بقلم / بيار سمعان

منذ ايام صوّت البريطانيون لصالح الخروج من الاتحاد الاوروبي. وهذا يعني ان القادة الاوروبيين والحكومة البريطانية سيبدأون مفاوضات حول شروط وعمليات رحيل بريطانيا، عملاً بالقوانين المعتمدة. خاصة المادة 50 من معاهدة الاتحاد الاوروبي والتي تنص على ضرورة ابلاغ الاتحاد بالرغبة بالخروج منه والتفاهم حول كيفية الخروج مع الدولة المعنية.

لا يختلف اثنان ان خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي سيؤثر على اقتصادها وسياسة الهجرة لديها وعلى امور عديدة اخرى. فما هي التغيرات التي يمكن توقعها في الاشهر والسنوات المقبلة??  يجب الاشارة اولاً ان التصويت على الانسحاب لا يعني ان بريطانيا اصبحت خارج الاتحاد الاوروبي، اذ يجب على الحكومة ان تعود الى المادة 50 من قانون الاتحاد خلال مهلة سنتين والتفاوض مع المجلس الاوروبي  حول كيفية الانسحاب من المعاهدات المشتركة.

فالاستفتاء يمكن تجاوزه من قبل الحكومة البريطانية ولكن لا يجرؤ اي حزب على الوقوف ضد الرأي العام، لأن ذلك يصبح انتحاراً سياسياً.

لكن في افضل الحالات يمكن لبريطانيا ان تعالج مسألة بقاءها  في السوق الاوروبية دون البقاء في الاتحاد الاوروبي وهذا يفرض شروطاً اضافية لتفعيل عضويتها فيه كأي بلد آخر، وهذه هي حال النروج. فهي عضو في السوق وليس في الاتحاد.

<استقالة ديفيد كاميرون

اول نتائج قرار الخروج من الاتحاد الاوروبي هي تقديم رئيس الحكومة ديفيد كاميرون استقالته من منصبه. وهو كان من انصار بقاء  بريطانيا  داخل الاتحاد وعمل للترويج لهذا الموقف.

وبعد استفتاء نهار الخميس قرر كاميرون تقديم استقالته كما تعهد، ومن المحتمل ان يحل مكانه بوريس جونسون وهو عضو في حزب المحافظين ورئيس بلدية لندن السابق  ومن انصار الخروج من الاتحاد الاوروبي.

< المشاكل الاقتصادية لبريطانيا.

ونظراً للغموض في نوع العلاقات بين بريطانيا والاتحاد الاوروبي، فقد شهدت بورصة لندن هبوطاً في اسعار الاسهم وانخفاضاً في قيمة الليرة الاسترلينية بقيمة 9 بالمئة حتى الآن.

ومن المتوقع ان تشهد العلاقات التجارية بين اوروبا وبريطانيا تراجعاً لافتاً، اولاً نتيجة للعودة الى النظام التجاري السابق وفرض ضرائب اضافية علىالمواد المستوردة من بريطانيا، وثانياً نظراً لعدم رضى معظم دول الاتحاد الاوروبي عن الموقف البريطاني المسيء  الى الوحدة الاوروبية. وهذه الامور قد تدفع بريطانيا الى ازمة اقتصادية خانقة.

ومع خروج كاميرون واستبداله برئيس وزراء  يؤيد الانفصال عن اوروبا، يتوقع الخبراء ان المستقبل سيشهد تراجعاً ملحوظاً في العلاقات الاوروبية البريطانية، كما لا يستبعد ان تكون ردة الفعل الاوروبية متشددة وبمثابة عقاب لبريطانيا  لتوجيه رسائل غير مباشرة الى دول اخرى تفكر بالانفصال عن الاتحاد. فالعقاب هو افضل وسيلة للردع في مثل هذه الحالات.

وفي اسوأ الاحوال قد يرفض الاتحاد  الاوروبي منح بريطانيا نفس التسهيلات التي تتمتع بها النروج. فالخروج من الاتحاد يعني على المستوى العملي ان بريطانيا لن تتمكن مستقبلاً من بيع منتجاتها في اي بلد عضو في الاتحاد الاوروبي. وهي بالمقابل غير قادرة على تصدير منتجاتها الى الولايات المتحدة اذ لا حاجة اليها في السوق الاميركية. اضف الى ذلك الشروط التي سيطالب بها الاتحاد الاوروبي والمعايير الجديدة التي سيفرضها عليها بالاضافة الى التعرفة الجديدة.

ويتوقع الخبراء ان يتراجع  الدخل العام على المواد المستوردة منها في بريطانيا ما بين 3،8 و7،5  بالمئة، وهذا يتوقف على مدى السماح للمنتجات البريطانية ان تباع في الاسواق الاوروبية.

