بقلم بيار سمعان

وجه الممثل اللبناني ميشال ابو سليمان عبر شبكات التواصل الاجتماعي نداءً الى لبنانيي الانتشار، جاء فيه ما يلي:

دعوة لكل المغتربين في كل العالم.

دعوة انسانية. دعوة لرفع دعوى (قضائية) على كل المسؤولين اللي سرقوا الشعب وسرقوا الدولة.. مش مزح ولا لعب. بكل جد لازم تاخدوا هيدا الموضوع بعين الاعتبار.

عن جد ما بقى فينا نتحمل، لا نحن ولا ولادنا، ولا ولاد ولادنا… نحن  تحملنا كفاية، بس مش مستعدين ولادنا يتحملوا.

من شوي قلي ابني الصغير: بابا انا مش باقي هون بلبنان. بدي فلّ. ما في مستقبل بهالبلد.

بترجى كل المغتربين بكل العالم . بدنا نحضر حالنا لدعوى كبيرة نقدمها لمجلس الامن الدولي، لمحكمة لاهاي، ولكل اللي بيقدرو يقبعوهن ويكمشوهن ويرجعو المصريات، مصريات الشعب ومصريات الدولة. في ناس سرقت، وبلا ذكر اسماء، لأنو بيروُحوني وبيقتلوني بلحظة، وبينامو مرتاحين على مخديتن…

في ناس سرقت علناً، وبعدها عم تطلع على التلفزيون، وبتحكي بكل وقاحة…

بترجاكن، انا ميشال ابو سليمان ، بترجاكن تجمعوا بعضكن ، كل المغتربين بالعالم، وترفعوا دعوى، دعوى واحدة.. وشكراً.

هذا كان نص رسالة ميشال ابو سليمان الهامة والمعبرة. ليس لأنها صادرة عن انسان مفكر او سياسي هام، بل لأنها جاء من قلب مواطن حزين، فقد كل مشاعر الأمل باصلاح الوضع الشاذ في لبنان، ووصل الى حائط مسدود كمعظم الشعب اللبناني.

فهل فعلاً فقد اللبنانيون الامل وبلغوا حالة مرتفعة من اليأس؟ وهل من دلائل على ذلك؟

 الانتخابات النيابية وعدم المشاركة بها؟

ان اي مراقب يتوقف عند هذه الظاهرة. 53 بالمئة من المسجلين على لوائح الشطب لم يشاركوا في الانتخابات النيابية التي جرت بعد سنوات من المماطلة والتجديد والتمديد للبرلمان تحت شعارات ولأسباب وحجج مختلفة، فتارة لعدم الاتفاق على قانون انتخابات جديد، وطوراً بسبب الاوضاع الأمنية، واحياناً بسبب عدم التئام البرلمان، او لاسباب اقليمية ضاغطة …؟!

فنواب الأمة جددوا لأنفسهم مرتين واقروا زيادة على معاشاتهم، تلاؤماً مع غلاء المعيشة ومكافأة لهم للخدمات الجمّة التي قدموها للوطن والمواطن.

فامتناع 53 بالمئة من الناخبين في لبنان عن التصويت والمشاركة في الانتخابات هو اول دليل قاطع على عدم ثقة المواطنين ان المرشحين هم قادرون على «الاصلاح والتغيير» او مؤهلون لمحاربة الفساد ووضع حد لسرقة المال العام..!؟ هذا الامتناع، وان لم اكن اوافق عليه مبدئياً، لكنه باعتقاد مؤشر فاضح ان المواطنين في لبنان يئسوا من امكانية الاصلاح، ولم تتمكن الحملات الانتخابية العارمة واللعب على الوتر الطائفي او المذهبي، ونبش الماضي، من دفعهم الى اقلام الاقتراع والإدلاء بأصواتهم. فالانتخابات التي جرت، جددت لنفس الطبقة الحاكمة، رغم بعض الخروقات اللافتة هنا او هنالك.

انها اول عملية انتحار جماعي سياسي بسبب حالة اليأس العامة التي تطال كل المكونات الاجتماعية في مختلف المناطق. الا في بعض الحالات، حيث يسود مناخ عقائدي يذوب فيه الفرد من اجل اهداف اقليمية تتخطى الحدود.

