بقلم / بيار سمعان

غالباًَ ما توجه الرسائل المفتوحة الى كبار الشخصيات المسؤولة. فنقرأ على سبيل المثال: «رسالة الى رئيس الجمهورية او رئيس الوزراء او الى احد النواب او المدراء العامين…»
اما انا فاردت ان اوجه رسالتي الى المسلمين اللبنانيين في استراليا لاسباب عديدة وهامة حسب اعتقادي.
لقد نشأت وامضيت شبابي في مدينة الفيحاء واكتسبت خلال هذه السنوات الكثير من الصداقات وعمق المعرفة التي ولدت في نفسي قناعة راسخة. وهي ان ما يسعد اخي المسلم اللبناني يزيدني فرحاً، وما يقلقه يرفع من مستوى التوتر لديّ.
لا زلت اذكر كيف كنا نتشارك معظم المناسبات الدينية والوطنية، ولا ازال اتذكر الليالي الرمضانية واسمع اصوات الماذن والمجودين وهم يتلون آيات من سورة مريم خلال الاعياد المرتبطة بها، كما انني لا ازال اسمع المؤذنين ينشدون خلال «جمعة الآلام» «سلام علي يوم ولدت ويوم اموت ويوم ابعث حياً..»
واذكر جيداً كيف كنا نتبادل التهاني خلال المناسبات الدينية حتى تحولت هذه التقاليد الطيبة جزءاً هاماً من ثقافتنا الاجتماعية وطبعت شخصيتي وعمقت علاقات الصداقة مع كثيرين من ابناء طرابلس المسلمين.
وانا اشعر اليوم كلما التقيت احدهم انني اعود لاكتشف ماضياً جميلاً وازداد قناعة ان مصيري كمسيحي لبناني هو مرتبط بمصير اخوتي المسلمين اللبنانيين، وان الظروف التي دفعتني ان احمل حقيبتي وارحل عن وطني هي نفس الظروف المأساوية التي اوصلتهم الى استراليا التي اتخذناها معاً وطناً ثانياً، عندما ضاقت فسحة الحياة في الوطن الأم لبنان.
واقتناعاً مني ان ما يجمع هو اكثر مما يفرّق، ونظراً للدور الرائد الذي يلعبه مسلمو لبنان على مستوى الجالية  الاسلامية في استراليا وتقديراً لروح الانفتاح والمبادرة والقدرة على تخطي التقاليد والنظر الى ما هو ابعد من المألوف، اردت ان اوجه رسالتي هذه لهم آملاً ان يتخذوا المبادرة لمعالجة ما سوف اعرض في رسالتي هذه.
لا شك ان الجالية الاسلامية عامة واللبنانية خاصة اصبح لها ثقل سياسي، خاصة في بعض المناطق التي تشهد كثافة سكانية مسلمه، حتى اصبحت الاحزاب الكبرى تولي لتوجهاتهم السياسية اهمية وتستمع الى آرائهم وتصغي الى مطالبهم.
ويرتبط المسلمون تقليدياً بحزب العمال الذي انتسب اليه شخصياً لدرجة ان هذا الحزب قرر مؤخراً اختيار نائب مسلم عن منطقة لاكمبا ارضاءً لهم. وربما ظن البعض انهم حققوا انجازاً سياسياً واصبحت كلمتهم مسموعة في برلمان الولاية، ومؤثرةً في قرارات الحزب بشكل عام.
لكن للاسف الشديد حزب العمال فقد الكثير من مصداقيته عندما اتخذ العام الماضي قراراً بالاجماع خلال مؤتمره السنوي لدعم زواج المثليين واعادة تحديد مفهوم الزواج على انه عقد بين راشدين وليس بالضرورة، بين رجل وامرأة. وبكلام آخر يمكن لرجل ان يتزوج بآخر وامرأة ان تعقد قرانها على اخرى ويؤلف الاثنان عائلة متكاملة في الحقوق لا تختلف عن العائلة «التقليدية» والطبيعية كما الفناها منذ بداية التكوين. وحول حزب العمال قضية زواج المثليين الى قضية تحتل اولويات الحزب وبرنامجه السياسي  وكان مصير البلاد وازدهارها وامنها واستقرارها الداخلي ونموها الاقتصادي يتوقف على منح المثليين الحق بالزواج.
