تصريح ترامب الأخير حول مرتفعات الجولان السوريّة يأتي في قمّة سلسلة من القرارات التي تكشف صراحة على أنّ الولايات المتحدة الأميركيّة مرهونة لإسرائيل، الدولة الإرهابيّة، التي ترعاها أميركا.
من المؤسف حقّاً أنّ الولايات المتحدة الأميركيّة لا يمكن أنْ تكون “قائدة العالم الحرّ” كما يتبجّحون. كيف يكون ذلك وهي لا تستطيع أنْ تكون سيّدة نفسها؟
من المؤسف حقّاً أنّ قِيم الحرب عوضاً عن قيم السلام هي التي ما زالت تحظى بالتشجيع. هذا يعني أنّ الوسيلة الوحيدة للشعوب والأوطان في أنْ تحمي نفسها هي الكفاح المسلح، يعني الحرب. وهذا يعني أيضاً أنّه من القياس بمكيالين أنْ يتمّ تصنيف حزب الله مثلاً على أنّه إرهابيّ، مع أنّه لا مجال له سوى الخضوع التام لمشيئة إسرائيل وأعوانها، أو المقاومة كحل وحيد لمواجهة أطماع وعدوان إسرائيل، بعد استنفاذ كلّ مسالك السلام العادل مع دولة عنصريّة تعيش على الحرب وتخاف من السلام.
من المؤسف حقّاً أن تكون ردود العالم على الموقف الأميركي “خجولة” في أحسن أحوالها، وجبانة من قبل كثير من العرب. وهذا ما دعى السيّد حسن نصر الله أنْ يناشد القمة العربيّة في تونس “سحب المبادرة العربيّة للسلام” كأضعف الإيمان، مع تأكيده على أنّها مبادرة أصبحت في خبر كان. ولكنّه يشتهي موقفاً مشرّفاً واحداً من هؤلاء العرب.
من المؤسف حقّاً، ومن سوء التوقيت، وغير المناسب أنْ يستمر بعضهم، ومنهم أصدقاء أعزّاء، بنفخ أبواقهم التهكّمية بعبارات مثل: “ليس مهمّاً أنْ يذهب الجولان أو أنْ تذهب القدس. المهم أن يبقى رئيسنا إلى الأبد…”، في غمزة واضحة إلى الرئيس السوريّ. هؤلاء يغفلون عن شموليّة الواقع المسيطر على المنطقة منذ غزو العراق. وهم يعلمون جيّداً أنّي لا أتقبّل أيّ حكم تعسفيّ أو دولة دينيّة. نحن في مرحلة أهمّ أولوياتها إنقاذ ما تبقّى من الوطن والكرامة.
في حديث للرئيس الراحل حافظ الأسد قال، ما معناه، إنّ الأرض يمكن أنْ تستعاد إذا سلبت. أما الإرادة يصعب استرجاعها إنْ فقدت. وسواء أحببناه أم لا، وسواء قبلنا بحكمه أم لا، لا بدّ من تقدير أنّ التحالف الاستراتيجيّ الذي أسّس له، بين إيران وسوريا وحزب الله، أثبت أهميّته وفعاليّته على أنّه الجبهة الوحيدة التي لا زالت صامدة، وهو ما قد ساعد على إنقاذ سوريا من مزيد من الدمار والتفكّك. طبعاً سيقول البعض إنّ هذا ما ساعد في بقاء النظام في الحكم. هذا تحصيل حاصل، وكون البلاد بحاجة لإصلاح سياسيّ أمر يمكن تداركه في وقته المناسب. وحسب تطورات الأمور خلال السنين الماضية منذ اندلاع الأزمة السوريّة، بات جليّاً أنّه حتّى لو كان نظام اسكندنافيا الديمقراطيّ مطبّقاً في سوريا، لوجد الصهاينة ألف طريقة ومليون عميل، واستمرّوا بركوب وكالة الاستخبارات الأميركيّة كأفضل بغل مطيع لتدمير سوريا وترحيل أهلها، خصوصاً المسيحيين منهم، ولاقتطاع ما أمكن من أراضيها كما يحصل الآن.
من المؤسف حقّاً أنّ إسرائيل، بدعم كبير من الولايات المتحدة الأميركيّة، قد استخدمت إيران كفزّاعة لاستغلال دول النفط العربيّة وتأمين دعمهم في التطبيع معها والتنازل عن القضيّة الفلسطينيّة. ومن المؤسف أنّ هذه الدول وقعت في هذا الفخّ المضلل، عوضاً عن أنْ تدرك أنّها باحترامها لإيران ومعاملتها كشريك في المنطقة لأمكن حلّ كثير من المشاكل. الشيء ذاته ينطبق على نظرة الولايات المتحدة لإيران وروسيا. فعوضاً عن تكريس الاحترام المتبادل، تمارس الولايات المتحدة منهجاً استعلائيّاً، مع أنّ إنقاذ كوكب الأرض كلّه يحتاج، دون مبالغة، إلى تضافر الجهود كلّها لحلّ مشاكل اجتماعيّة وبيئيّة أصبحت غاية في الخطورة.
من المؤسف حقّاً أنّه لا جديد في ما سلف، ولكنّه الآن يظهر دون أقنعة. ترامب ليس أشد سوءاّ ممن سبقه، بما في ذلك أوباما. المشكلة مشكلة نظام يدّعي العدالة والديمقراطيّة ولكنّه مرتهن للإرادة الصهيونيّة القائمة على السيطرة والتمييز والنهب وإلغاء الآخر، وكلّ ما ينافي الأسس التي قامت عليها الولايات المتحدّة الأميركيّة.
من المؤسف حقاً أنّ الشعب الأميركيّ العظيم، الذي قدّم خدمات جليلة للبشرية، محكوم من دولة خارجيّة تتلقّى تعليماتها من عصابة ضالّة تريد السيطرة على العالم وإخضاعه. لكنّنا نرى الآن تزايداً في جرأة بعض الأميركيين الذين يجهرون بمأساة السيطرة الإسرائيليّة على الولايات المتحدة. كما نرى كثير من المستنيرين الإسرائليين واليهود يشذبون أعمال إسرائيل علناً.
من المؤسف حقّاً أنّ البعض لا زال ينشغل بمعضلة بقاء رئيس أو الإطاحة به كشأن على رأس القائمة. سيذهب ترامب ولن يتغير شيء في السياسة الأميركيّة. وهذا بالفعل ديمقراطيّة. وأزيلَ واحد من أعتى طغاة العرب في العراق، فتدمّر العراق ويعتقدون أنّه تحول إلى الديمقراطيّة.
أعطني سوريا سليمة معافاة أوّلاً، ولنتحدّث بعدها عن الديمقراطيّة، وعن من يجب أنْ يُحاكم، ومن يجب أنْ يَحْكُم. ويا حماس أرجعي إليّ فلسطين، وبعدها أناقش أنّني لا أحبذ قيام أيّ نظام دينيّ. ويا أميركا توّقفي عن دعم آل سعود وإسرائيل، وبعدها قد أتغنّى بما لديك من ديمقراطيّة. واللائحة تطول.
Recent Comments