ابراهيم الزعبي
عام 1966 شاهدت الفيلم اللبناني بياع الخواتم و كنت في الرابعة عشرة من عمري، وكان قد مضى على عرض الفيلم حوالي السنتين في مختلف دور العرض اللبنانية، وكانت الصحافة ووسائل الاعلام في ذلك الزمن تتحدث عن الفيلم بكثير من المديح والاطراء، وكنت يومها من محبي الافلام وعشاق السينما بالرغم من تربيتي الاسلامية ونشأتي في بيت ربه يكره السينما ويحاربها ويعتبرها مضيعة للوقت تبعد المسلم عن اداء فروضه وتعلم دينه .
كان بيتنا في منطقة تدعى باب الرمل وهي من المناطق الفقيرة نسبيا في مدينة طرابلس اللبنانيه وكانت سينما الشرق قريبة من منزلنا وكنت مع رفاقي من ابناء الحارة نتردد عليها بكثرة اي حوالي مرتين بالاسبوع حيث كانت الافلام التي تعرض فيها تتغير كل يومين تقريبا ومعظمها كانت اما افلام ويسترن كاوبوي او افلام هرقل وماجستي أوافلام القراصنة . وعندما كنا نريد المخاطره والابتعاد قليلا عن منازلنا كنا نقصد سينما النجمة او سينما الكواكب القريبتين نسبياً فقط من اجل تغيير الجو او ربما لحضور فيلم جميل جداً .
هذه الكثرة من مشاهدة الافلام وهذا الزخم من التردد على هذه السينمات اوجد لديّ عشقاٌ للسينما وعلماً عن عالم الفن، فقد حفظت الكثير من الاسماء السينمائية اللامعة والابطال الكبار بالاضافة الى اكتسابي خصوبة الخيال وشدة الملاحظة. ونعود الى فيلم بياع الخواتم، فقد ذهبت لمشاهدته ودمي على كفي إذ ولأول مرة ساشاهد فيلما يعرض في سينما خارج حدود الحارة وهي الحدود المسموح لي بالابتعاد عنها وهي المرة الاولى التي سأشاهد فيها فيلما لبنانيا حيث جرت العادة ان تكون الافلام المصريه هي السائدة الطاغية على كل صالات العرض في ذلك الزمان بلا منازع ولاول مرة سيكون ابطال الفيلم من البسطاء ، وكانت الصور المعروضة لهم خارج الصالة صور لا تجذب المشاهد، فالبطل رجل يرتدي الشروال والطربوش الاحمر هو نصري شمس الدين والبطلة امراه ترتدي ثياب قروية هي فيروز وهذا امر لا يدفع من هم في مثل سني على مشاهدة هكذا افلام.
المهم دخلت وخاطرت بثمن دخول السينما وهو مبلغ ضخم بالنسبة لي في ذلك الحين 85 قرشا لبنانيا ولكن لم اندم ابدا ، فقدعشت الفيلم بكل لحظاته وخلجاته واستمتعت بكل ثانية ودقيقة وخرجت والسرور يملأ عقلي وقلبي وبدأت من يومها اتابع فيروز والفن اللبناني وحفظت الكثير من اغاني ومشاهد ذلك الفيلم وما زلت وحتى اللحظة اعتبر فيلم بياع الخواتم واحداً من اعظم الافلام العربية اللبنانية على الاطلاق. فقد جمع الفن الراقي قصةً وتمثيلاً وغناءً وموسيقى ،وانصح الجيل الجديد بحضور هذا الفيلم ولن تندموا ابدا رغم مرور اكثر من خمس وخمسين سنة على انتاجه .علكم تبتعدون عن الجو المميت الذي يعيشه لبنان اليوم وتتذكروا كيف كانت روائع الايام .
Recent Comments