ويرفض حزب العمال اجراء استفتاء عام على هذه القضية الحيوية، خوفاً ان يخذل المواطنون آجندا حزب العمال الخفية، رغم ادعاء الاعلام واستطلاعات الرأي قبول المجتمع بهذه التعديلات. لكن حزبي العمال والخضر يصران ان يحصر القرار بيد البرلمانيين بعد ان تأكد بيل شورتن انه اصبح يمتلك الأغلبية لتمرير هذه التعديلات.
واللافت ايضاً ان حزب العمال يريد ارغام رجال الدين على عقد زواج المثليين منعاً للتمييز العنصري  وحفاظاً على مشاعرهم الرقيقة وعكس التعهدات السابقة التي اطلقها بيل شورتن في اكثر من مناسبة انه لن ينتهك حرمات الأديان.
اوجه كلمتي الى اخوتي المسلمين ان يتخذوا موقفاً مناهضاً لحزب العمال. وكم اتمنى ان ارى تحركاً اسلامياً ليس دفاعاً عن طروحات دينية او اعتراضاً على رسوم كاريكاتورية مهينة، وهذا حسن، بل من اجل قضية اجتماعية قانونية تحمل الكثير من المخاطر على مستقبل العائلة ومستقبل المجتمع والنظام التربوي في البلاد وهي امور اولوية بالنسبة لنا جميعاً.
ان اقرار زواج المثليين هو باعتقادي قضية شديدة الخطورة ولها انعكاسات سلبية لا تقدّر. وسوف يلي اقرارها الزام جميع المدارس ان تعتمد برنامج «المدارس الآمنة» Safe School حيث يجرى تدريس مادة العلاقات الجنسية بشكل تمحو معها الفروقات الجنسية. فالمثلي والمتحوّل والسحاقية والمتعدّد الميول الجنسية وما الى هنالك من انحرافات وبدع سوف تعتبر امراً طبيعياً وتلغى الفروقات بين الجنسين ويلجأ الطلاب والطالبات الى استعمال نفس المراحيض، طالما لا وجود لفروقات جنسية بينهما.
اما المدارس التي تمانع ادراج هذه البرامج فتحرم من التمويل وترغم بالتالي على ذلك قبول البرنامج او الاقفال.
ومع اقرار زواج المثليين سوف يشهد المجتمع سلسلة من التعديلات القانونية التي ستحدّ من حرية المجتمع لصالح اقلية ضئيلة. انه مشروع يسعى الى ضرب الاخلاق والعقائد الايمانية وضرب الحريات ونشر الفكر الالحادي العبثي وتعميمه على المجتمع والمؤسسات التربوية والجامعات  ليصبح قاعدة للنظام الجديد.. ويمنع على الناس الاعتراض بحجة الإساءة الى الآخرين والتمييز العنصري. انها ديمقراطية حزب العمال واحترامه للتعددية الثقافية ولحرية المعتقد التي الغت كل الفروقات ارضاءً للمثليين.
ان ما يجري الآن هو شديد الخطورة وفيما يجرى قتل الانسان ومحو حضارات في الشرق الاوسط وتغيير معالمه الجغرافية نحن ايضا مستهدفون من خلال هذا النوع من التشريعات المخالفة للطبيعة .
ادعو المسلمين اللبنانيين بالدرجة الاولى ان يقولوا لا لحزب العمال ولممثليه وخاصة في  المناطق التي تشهد كثافة مسلمة. واعني مناطق كانتربري بانكستاون واوبرن، غرانفيل والسانت جورج، كوغراه وغيرها… خذوا المبادارة ولا تترددوا قبل فوات الأوان. ارفعوا رسائل احتجاج الى نواب هذه المناطق وهددوا بمقاطعة العمال منهم.
وبالمناسبة اود ان اشيد بموقف رئيس دير مار شربل الذي وجه رسالة الى نواب المنطقة قائلاً بالحرف الواحد: «تأتون الينا وتجلسون في المقاعد الاولى والصفوف الأمامية، خاصة في مواعيد الانتخابات ثم تنقلبون وتتخذون قرارات تتعارض مع معتقداتنا ومبادئنا.. اقول لكم:
اننا لن نرحب بكم في دارنا بعد اليوم».
آمل ان يتحرك  أئمة المسلمين وجميع المشايخ والجمعيات الاسلامية وجميع الغيارى على حرية الدين والمعتقد وان «يتماتلوا» برئيس دير مار شربل.. وإلا فعلى الدنيا السلام.. فلن تنفع الندامة ولن تفيد الحماية الذاتية، لأن القوانين ستطبق على الجميع.

pierre@eltelegraph.com