بقلم بيار سمعان

منذ الاطاحة بطوني آبوت في عام 2015، بدا اداء مالكولم تيرنبل كشخص دخيل على حزب الاحرار. فهو لم يتمسك بمبادئ الحزب الاساسية من ناحية، ولم يتمكن من قيادة الحكومة والإئتلاف ويثبت زعامته كرئيس مسؤول وقائد.

– لقد وصل تيرنبل الى زعامة الإئتلاف ضمن شروط وضعها المحافظون في حزب الاحرار. وباعتقادي ان عملية التخلص منه، انطلقت عندما عمل جاهداً على تشريع زواج المثليين، وتلاعب بالتفاهم مع مكتب الاحصاء بنتائج الاستفتاء البريدي، وبعد ان فشل خلال 20 استطلاعاً للرأي في تحسين شعبيته.

– لقد نجح تيرنبل في أمر واحد. استطاع ان يخرج حزب الاحرار من طروحاته التقليدية المحافظة واصبح معه الاحرار اقرب الى حزب العمال واكثر بعداً عن المبادئ والتوجيهات التي وضعها روبيرت مانزيس اساساً وقاعدة يلتزم بها نواب وقادة الحزب.

– الخطأ الآخر الذي ميّز مرحلة حكم تيرنبل هو غياب «روح القيادة» ووضوح الرؤية السياسية لديه. فرغم مهاراته السياسية في تدوير الزوايا، فشل مالكولم تيرنبل بفرض نفسه كزعيم يحتذى به، يتماهى به اعضاء الحزب ويقتنع بطروحاته اغلبية الشعب الاسترالي.

ورغم عمليات الاقصاء والتحجيم والابعاد عن مراكز السلطة، اظهر المحافظون داخل حزب الاحرار انهم قوة فاعلة لا يستهان بها، وهم قادرون على احداث تغيير جذري في الواقع السياسي متى ارادوا . منحوا مالكولم تيرنبل 3 سنوات لم يتمكن خلالها من رفع شعبيته، فجاء برنامج الطاقة الوطني الملتزم بتوصيات مؤتمر باريس ليطيح به مرة اخرى، بعد ان خسر الرهان عام 2013، عندما استبعد عن قيادة المعارضة ليحل مكانه طوني آبوت ويحقق الأخير اغلبية نيابية في البرلمان، اثر فوز الحزب في الانتخابات العامة.

تيرنبل، على عكس جون هاورد الذي جدّد له الشعب خلال 3 دورات، لم يكن الزعيم المميّز رغم ثروته الفاحشة.

فأخرج من الحكم بين ليلة وضحاها، بواسطة الضربة القاضية التي وجهها اليه بيتر داتون، رغم عدم وصول الأخير الى موقع القيادة. غير ان داتون ليس نادماً على وصول سكوت موريسون، اذ يعتبر الاثنان وجهين لعملة واحدة، بالنسبة للقضايا التي تهم استراليا وحماية حدودها، وتحسين الوضع الاقتصادي، واعادة توحيد الحزب والشعب حول مسلمات اساسية تعيد للبلد هويته، بعد ان سيطر الفكر اليساري الملحد واصبح المناخ العام موبوءاً اخلاقياً، لا يبالي بالحريات الدينية وحقوق الانسان والثقافة الاسترالية التي تقوم على التسامح وقبول الآخر واعتبار استراليا بلد الأمان والفرص المتوفرة للتقدم الاجتماعي والاقتصادي والترقي دون تمييز عنصري بين المواطنين.

خلال السنوات الماضية، وضعت استراليا في مواجهة العلمنة، فكانت النتيجة، فقدان الهوية الاسترالية والحيادية على حساب ارضاء القوى الخارجية والرأسمالية العالمية انها العولمة في مواجهة استراليا.

اليوم اصبح سكوت موريسون رئيساً للوزراء، وخرج مالكولم تيرنبل من العمل السياسي متوجهاً الى نيويورك لمتابعة استثماراته ذات الطابع الدولي. فهو يمتلك اسهماً في اكثر من شركة دولية واستثمارات في اكثر من دولة.

لذا يعتقد البعض ان مالكولم تيرنبل كان يعمل لصالح آجندا دولية وضعت له في الخارج، حاول الالتزام بها في الداخل. لكن أعين المحافظين كانت تلاحق تحركاته والتقليديون يحللون خلفياته السياسية. لذا اتهم تيرنبل بعض وسائل الاعلام (شبكة سكاي نيوز واذاعة 2GB) التي عملت بعكس الى ABC وفيرفاكس على تسليط الاضواء على الاخطاء الفادحة التي ارتكبها مالكولم تيرنبل.