< الخروج من اوروبا والهجرة الى بريطانيا

دعم العديد من السياسيين البريطانيين الانفصال عن الاتحاد الاوروبي بسبب عامل الهجرة، اذ ان اهم مقررات الاتحاد المثيرة للجدل هو مبدأ حرية التنقل بين الدول الاعضاء. فاصبح كل مواطن او سائح او مهاجر او لاجئ قادراً على الانتقال من بلد الى آخر دون قيد وشرط . وخلق هذا القانون ازمة تتعلق بمبدأ الاستقلالية وحماية الحدود ضمن الاتحاد الاوروبي. وفتح هذا القرار حرية الانتقال والاقامة والعمل في اي بلد يختاره. وهذا سيف ذو حدين، اذ استفاد البريطانيون منه كما دفعوا ثمناً غالياً بسببه.

ويقيم اليوم في اوروبا 1،2 مليون بريطاني فيما انتقل حوالي 3،2 مليون اوروبي للاقامة والعمل في بريطانيا، بالاضافة الى موجة من المهاجرين  واللاجئين الاجانب الذين لزمهم فقط عبور نفق بحر المونش وابرام القليل من الوثائق.

خروج بريطانيا من الاتحاد سوف ينعكس سلباً على هذا الواقع. وليس مستبعداً ان تقوم المملكة المتحدة بمناقشة تدابير جديدة مع الاتحاد الاوروبي ضمن شروط جديدة.

< خطر تفكك المملكة المتحدة

اما الانعكاسات السلبية الاخرى فقط تكون وحدة المملكة المتحدة المؤلفة من 4 دول هي انكلترا، ويلز، سكوتلندا وشمال ايرلندا. ويخشى ان يؤدي خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي الى تفكك المملكة المتحدة، اذ ان سكوتلندا تؤيد بقاءها ضمن الاتحاد بأغلبية 62 بالمئة مقابل 38 بالمئة من سكانها مع قرار الخروج. هذا بالاضافة الى العلاقات المتوترة بين سكوتلندا  وبريطانيا، اذ ايّد 44 بالمئة من سكانها قرار الانفصال عن بريطانيا في استفتاء جرى سنة 2014. فالانتمناء الى الاتحادالاوروبي يوفر غطاءً معنوياً بديلاً عن بريطانيا وداعماً لمواجهتها والانفصال عنها في حال قرر السكوتلنديون السير به، فخروج بريطانيا سوف يؤدي بالتالي الى دعم القيادات المطالبة بالانفصال عن بريطانيا.

اما شمال ايرلندا فأيد 56 بالمئة من سكانها قرار البقاء في الاتحاد الاوروبي مع خلفيات سياسية تقارب الموقف السكوتلندي. ومن المحتمل ان يطالب سكان الشمال بالاستقلال  عن بريطانيا والانضمام الى الجنوب واقامة دولة ايرلندا المتحدة.

ان عواقب خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي سوف تكون وخيمة دون شك. فالنظام الاقتصادي  والقانوني في بريطانيا هما متكاملان مع الاقتصاد والقانون الاوروبي الى حد بعيد.

اما من الجانب الآخر فيعتقد انصار الخروج ان بريطانيا ستصبح في حال افضل على المدى البعيد. اذ انها ستصبح قادرة على الامساك بمبدأ السيادة الكاملة والسيطرة على الهجرة واللجوء والعودة الى التحكّم بالاقتصاد والنظام الداخلي. ويرى هؤلاء ان مخاطر البقاء داخل الاتحاد هي اكثر من مخاطر الانفصال عنه.

اوروبا  التي اقام اتحادها  لاسباب اقتصادية وسياسية ولمنع الحروب على ارضها من خلال توحيد القرار السياسي تواجه بدورها مصيراً غامضاً. فالانفتاح الاوروبي وفتح الحدود كان ايجابياً بشكل عام لكنه تسبب بخلق مشاكل عديدة لم يكن الاوروبيون يتوقعونها، مما احيا مجددا المشاعر الوطنية والقومية لدى سكان كل دولة على حدة.

في مثل هذا الوقت من العام الماضي كتبت حلقتين عن المخاطر التي تهدد وحدة اوروبا. فهل سيؤدي خروج بريطانيا الى ردود فعل سلبية تدفع دولاً اخرى الى حذو حذوها. لقد هدّد اليونانيون بالانفصال لكنهم تلقوا تحذيرات جدية، خاصة من المانيا وما هو مصير اسبانيا ودول اخرى تعاني من أزمات مالية واجتماعية؟. فأي مصير ينتظر الاتحاد الاوروبي وما هو بالتالي مستقبل بريطانيا التي اصبحت تغرد منفردة. فهي اصبحت خارج اوروبا، ولا  يمكنها الانضمام الى اتحاد اميركي لاسباب اقتصادية وجغرافية.

وكيف ستتمكن بريطانيا من معالجة المشاكل الناتجة عن خروجها من الاتحاد الاوروبي والصادرة ايضاً ردود فعل الاتحاد الأوروبي ذاته؟؟؟

pierre@eltelegraph.com