رغم كل الاعتبارات واستطلاعات الرأي ومواقف بعض وسائل الاعلام اليسارية الميول، تمكنت غلاديس بريجيكليان من تحقيق اكثر من انتصار خلال انتخابات الولاية التي جرت في 23 آذار مارس هكذا اصبحت بريجيكليان اول امرأة تنتخب لرئاسة الحكومة في ولاية نيو ساوث ويلز، واول امرأة من اصول اثنية مهاجرة، تتولى هذا المنصب الرفيع وتنتمي الى الجيل الثاني، وتقود الولاية الأهم في استراليا، طوال اربع سنوات جديدة، وتواجه تحديات من مختلف الاتجاهات السياسية والامنية والانمائية، و تعيد الأمل لحكومة سكوت موريسون حول احتمالات الفوز بالانتخابات الفيدرالية، في ايار القادم.
وتمكنت حكومة الإئتلاف من التمسك بالسلطة، ضامنة 48 مقعداً لتأليف حكومة اكثرية، دون الاستعانة بالمستقلين الذين تعهدت بريجيكليان بالتعاون معهم، بانتظار الانتهاء من اعادة تعداد الاصوات في مقاعد دابو وإيست هيلز وليزمور، في تعليق اولي لها.
– بين العمال والإئتلاف
حافظت ولاية نيو ساوث ويلز، في ظل حكومة الإئتلاف على فائض في ميزانية الولاية، رغم الانفاق المرتفع على مشاريع انمائية ضخمة في البنى التحتية، خاصة ما يتعلق بشق طرقات اساسية، وحفر انفاق وتحديث السكك الحديدية وفتح خطوط جديدة داخل سيدني، واخرى تربط العاصمة بالمناطق والمدن الريفية.
وبدت بريجيكليان رغم كل الانتقادات حول سوء ادارة المال العام، انها امرأة حازمة، تلتزم بسياسة الحكومة حرفياً، وانها تمتلك رؤية مستقبلية لمدينة سيدني تجهد مع حكومتها على تنفيذها، دون الاخفاق او التقصير في واجبات الحكومة في القطاعات الخدماتية الاخرى، ورغم التحولات الديمغرافية التي فرضت واقعاً ضاغطاً عليها.
وقد اصبح معلوماً ان 70 بالمئة من المهاجرين الجدد والعمال المهرة الاجانب يقيمون ويعملون في مدينتي سيدني وملبورن بالاضافة الى الهجرة الداخلية من المناطق الريفية باتجاه سيدني، والى النمو السكاني الناتج عن ارتفاع معدلات الولادة.
وبدت حكومة الإئتلاف في الولاية، خلال حملاتها الانتخابية، انها اكثر واقعية في طروحاتها ووعودها المستقبلية فيما ظهر جلياً زعيم المعارضة، مايكل دالي، انه اكتفى بتقليد الحكومة، وحاول طرح تعهدات غير معقولة ومبالغ فيها.
وسعى دالي الى اجتذاب الناخبين من خلال هذه الوعود الفضفاضة، وغير المعقولة، نظراً لقدرات الولاية المالية، وطرح مشاريع ضخمة تخطت المدة الزمنية لحكومته، في حال فوزه في الانتخابات، وتصل الى عام 2030. وهذه تعهدات، رأى فيها الناخبون عجزاً مبطناً لحكومة عمالية قد تقود الولاية مدة 4 سنوات، اذا كتب لها الفوز في الانتخابات واساء دالي العمل السياسي عندما وجه انتقاداً للعمال الصينيين.
كذلك بدت غلاديس بريجيكليان انها اكثر عدلاً وعدالة في تقديم المساعدات الاجتماعية. فقد منحت 7 ملايين دولار للطائفة المارونية لإقامة دار ومركز اجتماعي لكبار السن، كما منحت بالمقابل 7 ملايين دولار للجمعية اللبنانية الاسلامية لبناء دار المسنين، رغم معرفتها المسبقة ان المسلمين يميلون الى تأييد حزب العمال تقليدياً.
وبدت بريجيكليان من خلال هذه المبادرة انها لا تعمل لاجتذاب الاصوات، بل هي عادلة في استخدام المال العام، رغم الواقع السياسي والاعتبارات الدينية الضيقة.