وان صحت اتهامات تيرنبل، فيمكن القول ان رئيس الوزراء السابق ذهب ضحية المؤامرة التي حاكها لطوني آبوت بالتعاون مع الـ ABC وسكاي نيوز بصفته وزيراً للاتصالات في حكومة آبوت، كان يمرّر اسرار الحكومة ويعمل في الخفاء على تشويه صورة آبوت الذي تمكن خلال اكثر من سنتين من ضبط الحدود الاسترالية، ووضعت حكومته قوانين لمواجهة الارهاب. وابرام اتفاقيات التجارة الحرة.. كما تمكن، برغم وصفه «بالتقليدي المنعزل» والذي يرفض الحداثة، من وضع الشعب الاسترالي امام خيارات تتعلق بحماية البلاد ورسم هوية واضحة والحؤول دون تراكم الدين العام «الذي سيعجز الاجيال القادمة من تسديدها». تمكّن آبوت من رسم صورة مستقبلية للبلاد، كما وضع الأسس الصالحة لبناء دولة متماسكة وآمنة، تحترم سيادتها وتحفظ سلامة مواطنيها وتصون حقوقهم.

باعتقادي، انه لو منح آبوت المزيد من الوقت لكنا نعيش الآن اجواء عامة، اقتصادية واجتماعية مختلفة في البلاد، خاصة انه عقد اتفاقيات التبادل التجاري الحر مع دول عظمى في المنطقة، مثل الصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية، الأمر الذي لم يستسيغه تيرنبل، فأدخل استراليا في مواجهة مباشرة مع الصين.

< موريسون يختلف عن تيرنبل

صحيح ان سكوت موريسون كان وزيراً للخزانة في حكومة تيرنبل، وعمل معه بانسجام واخلاص حتى الساعات الأخيرة. لكن يوجد فروقات عديدة في حياة وشخصية كل منهما. هذه الفروقات اثرت وما زالت تؤثر في مبادئ ومواقف وسياسة الزعيمين.

< الفروقات الدينية

مالكولم تيرنبل نادرآً ما تحدث عن عقائده الدينية. لكن الثابت ان تيرنبل بدّل انتماءاته المذهبية اكثر من مرة. وعندما سئل مؤخراً عن جذوره، اجاب ان جدته تقول انها يهودية وهو يصدق روايتها. لكن تيرنبل نشأ في اسرة مشيخية ( Presbyterian) .  لكنه يعترف انه لم يكن في طفولته متديناً. في سنوات المراهقة انحدر الى الفكر اللا أدرية (Agnosticism) . وعندما تزوج من لوسي الكاثوليكية عام 1980 في بريطانيا عقد زواجه في كنيسة انغليكانية.

يقال ان عقيلته وعمه توم هيوز مارسا ضغوطات كبيرة عليه، فاعتنق الكاثوليكية. غير ان تيرنبل يعارض هذه الكنيسة في قضايا جوهرية مثل دعمه للاجهاض وتأييده لزواج المثليين.

اما سكوت موريسون فهو يجاهر بعقيدته الدينية ويعتبرها جزءً من هويته الانسانية. وغالباً ما يقتبس تعابير وآيات من الكتاب المقدس لتدعيم آرائه السياسية.

موريسون  وزوجته من الأعضاء الملتزمين بالكنيسة الخمسينية. واضح في آرائه ومتمسك بعقائده صوّت في البرلمان ضد تشريع زواج المثليين. واعلن مؤخرآً انه سيعمل على ضمان الحريات الدينية دستورياً لأن فيها ضمان لحرية الانسان وحقوقه.

على عكس مالكولم تيرنبل، يبدو سكوت موريسون واضحاً في طرحه للأمور المعقدة ويتمتع بمواقف صريحة منها.

بعد زيارته الى لبنان لحضور سيامة مطران الموارنة انطوان شربل طربيه، القى موريسون كلمة حول هذه الزيارة واهمية المعالم الدينية في لبنان. تحدث بمصداقية وعاطفة عن الأماكن الدينية التي زارها، وفي طليعتها وادي القديسين في قاديشا. وشدّد على اهمية الحرية الدينية في لبنان وضرورة حمايتها.

وحماية مثل هذه الحرية، لم تكن للمتاجرة السياسية الآنية، بل عكست جانباً من قناعاته. موريسون الذي يرغب ايضاً بحماية هذه الحرية في استراليا والتي تتضمن حسب رؤيته ومفاهيمه : حرية المعتقد والتعبير عنه، حرية الاحتفال بالشعائر الدينية وقدرة الاهالي على اخراج ابنائهم من الحصص المدرسية التي لا يوافقون على مضمونها.

وتجري اليوم حملة اجتماعية يوقّع خلالها المواطنون على عريضة، يطالبون رئيس الوزراء موريسون بضرورة إلغاء برنامج المدارس الآمنة: «ولا يستبعد ان يقوم موريسون بسنّ قوانين لا تجعلها الزامية، في حال لم يتمكّن من إلغائها بالكامل.

< اتفاقية باريس والتبدلات المناخية

اثر وصول تيرنبل الى الحكم سارع الى تأييد اتفاقية باريس للحد من الانبعاثات التي كان آبوت قد تراجع عنه، بعدما اجرى استشارات شملت خبراء وسياسيين.