كما يعبر الامتناع من التصويت ان معظم المواطنين لا يثقون بالعهد «الجديد والقوى» الذي وصل الى الحكم على خلفية «الاصلاح والتغيير…» ولو اقتنع المواطنون بهذه الشعارات لصوتوا لصالحه بكثافة غير معهودة. لكن يبدو ان الواقع الميداني والتاريخي يتناقض مع هذه الشعارات. ففضل 53 بالمئة من اللبنانيين البقاء في منازلهم يوم الانتخابات.

 نسبة الانتحار المرتفعة

في آخر احصاء غير رسمي صدر في 2018، سجل مئة حالة انتحار، اي مئة ضحية على مدى خمسة اشهر من العام الجاري، مقابل 143 حالة انتحار في عام 2017، وفق احصاءات قوى الامن، و144 حالة اخرى في 2014. وهاتان النسبتان هما الاعلي منذ 2009، حيث سجل 112 حالة انتحار.

في ايار الماضي وحده، سجلت 24 حالة انتحار تمت عن طريق اطلاق النار والشنق والسم او السقوط من طبقة عالية.

ورغم الارتباط بين الانتحار والامراض النفسية، لا يمكننا ان نتناسى ظاهرة الادمان على المخدرات، والظروف الاقتصادية الضاغطة في بيئة متطلبة، تحكم على الناس بناءً على المظاهر الخارجية والحالة المادية لديهم، وهذه ليست متوفرة لدى عامة المواطنين.

 فساد الدولة

لم يعد الإدعاء ان الدولة في لبنان، بجميع رموزها ومؤسساتها اصبحت وكراً للفساد، لدرجة ان المفاهيم السياسية اتخذت ابعاداً وتفاسير جديدة. فالمحاصصة التي يقصد من ورائها احترام حقوق الآخرين، تحولت الى محاصصة ومناصفة في توزيع السرقات والمغانم. كما اصبحت تعني في القاموس السياسي اللبناني: «اسرق ودع سواك يسرقً، «كول ودعنا نأكل».. خذ حصتك في الدوائر العليا ودع لنا حصتنا في المغانم، بعد ان تحولت الوزارات الى حقائب «اساسية» للسرقة، وخدماتية «لتوزيع المغام على المناصرين والازلام.

لذا يختلف السياسيون في لبنان عند تأليف الوزارات، «لأن الخلاف في الحقل افضل من القتال على البيدر».

بالطبع، في هذا المناخ السياسي تغيب الوطنية ويضيع الوطن ، وتتوقف المشاريع وتعطل الخدمات عندما يحتد الخلاف على السرقة… ألم يحدث هذا في معالجة النفايات؟ لقد اصبح لبنان، في نظر دول المحيطة بالبحر المتوسط «مزبلة المنطقة» كما تحول لبنان الى بقعة منتجة للتلوّث البيئي والأوبئة والامراض السرطانية لعامة الشعب.

فالشعب الذي لم يقتل او يهاجر خلال الحرب وبسبب تجويعه بعد الحرب، يجرى القضاء عليها ببطء، وتحت نظر السياسيين، لا بل باشرافهم ونتيجة للقرارات التي يتخذونها، واسلوب معالجتهم للأزمات المختلفة.

لذا احتل لبنان مرتبة 136 من اصل 176 وفقاً لمؤشرات الفساد فيه بعد ان تراجع من مرتبة 133، فيما احتلت الدانمارك ونيوزلندا المرتبة الاولى الأقل فساداً في العالم.

 البطالة

الحكومة والمؤسسات العامة التي لا تبالي بسلامة المواطنين وتحسين الطرقات والبنى التحتية ولا تهتم برفع النفايات والتعاطي معها ايجابياً عن طريق اعادة تدويرها او تحويلها الى طاقة منتجة للكهرباء، لا تبالي ايضاً بتعداد اللبنانيين العاطلين عن العمل. لذا يقدّر الخبراء ان نسبة العاطلين عن العمل في لبنان تتراوح بين 32 و60 بالمئة من اليد العاملة.

لذا دعا الأب طوني خضرا رئيس مؤسسة «لا بورا» للتوظيف الى اعلان حالة الطوارئ في البلاد، وعقد مؤتمر وطني لتدارك الخطر المحدّق بشباب لبنان من جراء ارتفاع نسبة البطالة الى 60 بالمئة، خاصة في اوساط اللبنانيين الذين تتراوح اعمارهم بين 23 و26 عاماً.

