بقلم بيار سمعان

كيف ندرك اننا نعيش في عالم يسير نحو الانهيار لدرجة اننا نشعر في اعماقنا ان التحولات شديدة الخطورة على مستقبلنا كعائلات وبلدان وكشعوب؟

الجواب هو بسيط للغاية. فالعالم في خطر عندما لا يقبل اي سياسي او زعيم او رئيس دولة، خاصة في الدول المتحضرة، بحقيقة الامور وبغض النظر عن التطورات الخطيرة التي تجري حولنا وكأنها امور اعتيادية لا معنى ولا اهمية لها.

تتبعت ليل الجمعة الماضية المناظرة الثالثة بين تيرنبل وشورتن وقد اشرفت عليها وبثها مباشرة شركة فايسبوك في اختبار اولي لها في عالم البث المباشر.

لم اكن اتوقع برنامجاً سياسياً جديداً للزعيمن، فقد اصبحت طروحات كليهما معروفة لكثرة ما يرددان من وعود وتعهدات بانفاق المليارات هنا وهناك دون شرح مصدر هذه الاموال.

وباعتقادي اصبح معظم الشعب الاسترالي يدرك الفروقات السياسية بين الحزبين. فالإئتلاف يؤمن ان خلق اجواء مشجعة لرأسماليي وشركات البلد تحرّك العجلة الاقتصادية  وتخلق فرص عمل وترفع من الدخل العام وتساعد على ايجاد مناخ من الارتياح والاستقرار والازدهار.

اما حزب العمال فيميل اكثر الى انفاق الاموال على الطبقة الشعبية المستهلكة  التي تعيش قلق الضمانات الاجتماعية والطبابة والتعليم مع اهمال الامور الاخرى. لذا يستنتج من تجارب الماضي ان ميزانية حكومة الإئتلاف غالباً ما تنتهي بالفائض بينما لم يغادر العمال الحكم الا والبلاد في حالة عجز والمزيد من الديون الاضافية.. والتاريخ يشهد على ذلك.

اللافت في المناظرة هو كثرة الوعود وعرض كل حزب نفسه انه يمتلك الحلول السحرية لكل مشاكل الناس و موافقة كلا الزعيمين على الظهور وكأنه يحمل عصاً سحرية. وبدت المبالغات ظاهرة لدى الزعيمين وان كانت الفروقات تعكس بالواقع التموضع السياسي لكليهما.

باعتقادي ان الطروحات السياسية والمعالجات الاقتصادية ليست ذات اهمية حيال موضوع آخر سيكون له انعكاسات مستقبلية قد لا يرى العديد مدى تأثيرها السلبي الآن. واعني بذلك اعادة تحديد الزواج وتشريع زواج المثليين.

وعندما طرح السؤال على الزعيمين تعهد بيل شورتن ان العمال سيشرعون هذا الزواج بعد 100 يوم من وصولهم الى الحكم. ولم يتردد تيرنبل من الاعلان عن تأييده له بعكس طوني آبوت، لافتاً ان الإئتلاف سيطرح الموضوع على الاستفتاء العام عملاً بقرار سابق اتخذته حكومة آبوت ووافق عليه الإئتلاف. واوصى تيرنبل ان الشعب الاسترالي  سيوافق على تشريع زواج المثليين وكأنه يشجع على القبول به.

وقبل ان استعرض الانعكاسات السلبية لمثل هذه التشريعات، اود اولاً ان اذكر بحادثتين وقعتا الاسبوع الماضي. الاولى تتعلق بإلغاء تأشيرة دخول الشيخ فاروق ثقة الاشعار بسبب آرائه المتطرفة حول المثليين كما ذكرت وسائل الاعلام والمراجع المعنية والثانية تطال الشيخ شادي السليمان الذي شارك في عشاء الافطار الذي دعا اليه رئيس الوزراء تيرنبل، ثم كشف ان السليمان كان قد اعلن عن معارضته للمثليين وان عقابهم هو النار، حسب معتقده الديني.

يفهم من الحادثتين انه يمنع الانتقاد والتعبير بكامل الحرية عن مواضيع عديدة تطال الحريات الشخصية والمساواة. واذكر هنا عندما طالب رئيس الوزراء السابق طوني آبوت بتعديل البند 18 من قانون التمييز العنصري لكي يتمكن المواطنون من التعبير عن آرائهم بحرية دون ملاحقة القانون لهم. في ذلك الحين، لم يدرك الاستراليون بعمق اهمية هذه التعديلات. فطوني آبوت اراد ان يعيد حرية الرأي للمواطنين لكي يعبروا عن قناعاتهم الشخصية والدينية دون اية تبعات قانونية. لكن للأسف الشديد انبرت بعض المجموعات المتسرعة، ومنها بعض الجمعيات الاسلامية لتنتقد طوني آبوت وتشن حملات اعلامية ضده، دون ان يدرك هؤلاء حقيقة الخلفيات التي كان يسعى ان يقدمها للمواطنين، خاصة انه كان يعلم ان المجتمع الاسترالي كشعب ومؤسسات سيصل الى مرحلة يمنع فيها من ابداء رأيه بحرية ويعبر عن قناعاته وعقائده دون ملاحقة قانونية. وما جرى مع الشيخين شادي و فاروق هو اكبر دليل على صحة موقف آبوت. فالانتقادات والتدابير القانونية التي اتخذت الآن ما هي سوى مؤشر لما سيتم اعتماده في حال جرى اقرار قانون اعادة تحديد الزواج وقبول زواج المثليين.