يؤكد اكثر من خبير في التبدلات المناخية ان ما تنتجه استراليا من انبعاثات حرارية لا يتجاوز  0،8 في المئة من الانبعاثات الحرارية في العالم.

اما الصين والولايات المتحدة اللتان لم توقعا على هذه الاتفاقية تنتجان معاً ما يزيد على 38 ٪ من الانبعاثات الحرارية في العالم . لذا ارتأى آبوت ان استراليا هي غير ملزمة بدفع ثمن الهواء الذي نتنشقه إذ يذهب الى جيوب قوى خفية هي غير قادرة على تغيير الواقع المناخي. مما يعني عملاً باتفاقية باريس ان الشعب سوف يدفع ثمن الهواء الذي يتنشقه.

اضف الى ذلك ما اصبح معروفاً اليوم عن قيام دول ومنظمات عالمية (اميركا، اسرائيل، روسيا…) بالتحكم بالتبدلات المناخية والقدرة على انتاج المطر والعواصف او الجفاف، والتسبّب بالهزات الارضية. ويبدو ان الأمم المتحدة اصدرت تشريعات منذ الستينات من القرن الماضي تبيح لمن لديهم القدرة، بالعمل على مكافحة التلوّث المناخي واجراء الاختبارات في هذا المجال. هذه القوانين فتحت الابواب على مصراعيها لاجراء اختبارات ونثر المواد الكيميائية في الفضاء بحجة مكافحة الانبعاثات الحرارية. لكن الواقع هو عكس ذلك. اذ يعتقد بعض العلماء ان التحولات المناخية العنيفة هي ناتجة  عن التدخل البشري ولا تعود الى الانبعاثات الحرارية وارتفاع مستوى التلوّث.

مالكولم تيرنبل، تجاهل كل هذه المعطيات وسارع بالاعلان عن دعمه لاتفاقية باريس وسدّد الرسوم المتوجبة على استراليا.

اما سكوت موريسون، فيبدو انه يتجنّب الآن مواجهة منظمات البيئة ووسائل الاعلام التي تؤيد مؤتمر باريس . لكنه اسند وزارة الطاقة الى أنغوس تايلور الذي اعلن ان استراليا ستنتج الطاقة مجدداً بواسطة الفحم الحجري، الأمر الذي حاول تيرنبل الغاءه بالكامل، رغم الثروات الطبيعية المتوفرة بغزارة في استراليا.

ويمارس المحافظون في حزب الاحرار ضغوطات على موريسون للانسحاب من اتفاقية باريس، لكن الاتحاد الاوروبي، بالمقابل يهدّد بوقف العقود التجارية مع استراليا، في حال اقدمت على الانسحاب، لكن لا يزال موقف رئيس الوزراء موريسون غير نهائي حتى اليوم.

فموضوع الطاقة والتبدلات المناخية الذي كان احد العوامل التي اطاحت بتيرنبل، قد تكون سبب ازعاج لموريسون الذي يواجه اكثر من فريق داخلي وخارجي، وفي كل الاتجاهات.

ولا بدّ من الاشارة الى وجود اختلافات كثيرة تتعلق بقضايا شائكة ومعقدة، انطلاقاً من اعادة توحيد الصف داخل الإئتلاف، ومروراً بتنشيط الوضع الاقتصادي، والحفاظ على حسن العلاقات مع دول الجوار.

اضف الى ذلك العلاقات الثنائية مع الصين وتفعيل اتفاقية التبادل التجاري معها. يلي ذلك قضية تملّك الصينيين للاراضي و المرافق  الاسترالية وتمدّدها في دول الجوار، ومسألة النزاع حول بحر جنوب الصين وتحويله الى قاعدة عسكرية، مما يهدّد مستقبل الملاحة فيه وفوقه. اضف الى ذلك توتر العلاقات الصينية الاميركية وانزلاق استراليا نحو دعم الولايات المتحدة على حساب مصالحها الاقتصادية والامنية، بسبب اتفاقيات سابقة.

الهاجس الداخلي الآخر هو الفوز في الانتخابات القادمة (2019) والحؤول دون وصول حزب العمال الى السلطة.

ويبدو ان تيرنبل بالتعاون  مع العمال والخضر  يراهن على اسقاط الحكومة عن طريق دعم حزب العمال ولو بطرق غير مباشرة.

وبدا تصميم تيرنبل على التخلص ممن اطاحوا به في النزاع الحاصل في عملية اختيار مرشح للحزب بخوض الانتخابات الفرعية عن مقعد وينتوورث. فصبّ تيرنبل كل جهوده لفرض السفير السابق لدى اسرائيل خلفاً له. كما صبّ جام غضبه على بيتر داتون وطالب بتحويله الى المحكمة العليا.

ويخشى ان يقوم تيرنبل بلعب نفس الدور المدمّر من داخل الحزب، بعد ان يصبح لديه «حصان طروادة» جديدة داخل البرلمان هو مرشح وينتوورث، ديفيد شارما.