وديع  شامخ
 رئيس تحرير مجلة «النجوم»

عنوان الكتاب: الأسطورة والتوراة – قراءة في الخطابات الميثولوجية
المؤلف: ناجح المعموري
دار النشر: المؤسسة العربية للدراسات  والنشر – عمان
تُشكل مناهج القراءة الحديثة سنداً وظهيراً لأي مشروع فكري لإعادة قراءة النصوص المختلفة ( تاريخية – دينية – معاصرة) للخروج برؤية أو اقتراح جديد يضاف إلي القراءات السابقة علي هذه النصوص ولقد اهتم الكاتب العراقي ناجح المعموري في دراساته المنشورة أو المخطوطة بتقصي حقل الميثولوجيا علي مستوي الأساطير، الملاحم والنص التوراتي الذي كان موضوع دراسته في هذه الكتاب، إذ يحدد الكاتب هدفه( هذه محاولة جديدة في مشروعنا الفكري لقراءة التوراة ولكشف عن هيكلها العظمي بعد فزع الجلد منه) ويتحدد منهج القراءة لدي المعموري باستخدام التفكيكية عبر تحليل النص التوراتي بصورته الأخيرة والمستقرة في العهد القديم ومقارنته بالنصوص والأساطير السابقة عليها وخصوصاً في حضارات الشرق التي شهدت وجود العبرانيين علي أراضيها مثل ( مصر) والذي استمد النص التوراتي من موروثهم الأسطوري والعقائدي الكثير كما يعتقد الكاتب وكذلك حوار التوراة واستفادته من الديانة العراقية القديمة ونظامها الفكري العام، ليخلص بعد سياحة في مرجعيات التوراة الشرقية إلي نتيجة مفادها ( ولا يكاد سفر من إسفار التوراة يخلو من التناص مع الأنظمة الفكرية والدينية في حضارات الشرق المعروفة والتي تحاورت مع الخطاب التوراتي الذي مارس عملية السطو والانتمال الاستبدال أحياناً ومهما كانت البنية الذهنية العبرانية ذكية فإن المركز المؤسس يومئ لتمركزه باعتبارها مهيمنة لا يمكن الاختفاء وسط المتغيرات التي حصلت أثناء النقل والترحيل، لأن النص الأول يظل متجسداً ببقاء ثابت ومستمر ويشير لحاضنه التي أنتجته بتلك القوة
التناص والسطو والانتحال
يضعنا الكاتب في التباس مفهومي وهو يخلط مرة واحدة مصطلحات استقرت في حقل القراءة والتلقي بشقيه العربي القديم والغربي الحديث، فالتناص وكما جاء في إشارة المؤلف( التناص مفهوماً إجرائياً) هو ( فسيفساء مشكلة من قطع أحجار مختلفة) باتفاق ( جوليا كرستينا) مع ( رولان بارت) مع أن الكاتب لم يشر إلي (جيرارجنيت) المنظر الأول لمفهوم التناص والذي قعدته نظرياً ( كريستينا) ويستمر الكاتب باستجلاء مصطلح ( التناص) من خلال أراء عديدة انتصرت في الغالب إلي غير ما كان يرمي إليه المؤلف بالتناص واقترانه بالسطو والانتحال الذي وصم به النص التوراتي، إذ يذهب الكتاب إلي الاعتراف ( إن الأساطير لا أب لها) وإنها ( سابحة خارج الزمان مكتفية بمطلقها) والتناصية ( قدر كل نص) وإن التداخل بين الطقوس والشعائر والعقائد والأسطورة هو ( الذي أسس بحيرة الأسطورة المكونة من قطرة نازلة من السماء ومنبثقة من عمق الأرض ليتداخل القطر كله ويكون هذه البحيرة التي تسبح فينا ونطفو فوقها ولا نستطيع منها فكاكا).