والمشكلة في نظره هي اعمق في ظل المنافسة الخطرة التي ولدتها العمالة السورية. وطالب بحل ازمة اللاجئين السوريين التي سببت انفجاراً في سوق العمل اللبناني. واشار ان نسبة البطالة في عام 2011 كانت بحدود 30 في المئة وارتفعت اليوم الى 60 في المئة.

واوضح خضرا انه في العام 2012 تخرج في لبنان 27 الف طالب جامعي، استوعب سوق العمل اللبناني 9 آلاف وظيفة، فيما هاجر حوالي 5 آلاف خريج الى دول الخليج، وبقي 13 الف شاب عاطل عن العمل.

هذا العام، تخرج 28 الف طالب، لم يستوعب السوق اللبناني سوى الاقلية الضئيلة، كما لم تستقبل دول الخليج العدد نفسه الذي استقبلته عام 2012، مما ادى الى ارتفاع نسبة البطالة اضعافاً.

وفي ظل غياب الدولة وتعطيل مؤسساتها وتوظيف الازلام والمحاسيب، حتى مَن يفتقرون الكفاءة، اصبح خريجو الجامعات على استعداد للعمل في اي قطاع او وظيفة بسبب تردي اوضاعهم المعيشية وانعدام فرص العمل. اضف الى ذلك الآلاف من المحسوبين الذين يتقاضون اجوراً مقابل وظائف لا يقومون بها، اليد العاملة السورية الرخيصة. وفي ظل الاجواء الاقتصادية الضاغطة يلجأ رجال الاعمال اللبنانيون واصحاب المؤسسات  التجارية والخدماتية الى توظيف العمال السوريين بأجور منخفضة، مما يزيد الطين بلة.

الحقيقة الثابتة، هو ان حسن التخطيط والمسؤولية وملاحقة الوقائع والمشاكل بغية معالجتها هي امور غائبة بعد ان تحولت الوزارات والادارات العامة الى وسائل وفرص سانحة للاثراء من اموال الدولة وعلى حساب المصلحة العامة.

فلبنان واللبنانيون يعانون اليوم ومنذ عقود من الفساد المنظم والسرقة المقننة بأسم القانون، كما يعانون من الاهمال الفاضح على مستوى الخدمات العامة والنفايات وتشويه الطبيعة بواسطة كسارات المحاسبين، وغياب المياه النظيفة ودفع الفواتير مكررة.

امور عديدة تدفع المواطن اللبناني الى اليأس. قلق واهمال وغياب القانون. غياب المساءلة والمحاسبة والاستخفاف بعقول وحياة المواطنين. اضف الى ذلك الاضطرابات في دول الجوار وانعكاساتها على الساحة اللبنانية، بعد ان ربط اللبنانيون مصيرهم بها، وحول السياسيون ازمات المنطقة مصدراً للإثراء وتحييد الداخل خدمة لمصالحهم. ولا نتناسى القدر الوافي من القلق الذي تسببه اسرائيل للوضع الداخلي. فالاجتياحات وحوادث 2006 والتعديات المتكررة على السيادة السورية، تحت اعين المجتمع الدولي، يجعلها تتصرف وكأنها الحاكم الوحيد في المنطقة، خاصة بعد ان اعلنت انها دولة عرقية قومية لليهود فقط. مما ينبئ بوقوع المزيد من الاضطرابات في لبنان والمنطقة.

كل هذه الامور التي لا يجد لها المواطن اللبناني علاجاً على المستوى الفردي او على مستوى الدولة، تدفعهم الى اليأس والتفتيش عن بلد بديل.

وعلى هذه الخلفية يمكن فهم النداء الذي وجهه مواطن لبناني عادي الى لبنانيي الانتشار، وهم ( اي المغتربون) باعتقادي الضحية الاولى التي دفعت ثمن فساد الطبقة السياسية في لبنان ودفعوا ثمناً غالياً ، وهو فقدان الوطن الذي يعيش في قلوبهم.

فهل يتجاوب لبنانيو الانتشار مع نداء ميشال ابو سليمان ويأتي خلاص لبنان على يد  المغتربين، بعد ان فقد اللبنانيون في لبنان كل امل في تغيير الاوضاع.

وهل سنشهد في الاغتراب ظهور مجموعة منقذة للبنان، الوطن الأم، بعد ان حوله السياسيون الى مزرعة والى مغارة علي بابا، باسم القانون والمحاصصة والاصلاح والتغيير؟