– مايكل دالي
من الانصاف القول ان زعيم المعارضة الذي مضى على وجوده 19 اسبوعاً في قيادة المعارضة، بعد ان ارغم الزعيم السابق لوك فولي على التنحي بسبب ادعاءات التحرّش بمراسلة الـ ABC اثبت عن قدرته السياسية في توحيد حزب العمال، كما اظهر روحاً قيادية عالية خلال مواجهة الإئتلاف في الانتخابات.
لكن حزب العمال، بدا انه يفتقر الى برنامج سياسي واضح ومتكامل، وعجز في اقناع الناخبين ان حزب العمال هو قادر على تقديم الأفضل للمواطنين. واتسمت طروحات حزب العمال بالسلبية، خاصة بعد ان حول دالي قضية «ملعب الأليونز» الى قضية انتخابية، وكأن هدم الاستاديوم وبناء آخر اكثر ملاءمة مع شروط الحداثة والسلامة العامة هو ما يقلق بال الناخبين في الولاية.
لقد تناسى مايكل دالي ان حكومة عمالية سابقة انجزت الطريق السريع M5. وتبين آنذاك انها تعرضت للكثير من الانتقادات بسبب عدم ملاءمة هذه الطريق من الناحية التقنية، خاصة داخل النفقين، وعدم قدرته على استيعاب حركة السير الكثيفة بالاتجاهين، لذا تنفق حكومة الإئتلاف اليوم المليارات لتصحيح اخطاء الماضي.
لكن المواطنين لم يتناسوا ان ولاية نيو ساوث ويلز هي الأفضل في استراليا من الناحية الامنية، بعكس ملبورن، وهي الأفضل اقتصادياً رغم التراجع الاقتصادي والجمود في سوق الإسكان، وهي الأفضل بالنسبة لانخفاض معدلات البطالة والخدمات الانسانية والاستقرار النفسي رغم غلاء المعيشة وفاتورة الكهرباء المرتفعة، نتيجة لمعارضة العمال والخضر لانتاج الطاقة على الفحم الحجري الذي يرفض حزب الخضر حتى استخراجه وتصديره، ليمثل بهذا الموقف السلبية المطلقة حيال نمو استراليا الاقتصادي وخفض سعر الطاقة. للأسف لم يتمكن حزب العمال من التمايز جذرياً عن طروحات حزب الخضر، فدفع الثمن غالياً في هذه الانتخابات، وقد يدفع المزيد في الانتخابات الفيدرالية، رغم الواقع الذي يقول ان الشعب الاسترالي «يرغب باستمرار بتغيير الحكومة بعد دورتين من الحكم على الأكثر، وهو الأمر الذي ابطلته غلاديس بريجيكليان مؤخراً، وضمنت 4 سنوات جديدة من الحكم للإئتلاف، ستسعى خلالها الى تنفيذ تعهداتها الانتخابية، فيما يعد مايكل دالي حقيبته للرحيل، بعد ان قال الناخبون كلمتهم.
– بريجيكليان واللائحة الطويلة من التعهدات
بعد ان ضمنت بريجيكليان عودة حكومتها وفوز الإئتلاف، تواجه اليوم التعامل مع 28 مليار دولار من التعهدات الانتخابية التي اكدت في خطاب فوزها انها قادرة على الالتزام بهذه التعهدات كاملة. وهذه اهمها:
– بناء استاديوم الأليونز، بعد ان بدأت اعمال هدمه قبل اسبوعين من الانتخابات، ورغم مساعي حزب العمال لوقف اعمال الهدم. ويتضمن الاستاديوم الجديد 45 الف مقعد، بالاضافة الى اعادة تحديث استاديوم استراليا في المدينة الرياضية الاولمبية.
– البدء ببناء خط السكك الحديدية باتجاه المناطق الغربية من باراماتا الى وسط المدينة، بكلفة 18 مليار دولار، على ان تنتهي الاعمال ويصبح جاهزاً بغضون 2020. وسيتم بناء خط جديد للقطارات يصل منطقة سانت ماري بمطار بادجري كريك. كما ستقوم الحكومة بشق نفق يصل الشواطئ الشمالية بمنطقة بروكفايل ويخفض مدة الانتقال حوالي 27 دقيقة. من المتوقع ان يصبح جاهزاً بغضون 2026.