وإذا كانت ( ملحمة جلجامش) نفسها كما يؤكد المؤلف ( تتناص مع نفسها لمرات كثيرة حتي يبدو التكرار جزء من بنيته الملحمة الفكرية والفنية وخصوصاً في بنية الحلم والتحاور مع الشخوص بعضها البعض) ولا يكتفي الكاتب بتناص الملحمة مع نفسها، ويرى إنها تتناص أيضاً مع نصوص سابقة كما في أسطورة الطوفان السومري، وسوف يخلص المعموري إلي أن الأسطورة( تخلق أساطيرها وتؤسس طقوسها ورموزها ومنظومتها الكاملة لتخلق بالتالي خطاباً دينياً متكاملاً وهذا كله يؤكد كون الخطاب الديني عبارة عن سلسلة طوبولوجية لا يمكن إجراء العزل أو الفصل بين حلقات تلك السلسلة وتجزئ البنية المتعالية إلي بني صغيرة تمتلك شرعية استقلالها وانفصالها عن الحلقة المجاورة لها).
(وبما أن الكلام لو يعاد لنفذ ولا وجود للكلام إلا في تكراره وتقليده لكي لا يجف النبع ينبغي أن يسيل ويبذر المياه ويضحي بنفسه، الكلام الذي لا يجتر نفسه يكون عرضة للفقر والجمود فنغني جوعاً …. التقليد راعي الحياة للكلام وجوهره)
نلاحظ أن المعموري قد أضاف للتناص مزايا جديدة( التكرار الاجترار) ويعدهما من ضرورات استمرار الكلام، فأين كان النص التوراتي سارقاً ومنتحلاً؟ إننا نري أن دراسة النص التوراتي عند المعموري لم يكن خالياً من القصد الأيديولوجي الذي يربط (العبرانيين) والنص التوراتي لأننا ووفقاً لطروحاته النظرية عن التناص تبيح له الاستفادة مع النصوص السابقة والمجاورة له ( بوصفه نصاً غير مقدس وهو ما يذهب إليه الكاتب لا أن الإقرار بقدسية التوراة وأعني أنها مرتبطة بوجود منتج متعال هو (الله) سوف يبطل كل مفهوم للتناص أو السرقة).
ولماذا يخلط الكاتب بين التناص والانتحال والسطو وهي مفاهيم نقدية عربية قديمة خرج الحقل النقدي العربي القديم( بوقوع الحافر علي الحافر) انتصاراً للنصوص المبدعة فعندما نقرأ التوراة( كنص أدبي) سنجد أن ( نشيد الإنشاد) يمثل ذروة إبداعية عالية كما أن الرجوع إلي ( سفر التكوين) سيكون اختصاراً رائعاً لرحلة الإنسان وسر خلوده في التوحيد بخالق رائع كما أنه اختصاراً لكل النصوص والأفكار التي نضجت في التوحيد قبلة…إن مفهوم التأصيل والتأسيس هو ما هدمه المنهج التفكيكي أصلاً وكان التناص هو المعدل الإجرائي للبحث عن المحطات المشرقة في النص.
هل ناقش الكتاب التوراة؟
يجب أن نعترف أن ناجح المعموري قد بذل جهداً طيباً في اختيار النصوص السابقة علي التوراة وأكد علي الحوار لكنه كان غير موفق في الانسجام مع مفاهيم القراءة الحديثة التي تفترض أولاً مناقشة النصوص وفق حقولها الخاصة دون المجانية بترحيل نص من سياقه لمناقشته في طروحات منهج آخر للقراءة، وإذا ما جاز لنا أن نفكك أي نص فلا يجوز انتخاب موجهات للقراءة المسبقة سيما في حقل النصوص الميثولوجية، ونرى أخيراً أن المعموري أراد تعويم النص التوراتي في بحيرة الميثولوجيا دون الاحتكام إلى مسوغاته التي طرحها وهي ملتبسة وحائرة بين الدخول إلي النص والآليات النقدية لفحصه
ومع كل الملاحظات  يكون الكتاب  قد قدم أطروحة مفتوحة  في مناقشة النصوص التي تشكل مقدسا لدى بعض الشعوب و يمكن النظر اليها من عدة اوجهه.
Wadea1956@yahoo.com