بقلم / بيار سمعان

والد احد النواب اللبنانيين في برلمان ولاية نيو ساوث ويلز ردّد على مسامع مهنئيه اكثر من مرة بعد انتخاب ابنه: «لو كنا لا نزال في لبنان لكان لزمني الف وساطة لأوظف ابني حاجباً في البلدية…» ذكر الوالد هذا التعليق وهو يمتدح استراليا، بلد الفرص والمساواة كون ابنه لم يكن منخرطاً في العمل السياسي، لكن حزب العمال اختاره لمواصفاته الشخصية وموقعه الجغرافي ونجاحه في وظيفته السابقة ولأسباب سياسية ورمزية اخرى.
واذا كان الحظ يرافق البعض، فإن العديد من اللبنانيين في استراليا انخرطوا في العمل السياسي وبرعوا في مواقعهم، واظهروا كفاءات قيادية عالية وتركوا وراءهم صفحات هامة في تاريخ استراليا الحديث مما اكسبهم الكثير من التقدير والاحترام والمحبة .
واذكر على سبيل المثال رئيس حكومة فيكتوريا السابق ستيف براكس وحاكمة نيو ساوث ويلز دام ماري بشير والنائب الفيدرالي بوب خطار الأب وقبله والده وزير الدفاع السابق واليوم ابنه، وجاكي طراد نائبة رئيسة حكومة كوينزلاند، والوزير جان عجاقه والنائب الفيدرالي داريل ملحم وباربرا بيري وجهاد ديب، وشوكت مسلماني ورئيس المجلس التشريعي في ولاية فيكتوريا جورج جوزيف، وعضو المجلس التشريعي في نيو ساوث ويلز ادوار عبيد الذي تمكّن من تأليف كتلة نيابية داخل حزب العمال واصبح قادراً على التحكّم بقرارات الحزب، ووُصف آنذاك انه صانع رؤساء الحكومات والقادر على اختيار النواب.
مئات الأسماء من اللبنانيين والمتحدرين برعوا في اكثر من موقع ومركز. في الرياضة يمكن ذكر مئات الاسماء، من آدي  سكاف وهو اول استرالي حائز على ميدالية اولمبية، الى السباح اللبناني ماتيو عبود ومدرب فريق استراليا الوطني مايكل شيخا الدويهي، مروراً بلاعبي الراغبي ليغ حازم المصري وباني الياس وروبي فرح ونقولا شحاده والمئات غيرهم.
وحقق العديد من اللبنانيين نجاحات لافتة في التجارة والاداة والاعمال الحرة والاعمار، امثال جوزيف عساف وجو سايمون وجاك نصر وجو خطار (حدشيت) واحمد فاعور. ولا يخلو قطاع او شركة كبرى في استراليا من وجود لبنانيين في جهاز الادارة او موقع القيادة.
ونجح لبنانيون في الفنون والاعلام والآداب وتصميم الازياء وادارة الاعمال والطب والمحاماة . ويمكن ذكر اسماء الآلاف منهم من الجيل الاول والثاني او من المتحدرين من اصول لبنانية.
هؤلاء هم الان مصدر مفاخرة وإلهام ومثال يحتذى به من قبل اللبنانيين والمجتمع الاسترالي ككل. كما هم مصدر فخر للبنان وللانتشار اللبناني في العالم.
لكن بالمقابل وللأسف الشديد، فان بعض اللبنانيين عملوا ما في وسعهم لصبغ الجالية اللبنانية بطابع الفساد وشوهوا السمعة الطيبة التي ميزت الجالية اللبنانية منذ وصول الرعيل الاول في منتصف القرن التاسع عشر.
ويشهد مسؤولون، كما تؤكد الاحداث ان الجالية اللبنانية كانت مثالاً يحتذى به. ولم يتردد رئيس الوزراء الاسترالي السابق روبرت منزيس في دعوة المجتمع الاسترالي إلى ان يتشبّه بهم قائلاً في احدى خطبه: «Be good like the Lebanese…»
– هل تبدلت قوانين اللعبة السياسية؟
ان استراليا، البلد التعددي وبلد الفرص المعطاة لكل مواطن تتعامل مع ابنائها بالمساواة والعدل واحترام القدرات الشخصية والثقافية، وهي تفتح ابوابها على مصراعيها لجميع المواطنين، بغض النظر عن العرق والدين والثقافة.
و تحترم استراليا اللعبة الديمقراطية وخيارات المواطنين وقرارات النواب والمسؤولين.
لكن بالمقابل ، فالمواطن الذي يعطي الكثير يطلب منه ايضاً الكثير. فالمسؤول الذي مُنح ثقة المواطنين يُسأل ويحاسَب، يُكافأ او يُعاقب…
واساليب العقاب عديدة ومختلفة ووسائل المحاسبة هي دائماً ضمن القانون، رغم انه لا يمكننا ان نعتبر ان استراليا «جمهورية فضلى» وان القيّمين على تنفيذ القوانين هم ملائكة مجرّدون من كل معصية او مصلحة شخصية. فالاجتهادات القانونية تتخذ احياناً غطاءً لمعاقبة ابرياء وسبيلاً لتسديد حسابات قديمة، كما تستخدم للدفاع عن مظلوم وتبرئة متهم عن غير حق…!!