فما هي النتائج السلبية لمثل هذه التشريعات؟

باعتقادي ان تشريع زواج المثليين هو مخالف للطبيعة وللشرائع الدينية والاخلاق وهو وسيلة مباشرة للحد من النسل والسعي الى خفض عدد السكان في العالم، وهذا ما تسعى اليه المجموعات التي تريد اقامة حكومة عالمية واحدة. فكل علاقة جنسية غير قادرة على الانجاب تساهم في الحدّ من النسل.

فما هي النتائج التي سيؤدي اليها اقرار زواج المثليين؟

لا شك ان تعديل قانون الزواج وقبول زواج المثليين على انه طبيعي ويؤلف عائلة بالمفهوم الجديد سوف يؤدي الى تغيير جذري في الفلسفة الاجتماعية والمناهج التعليمية واللغة المستخدمة والى فرض تعديلات قانونية جديدة لالزام المواطنين على قبول التغييرات الجديدة التي تضرب مؤسسة عمرها من عمر الانسان. وتشريعات تعود الى آدم وحواء والى رواية الخلق نفسها.

ومن اهم التعديلات المتوقعة:

– اعادة النظر في القوانين العامة وتعديل المزيد من البنود التي ستحد من حرية المعارضة والنقد والخيار تحت مظلة حماية القانون واحترام مشاعر الاقليات.

– الحد من صلاحيات الاهل وتوسيع الفجوة بين الاطفال وذويهم وبالتالي مكافحة امكانية نقل العقائد الايمانية بطريقة صحيحة خوفاً من التطرف او الاساءة الى الآخرين.

– فرض مناهج تعليمية جديدة وقد بدأت الآن تحت شعار «المدارس الآمنة» التي توفر مناخاً صالحاً للشاذين جنسياً والمثليين وذوي الميول المزدوجة (للجنسين) وغيرها. وفرض اعادة تأهيل الأكثرية لتتلاءم مع ميول الاقلية الضئيلة. فالمطلوب بالواقع هو تطبيع المفاهيم الجديدة وتثقيف الاجيال الجديدة على قبول زواج المثليين واية اختلافات جنسية طارئة مهما كانت . وسيرافق فرض هذه المناهج تهديد المدارس بقطع المعونات المدرسية في حال رفضت الالتزام بها وتدريسها.

– الزام رجال الدين في مرحلة لاحقة على عقد زواج المثليين في دور العبادة باسم حرية الاختيار وعدم التمييز العنصري. وهذا سيؤدي حتماً الى موجة من الملاحقات القانونية لرجال الدين الذين يعارضون مثل هذه الاجراءات لاسباب عقائدية ايمانية. وستشهد المجتمعات الغربية موجة من الاضطهاد الديني المنظم باسم القوانين المعتمدة.. انه عصر الالحاد في مواجهعة الايمان بالله وبشرائعه…

– انقسام المجتمعات بين مؤمن ملتزم وملحد عصري، بين الالتزام بوصايا الله او القبول بطروحات ونظام «المسيح الدجال» والشر الذي يسعى الى التحكم بالعالم.

– الدول المحافظة سوف توصف بالتخلف وعدم التطور ومحاربة العصرنة، فتخلق فيها كل انواع المشاكل السياسية والاقتصادية والحروب لتطويعها. وطالما ان الهدف هو خفض عدد سكان العالم، فكل التدابير تصبح مقبولة وتدخل ضمن هذه المنهجية.

– من المتوقع، بعد تشريع زواج المثليين، ان تطالب مجموعات اخرى بتشريع ميولهم الجنسية، مثل عشق الاطفال، بحجة ان ميولهم تولد معهم ولا تكتسب بالخبرة، وتعدّد الازواج، بحجة ان اية علاقة جنسية تقوم على التراضي وموافقة الشريك قد تشمل اكثر من شريك زوجي، طالما الافراد هم موافقون على ذلك ومقتنعون وراضون بوجود اكثر من شريك واحد. واللائحة لا تنتهي..

ان الانتخابات التي ستجرى في 2 تموز المقبل لن تحدّد فقط من سيحكم البلاد وحجم المساعدات والاعانات العائلية التي يحصل عليها المواطن. انها عملية اختيار لأي مجتمع نريد. فالعمال واضحون في طروحاتهم بالنسبة لزواج المثليين والإئتلاف، رغم موافقة تيرنبل لا يزال يتمسك بوحدة العائلة والزواج التقليدي الذي سيقرر خلال الاستفتاء العام.

فعلى الناخبين الشرق اوسطيين بالدرجة الاولى والذين يؤمنون بالإله الواحد وبأهمية العائلة والاخلاق ان يحددوا خياراتهم في 2 تموز ويحسنوا الاختيار  والا فستكون قصة الشيخين شادي وفاروق بداية جديدة للاضطهاد الديني المشرّع والذي يحميه القانون.

آمل ان يعي الناس خطورة هذه المرحلة والا يرتكبوا نفس الخطأ عندما اراد طوني آبوت تعديل نظام التمييز العنصري. الآن نحن نواجه تعديلاً كاملاً وخطيراً للنظام الاجتماعي برمته. فمن له اذنان سامعتان فليسمع.

pierre@eltelegraph.com