بقلم بيار سمعان
يعتبر تمويل المدارس عملية معقدة غالباً ما تثير الجدل، لأنه يساء فهمها الى حدّ كبير. وكانت حكومة مالكولم تيرنبل قد دخلت في حالة من النزاع مع المدارس الكاثوليكية، بسبب الخلاف حول المعايير المعتمدة لتمويلها.
ويجهل معظم الناس ان متوسط تكلفة التعليم المدرسي في استراليا تبلغ حوالي 13 الف دولار سنوياً لكل طالب، حسب المعايير المعتمدة من قبل الحكومة والمبنية على حسابات بيانات المدارس.
ولو طلب من الاهالي تسديد هذه المبالغ بالكامل ستكون عندئذ تكلفة التعليم ضخمة، وقد يعجز الاهالي عن تسديدها، خاصة اذا كان لديهم طفلين او اكثر.
لذا ترى الحكومة نفسها ملزمة بتوفير العلم لأبناء البلاد، ومساعدة دافعي الضرائب على ضمان هذا التعليم. اذ يعتبر الاستثمار في القطاع التربوي من اهم الاستثمارات الاساسية التي تساعد الاقتصاد العام في اي نظام ديمقراطي. وتعد العمال ومسؤولين الاداريين في مختلف القطاعات الانتاجية والادارية والسياسية.

لذا تتعاون الحكومات الفيدرالية والولايات على مساعدة المدارس بنسب مختلفة.وتشمل هذه المساعدات المدارس المستقلة والحكومية والكاثوليكية.
وتوفر الحكومات كامل التمويل للطلاب في المدارس الحكومية. ولا فرق ان كان الطلاب من عائلات فقيرة او ثرية. فالتمويل يشمل الجميع.
ولا فرق ان كان الطالب يعيش في موسمان او ماونت درويت على سبيل المثال. فالحكومة توفر التمويل الكامل له، عند الدراسة في مدرسة حكومية.
في الواقع الحكومة لا تنفق اية اموال من خزينتها بل هي تدير الاموال التي تجمعها من دافعي الضرائب، اذ يذهب قسم منها للتعليم على اشكاله.
لذا التغييرات السياسية او انتقال السلطة من حزب الى آخر لن يؤثرا على تمويل المدارس الحكومية، لأنه مهما اختلفت السياسات، تجد اية حكومة نفسها ملزمة بتوفير المساعدات للمدارس وضمان اجور المدرسين والموظفين وتغطية سائر الأعباء الاداري او اللوجستية.
لكن الأمر يختلف بالنسبة للمدارس غير الحكومية.

 اصلاح غونسكي

تهدف توصيات غونسكي الى’ اصلاح تمويل التعليم بناءً على احتياجات كل طالب للحصول على نفس القدر من التمويل، مع زيادة رصيد اضافي لأولئك الذين يحتاجون الى المزيد من المساعدات، اذ كانت مادية او تعليمية.

 كيف سيتم تنفيذ هذه الخطة؟

جميع المدارس غير الحكومية، باستثناء المدارس المعوزة او المحرومة، جرى خفض تمويلها الحكومي، وفقاً لاختبار مستوى دخل الوالدين ولمستوى معيشة العائلة.
وعملاً بهذا القانون، فإن المدارس غير الحكومية التي توفر التعليم لاطفال من مناطق ثرية يتلقون تمويلاً حكومياً ادنى من المدارس في المناطق ذات الدخل المنخفض، قياساً بمستوى الدخل العائلي.

 التمويل الصحيح
تتناول ترتيبات التمويل الجديدة التي اعلن عنها يوم الخميس الماضي حجم وتوزيع التمويل للأقلية من المدارس غير الحكومية.
هذا التمويل الذي اقرته حكومة سكوت موريسون لن يؤثر على تمويل المدارس الحكومية، لأن الآباء الذين يرسلون اطفالهم الى المدارس الحكومية لا يتم تقييم دخلهم العائلي لقياس حجم التمويل.
لذا ستحتفظ جميع المدارس الحكومية بتمويلها الكامل من قبل دافعي الضرائب، بغض النظر عن ثروة الاهالي او المستوى المعيشي للعائلة، او على العكس وضعها المتردي اقتصادياً.
فهل تحتاج الاصوات التي تطالب بالمساواة بين المدارس الى فرض نمط واحد في المعاملة في جميع المدارس؟
وهل يطالب المعترضون على سياسة التمويل الى اعتماد نفس المقاييس في المدارس الحكومية اسوة بالمدارس الخاصة والكاثوليكية وتمويل جميع المدارس بناءً على مقياس الدخل العائلي؟ أليست هذه هي العدالة والمساواة في المعاملة؟
في ولاية نيو ساوث ويلز، تمكنت 2200 مدرسة حكومية خلال عام 2016 من جمع 450 مليون دولار من دخلها الخاص. كما جمعت خمسون من هذه المدارس ما يقارب 100 مليون دولار مجتمعة، غير ان هذه المدارس هي غير مرغمة على مشاركتها اية مدرسة اخرى لهذه الاموال الاضافية والخاصة، على عكس المدارس الكاثوليكية التي تجمع ثم تعيد توزيع الاموال ومداخيل الرسوم حسب حاجة كل مدرسة.