كذلك تعهدت الحكومة بتخصيص 14 مليار دولار لبناء النفق الغربي للهاربر، وخصصت 2،6 مليار لاتمام المرحلة الاولى من الطريق السريع M6 بين ارنكليف وكوغراه. كما يجري توسيع الطريق السريع «هيوم هاي واي» بين كاتومبا وليثغو (31 كلم) ويصبح جاهزاً بغضون 2028.
ويتبين من هذه المشاريع الضخمة ان البنى التحتية للطرقات ستشهد تحولات هامة وتخلق آلاف فرص العمل في الولاية.
– القطاع الصحي
تعهدت حكومة الإئتلاف بتوظيف 8،300 ممرض وممرضة وموظفين في قطاع الخدمات الصحية، خلال السنوات الاربعة القادمة، بكلفة 2،8 مليار دولار. وتشمل هذه المجموعة 5 آلاف ممرض وداية، و100 ممرض في الرعاية التلطيفية (Palliative Care) و1060 من الاطباء الاخصائيين و880 عاملاً صحياً متخصصاً و1360 موظفاً طبياً داعماً.
وسيجري تحديث مستشفى نيو كاستل ونقل مستشفى بانكستاون بكلفة 1،3 مليار دولار، وتطوير مستشفى برنس ألفرد وقسم الاطفال في مستشفى ويستميد وتخصيص 428 مليون دولار لمكافحة السرطان لدى الاطفال.
– المدارس:
وتنفق حكومة الإئتلاف 500 مليون دولار لتركيب اجهزة تكييف الهواء في الف (1000) مدرسة خلال السنوات الخمس القادمة، بينما تتلقى مدارس دينية وخاصة 500 مليون دولار لإضافة صفوف لديها وتحديث التجهيزات المدرسية على مدى 4 سنوات.
كما تعهدت بتوظيف 4600 مدرس اضافي خلال السنوات الاربعة القادمة.
– البيئة:
تعهد الإئتلاف بمساعدة 300 الف اسرة من خلال تقديم قروض دون فوائد تصل الى 14 الف دولار للاسرة، لتركيب انظمة وبطاريات الطاقة الشمسية.
وتسعى حكومة الولاية القضاء على الانبعاثات الحرارية بحلول 2050 .
– حكومة الأكثرية
يبدو ان الإئتلاف سيفوز بمقعد إيست هيلز وقد يحتفظ الحزب الوطني بمقعد دابو. وهذا سيضمن ان يكون للحكومة الأكثرية لتأليف حكومة دون مؤازرة المستقلين.
ومن المؤكد ان حكومة غلاديس بريجيكليان سيكون لديها 4 سنوات حافلة بالمشاريع الضخمة التي ستحول ولاية نيو ساوث ويلز الى مركز رئيسي نابض بالحياة والحركة الاقتصادية. المشاريع التي ستبدأ الحكومة العمل بها، وتخلق فرص عمل عديدة تعوض بعض الشيء عن الركود في قطاع الاسكان وحركة بيع العقارات.
الأهم في كل ذلك هو ان غلاديس بريجيكليان ابنة المهاجر الارمني، قد منحت سكوت موريسون املاً جديداً، انه بمقدور الإئتلاف، ان احسن طرح برنامجه السياسي والاقتصادي دون تلكؤ او مراوغة، ان يحقق فوزاً في الانتخابات الفيدرالية في ايار.
لأن الشعب متى قال كلمته، يبطل كل التوقعات ويضرب نتائج الاستطلاعات لأن ما يهم المواطن في آخر المطاف هو الاستقرار الأمني والاستقرار الاقتصادي والعيش بكرامة وطمأنينة.
للأسف الشديد اظهر حزب العمال ان ارضاء 2،3 بالمئة من المثليين هو اهم من الالتزام بأولويات المواطنين. ورغم حداثة موريسون في قيادة الإئتلاف لا يزال رئيس الوزراء المفضل ، بالمقارنة مع بيل شورتن، حسب استطلاعات رأي الناخبين.
فهل ستلهم بريجيكليان رئيسها موريسون ليقود الإئتلاف الى فوز غير متوقع في الانتخابات الفيدرالية.
الأشهر القليلة القادمة، ستكشف كل الحقائق.
pierre@eltelegraph.com