بمناسبة عيد مار شربل ترأس راعي الأبرشية المارونية المطران انطوان طربيه يوم الأحد الماضي الذبيحة الإلهية في كنيسة مار شربل في بانشبول يعاونه رئيس الدير الأب لويس الفرخ والآباء انطوان طعمة وشربل قزي وإيلي رحمة وحضور عدد كبير من أبناء الطائفة المارونية.

بعد الإنجيل المقدس ألقى المطران طربيه العظة التالية:

تحتفل كنيستنا المارونية في الاحد الثالث من شهر تموز المبارك من كل سنة بعيد القديس شربل، ابن الكنيسة المارونية الانطاكية المشرقية، قديس لبنان واوستراليا والعالم بأسره.

تقول نبؤة أشعيا، بحسب انجيل اليوم، روح الرب عليّ، ولهذا مسحني لأبشّر المساكين: فعلى مثال الرب يسوع المسيح الذي قاده الروح فقدّم ذاته ذبيحة فداء على الصليب، ومن موته وقيامته المجيدة، ولدت البشرية الجديدة المتمثلة بالكنيسة، كذلك القديس شربل كان مثل حبة الحنطة التي زرعت بأرض لبنان الطيبة، وقاده الروح الى الحياة الرهبانية، فعاش التجرد عن ذاته كل يوم، وكرّس حياته للرب مردداً كلام الرب يسوع في انجيل يوحنا: لأجلهم أقدس انا ذاتي (يو 17:19).  وبموته عن مغريات هذا العالم وأباطيله، أعطى ثماراً وفيرة، فجمع الكثيرين من الناس على اختلاف مذاهبهم واديانهم واُثنياتهم، جمعهم حول الرب يسوع المسيح، فأتوا من كل حدب وصوب، شاكرين نعم الرب عليهم ورحمته الكبيرة لهم ولعيالهم، خاشعين مصلين: تبارك الله في قديسيه.

وتقول نبؤة أشعيا أيضاً: «وأرسلني لأنادي باطلاق الأسرى وعودة البصر الى العميان». عندما دخل شربل الدير سنة 1851 وكان اسمه انذاك يوسف، غادر البيت فجراً، دون اعلام أحد، قاصداً دير سيدة ميفوق. لقد لبّى نداء الرب مردداً كلام صمؤيل النبي قائلاً: «تكلم يا رب فإن عبدك يسمع.» همه الاساسي كان أن يكرّس ذاته ويعيش في اتحاد كامل مع يسوع المسيح. في الواقع أعطى شربل بعداً جديداً للرسالة وللمرسلين انطلاقاً من مدرسة النسك الرسولي في انطاكية. محور حياته كان السجود ولعدة ساعات أمام القربان متأملاً بسر محبة الله لنا بالمسيح يسوع، الحاضر ابداً بهذا السر الذي كان نقطة انطلاقه ووصوله في مسيرته الروحية والايمانية. ولم تكن الصلاة او السجود أمام القربان ليبعدا شربل عن اخوته في الرهبانية أو في الانسانية انما كان هناك في محبسة عنايا يحمل كل يوم في صلاته هموم شعبه وكنيسته ووطنه الكثيرة، ولم يتجرد عن دنياه الا ليستمطر عليها بركات ونعم السماء.

وهكذا كان روح الرب على شربل، فملأه من مواهب الروح القدس، وسار على هدي الروح القدس بعد تفاعله العميق مع النعمة، ومن صمته وصلاته وتقشفه في محبسة عنايا، حمل بشارة الانجيل ومحبة الرب يسوع المسيح ورحمته الى اقاصي الارض، ولقب عن حق برسول القرن العشرين في الكنيسة.

ولان روح الرب كانت وما زالت مع القديس شربل ، كانت عجائب الرب بشفاعته تعيد البصر الى العميان بحسب نبؤة اشعيا.، فمن اسكندر عبيد الذي استعاد بصره في السبعينات من القرن الماضي الى سيدة أميركية تدعى «دافني غوتيريز» التي شفيت من العمى الكامل في إحدى عينيها في السنة الماضية2017 بعدما زارت كنيسة مار يوسف المارونية في مدينة فينيكس ورفعت الصلاة على نية شفائها أمام ذخائر القديس اللبناني شربل حينما كانت تزور الكنيسة، فاننا نخشع جميعا امام قداسة شربل، ونطلب من الرب في يوم عيده ان يزيدنا ايماننا ورجاء ومحبة.

لقد سار شربل وراح يعلو ويعلو على قمم الحياة الروحية والقداسة، فمن مولده في بقاعكفرا الى دخوله الدير في الرهبانية اللبنانية المارونية، الى دراسة اللاهوت على يد القديس نعمة الله الحرديني في دير كفيفان، الى سيامته كاهنا في بكركي وعيشه لسر الكهنوتية في دير عنايا، مسيرة تككلت بالدعوة الى الحياة النسكية والاستحباس في محبسة دير عنايا. وما كانت وفاته عشية عيد الميلاد سنة 1898 الا ليولد لنا قديس وشفيع عظيم في السماء.