 اعلان موريسون مبني على توصيات غونسكي

بعد اعلان سكوت موريسون عن خطة تمويل المدارس الكاثوليكية والخاصة، ارتفعت بعض الاصوات المطالبة بخفض تمويل هذه المدارس بناءً على مراجعة توصيات غونسكي لعام 2011.
لكن يبدو ان هؤلاء لا يدركون ان اعلان الحكومة عن خطة التمويل، كما جرى نهار الخميس الماضي، استند الى توصيات اساسية من تقرير غونسكي الذي دعا الى مراجعة النظام التعليمي للمدارس المحتاجة التي تقيّم قدرة الاهالي في المدارس غير الحكومية على المساهمة في تسديد الاقساط المدرسية. هذا التقييم يحدّد بالتالي حجم التمويل الحكومي لهذه المدارس.
وقد شعرت اللجنة التي اعدت توصيات غونسكي انه من غير المنصف للعائلات التي ترسل ابناءها الى مدارس غير حكومية ألا تحصل على رسوم مدرسية مخفضة.
وبعد الكثير من الممانعة، طلبت الحكومة الفيدرالية من الهيئة الوطنية لموارد المدارس اجراء مراجعة منهجية لنظام التعليم للمدارس ذات الحاجات الخاصة. فجاءت النتائج لتدعم ما كان يقوله قطاع التعليم الكاثوليكي منذ سنوات. فالمنهجية كانت معيبة اذ كانت المدارس ذات الرسوم العالية تحصل على المزيد من التمويل مقارنة مع المدارس التي تفرض رسوماً اقل بكثير.
لذا جاء اعلان نهار الخميس ليصحّح هذا الخلل في تمويل المدارس الكاثوليكية ويعيد التوازن النسبي بين المدارس.

 القطاع الكاثوليكي يدعم القطاع العام

ستقدم الحكومة الآن صيغة جديدة لاختبار وتحديد مستوى الدخل للوالدين، على ان يجري اعتماده انطلاقاً من عام 2020، استناداً الى بيانات ضريبة الدخل الشخصية.
ويجب ان نتذكر ان المدارس ذات الرسوم المدرسية العالية ستحصل على تمويل اقل من المدارس المنخفضة الرسوم. هذه ستتلقى تمويلاً اضافياً يصل الى 600 دولار سنوياً لكل طالب.
واصبح عرفاً ان المدارس الكاثوليكية تعتبر انها اساس النظام التعليمي في استراليا. وتوفر هذه المدارس التعليم لثلثي الطلاب في استراليا، بما في ذلك حوالي 40 بالمئة من الطلاب من اسر كاثوليكية.
ويضم قطاعا التعليم الكاثوليكي المدرسي والجامعي، مؤسسات تربوية عالية الجودة مع معلمين متخصصين يمتلكون مؤهلات عالية.
ومع ذلك، فان النقاش حول التمويل المدرسي لا يساعده الجدل العاطفي حول افضلية كل قطاع (حكومي او خاص)، والتساؤل من منهما يوفر التعليم للمزيد من الاطفال من الأسر المعوزة او المحرومة؟
وفي حين ينبغي اخذ الحرمان بعين الاعتبار، يجب الا نتناسى العوامل الاخرى التي تساهم في تحديد مستوى التمويل. فكل صف يحتاج الى مدرسين يجب على جميع المدارس من مختلف الفئات الاجتماعية، ان توفر لهم اجورهم، اضف الى ذلك تكاليف ادارة ودعم وصيانة كل مدرسة على حدة.

 اهالي الطلاب الكاثوليك يدفعون الضرائب ايضاً

يزعم البعض ان الحكومة هي غير ملزمة بتمويل نشاطات المدارس غير الحكومية. لكن يبدو ان هؤلاء يتجاهلون عمداً او غباءً ان الحكومات توفر التمويل للأطباء والاخصائيين بواسطة ميديكير، ومساعدات للأدوية والعقاقير الطبية، كما تتعهد برعاية كبار السن وخدمات النقل العام.
ان اهالي الطلبة الكاثوليك هم ايضاً يدفعون الضرائب، ومن العدل ان تساهم ضرائبهم في تعليم اطفالهم كما يحدث في المدارس الحكومية ويروج البعض ان المدارس الخاصة تحرم التمويل للمدارس الحكومية.
بالواقع ان تمويل المدارس الحكومية يرتفع سنوياً تماشياً مع الرسوم وغلاء المعيشة وامور اخرى. كما ترفع الحكومة تمويلها لجميع المدارس بشكل عام، وهذا يشمل المدارس الحكومية ايضاً.
اذا توقفت الحكومة عن تمويل المدارس الخاصة، سوف ترغم هذه المؤسسات التعليمية على رفع رسومها، مما يدفع العديد من الأهالي الى نقل اطفالهم الى المدارس الحكومية في نفس الضاحية التي يقيمون فيها، وهي غير قادرة على استيعاب المزيد من الطلاب لأسباب وعوامل تقنية وعملية. وهذا سيرغم المدارس الخاصة على اقفال ابوابها على المدى البعيد، ويحول دون ان تتمكن المدارس الحكومية من استيعاب الطلاب، مما يؤثر على مستوى التعليم لديها. وبالتالي على المستوى الثقافي في استراليا وعلى النمو الاقتصادي لاحقاً.
اضف الى ذلك ان وقف تمويل المدارس الخاصة سوف يحرم الاهالي من حرية اختيار المدرسة التي يريدونها لأبنائهم. ولن يثمر ذلك نتيجة صالحة للمجتمع.
وهذا يوفر سبباً ملزماً لدعم كلا الحزبين (العمال والاحرار) للمدارس غير الحكومية.
لقد احسن سكوت موريسون بقراره تمويل المدارس الكاثوليكية والخاصة كما اعلن الخميس الماضي، عملاً بتوصيات غونسكي واعترافاً بأهمية المدارس الكاثوليكية ودورها الفاعل والمميّز على المستوى الاجتماعي العام.