– وظيفة عامة لتحقيق اهداف خاصة
منذ ما يزيد علىعام لم تخل وسائل الاعلام الاسترالية من انباء التحقيقات في الفساد واستغلال الوظائف لتحقيق مكاسب شخصية. وتنشر انباء مفصلة حول هذه التحقيقات وتفاصيل المخالفات. وللأسف الشديد كان لبعض اللبنانيين ادوار بارزة في هذه الفضائح، خاصة على مستوى المجالس البلدية.
واصبحنا نقرأ عناوين مثل: صرف المجلس البلدي في منطقة كذا وكذا وتعيين مدير مسؤول من قبل حكومة الولاية.
ثلاث بلديات على الأقل وجهت اليها الاتهامات  بالفساد، وكان المستهدف فيها شخصيات من اصول لبنانية.
مجموعة اعضاء في احدى البلديات يعملون معاً بمبدأ «حكلي تا حكلك» معاً يعيدون تصنيف المناطق ويرخصون بأبنية مرتفعة ويسخّرون القوانين واللعبة الديمقراطية لتحقيق منافع لهم…
رئيس بلدية سابق يخالف قانون البناء في بلديته، وآخر عن معرفة او دون معرفة يتصرف وكأنه الحاكم بأمر الله. مخالفات لقوانين الصحة ومنافع شخصية والعديد من التهم، رؤساء بلديات يقالون وآخرون يستقيلون…
وقد لا تخلو بلدية من الاشاعات حول ممارسات بعض اعضائها، وللأسف الشديد، اصبح يشيع في الاعلام ان «وراء كل فضيحة… لبناني».
بالطبع لا يمكن تصديق كل الاشاعات قبل ان تنتهي التحقيقات. فالاعلام مسيّس واللبنانيون مستهدفون، خاصة بعد ان برزت اسماء لبنانية بين من سافروا الى الشرق الاوسط للقتال في صفوف «داعش» وتهريب الاموال لدعم الارهاب لقد اختلطت كل الاوراق كما تبدلت الاهداف في وظائف القطاع العام.
فلماذا تحولت صورة اللبنانيين نحو البشاعة، وهل تدفع الجالية اخطاء افراد ينتمون اليها؟
كلنا نعلم ظروف الهجرة اللبنانية، من الحاجة والبحث عن فرص عمل وحياة مستقرة،  الى الأمن وتوفير مناخ صالح للعائلة، او نتيجة اضطهاد وحروب ونزاعات دموية…
معظم اللبنانيين هاجروا لاحدى هذه الاسباب او لكلها معاً. ونظر البعض الى استراليا على انها توفر اكثر من الاستقرار وظروف حياتية افضل، اذ اعتبر هؤلاء ان الاثراء السريع يبدل من مكانتهم الاجتماعية ويعوض عن حرمان سابق وشعور بالنقص نظراً لغياب العدالة وهيمنة الوساطة و«فلسفة تبويس اللحى والايادي» في لبنان. وبينما اعتبر معظم اللبنانيين ان التحصيل العلمي العالي والتخصص يفتحان مجالاً مضموناً لتحقيق النجاح وتحسين الموقع الاجتماعي واكتساب شعور المفاخرة بالثروة البشرية لدى العائلة، فضل البعض عملاً بالسياسة اللبنانية، تسخير المركز العام خدمة للمصالح الشخصية وتحوير القانون لجنى الثروات وتحقيق تقدّم في سلم الهرم الاجتماعي.
لقد تناسى هؤلاء ان لا شيء يبقى سراً، بل يكشف  ويعلن عنه، وان مبدأ الثقة ومنح الفرص يرافقهما مبدئي المساءلة والمحاسبة والعقاب لمن يستحق.
فهل نحن الآن امام حقبة جديدة من اعادة تنظيف المؤسسات الحكومية من الشوائب العديدة والآفات التي تضرب المجتمع الاسترالي؟ لذا نسمع الكثير عن مفوضيات للتحقيق في الفساد والتحقيق في الاعتداءات الجنسية في المدارس والمنشآت التربوية والدينية والعسكرية، كما نشهد تعيين مدراء مؤقتين في عدد من المجالس البلدية ويعاد صياغة قوانين جديدة تضع حداً لمحاولات الاستغلال..؟؟
ام ان الجالية اللبنانية هي المستهدفة رغم المبدأ القانوني الذي ينظر الى كل مواطن انه مسؤول عن افعاله. فالجالية اللبنانية هي في طليعة الجاليات الشرق اوسطية، وان استهدافها يطال الجميع…؟؟
ام ان الاسباب الحقيقية وراء كل ذلك هو ان البعض يخشى من التفوّق الذي يحرزه اللبنانيون منذ هجرتهم الى هذه البلاد..!!
ربما المطلوب هو اعادة تقييم تموضع كل فريق اجتماعي داخل الجالية والقبول بخيار استراليا وطناً والالتزام بهذا الموقف.
الحقيقة الدامغة هي ان اعين جميع لبنانيي الانتشار هي دائماً نحو لبنان. للأسف الشديد المجموعة الحاكمة فشلت في كل شيء ما عدا الفساد. انهم أسوأ مثال يحتذى به لبنانيو الانتشار واسوأ اختبار يؤثر على صورتهم في البلدان التي يقيمون في الخارج..
فمن اين نبدأ الاصلاح؟!