسة الخارجية واطلاق خطة الحكومة ومنحها الموافقة على البدء بمفاوضات مع صندوق النقد. لكن لبنان البلد والدولة سيكون أمام تداعيات كبرى لتطبيق «قانون قيصر» خصوصاً في مرحلتيه الثانية والثالثة والرابعة الأخيرة، وقد يدفعه ذلك الى الإنهيار. وهذا يعني، وفق الديبلوماسي، أن الولايات المتحدة الأميركية لا تكترث للوضع اللبناني، ويهمها بالدرجة الأولى أمن إسرائيل وضمان ترتيبات تمنع الحزب من التحرك جنوباً، والضغط ايضاً لإخراجه من سوريا مع الإيرانيين، إضافة الى ضمان مصالح أخرى تتعلق بالنفط والغاز وترسيم الحدود، فيما الضغوط على سوريا تُدرج في إطار انهاك نظام بشار الأسد وفي الوجه الآخر ضمان أن تكون الأطراف جميعها بمن فيهم الروس تحت وصايتها. لكن الضغوط الاميركية قد تخنق لبنان الذي يعاني أزمات مالية واقتصادية صعبة، إذا طاولت العقوبات الجديدة شركات وأشخاصاً وكيانات من خارج الصفحة المقربة إلى الحزب وتتواصل مع النظام السوري، بما فيها شركات كانت تطمح الى المشاركة في إعادة إعمار سوريا.

وقبل البدء بتطبيق المرحلة الأولى من القانون، بدا أنه فعل فعله لبنانياً، وفق ما يقول السياسي إياه، ويشير في هذا الإطار الى أن «سيزر» فرمل أي محاولة لعودة العلاقات مع النظام السوري بما في ذلك التواصل بين الحكومتين اللبنانية والسورية. فقد كان مقرراً أن يبادر لبنان عبر حكومته برئاسة حسان دياب الى التواصل مع أركان في النظام السوري، الا أن التحذير الاميركي واعلان بدء المرحلة الأولى لتطبيق «قانون قيصر» أوقف كل مسعى في هذا الاتجاه، بالاتفاق بين رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس دياب، من دون أن يكون هناك اي رد فعل لـ»حزب الله» الذي أخذ الامور الى وجهة أخرى بالتنسيق مع العهد والحكومة تتعلق بملف «اليونيفيل»، وذلك خوفاً من تأثير اي تواصل مع النظام على المفاوضات مع صندوق النقد واحتمال حدوث ضغوط أميركية لوقف اي مساعدة متوقعة وإن كانت بعيدة، وخوفاً أيضاً من رسائل أميركية الى رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل تعرّضه لعقوبات إذا سار في الأمور بعيداً مع «حزب الله»، لكن في الوقت نفسه لتقديمه أوراق اعتماد الى الأميركيين وهو الذي لا يريد أن يُغضب الحزب أيضاً.
ثمة من يربط بين «قانون قيصر» في الضغوط على لبنان في الملف السوري ومسالة المفاوضات مع صندوق النقد، خصوصاً في الشق المتعلق بالمعابر. والأكيد، وفق السياسي نفسه، ان الحزب لن يتخلى عن المعابر نظراً الى دورها في حماية وضعه الامني وحتى الاجتماعي والاقتصادي والعلاقة مع جمهوره، كون المعابر هي رئة تنفّسه الأساسية، لكن تطورات العقوبات تزيد حدة المواجهة، وتهدد الوضع المالي والاقتصادي في لبنان…