بقلم بيار سمعان

نادراً ما شهدت استراليا تقارباً في نتائج الانتخابات العامة مثل الانتخابات التي جرت السبت الماضي. تتقارب النتائج في بعض الاقلام الانتخابية، وهذا امر مألوف ويتكرر باستمرار، لكن ان تصل النتائج العامة للانتخابات الى مثل هذا التقارب، فليس بالأمر المعهود.. فما هي الاسباب التي اوصلت الى هذه الحالة؟ وهل اصبح المجتمع الاسترالي منقسماً على ذاته، ام ان تحولات واسباب عديدة اوصلت الى هذه الحالة؟ وان كان كذلك، فما هي ؟
< قواسم مشتركة:
رغم الاختلافات العديدة بين زعيمي الاحرار والإئتلاف، هناك قواسم عديدة  مشتركة بين تيرنبل وشورتن. فالاول وصل الى قيادة الاحرار عن طريق الانقلاب على طوني آبوت، اما شورتن فقد تآمر في السابق على كيفين راد وجوليا غيلارد، ووصل الى قيادة العمال بعد خسارة العمال الانتخابات ضد طوني آبوت.
تيرنبل يثير الشكوك حول اهدافه البعيدة بعد ان انتقل من حزب العمال ليصبح نائباً عن الاحرار، وشورتن الذي حقق نجاحاً سياسياً بعد ان قاد نقابات العمال في استراليا، لم تخل ولايته من المشاكل والاتهامات. حول سوء الادارة.
تيرنبل انقلب على طوني آبوت بحجة ان شعبيته انخفضت وبمقدوره اجراء اصلاحات اقتصادية وانقاذ البلاد، لكن رغم استلامه قيادة الإئتلاف ورئاسة الوزراء لم يتمكن من تفعيل الاقتصاد او رفع شعبية الإئتلاف والنتائج الاخيرة تثبت ذلك، كما انه لم يتمكن من تخطي البرنامج السياسي والاقتصادي الذي طرحته حكومة آبوت. فدفع الإئتلاف ثمن الانقسام الداخلي والتخلي على رئيس وزراء تمكن، رغم كل الاخطاء، من خلق هوية استرالية واوقف تدفق اللاجئين واعاد شعور الوطنية الى نفوس عديدين. واحس المواطن  العادي ان طروحاته كانت نابعة من قناعات شخصية وليس من املاءات خارجية. وهذا ما يميزه عن سواه من رجالات السياسة.
امازعيم المعارضة الذي ارغم على الموافقة على العديد من الاقتراحات السياسية والقانونية لحكومة آبوت، مثل سياسة حماية الحدود واعادة قوارب اللاجئين وسياسة مكافحة الارهاب وتدعيم مواقع الاجهزة الامنية، وسياسة خفض الانفاق العام وغيرها… وجد نفسه «كباش كاتب» مرغماً على الموافقة واللحاق بسياسة حكومة آبوت دون القدرة على طرح مشاريع وقوانين جديدة. واستمرار تيرنبل بتبني هذه المواقف الثابتة دفع شورتن الى اعادة التموضع والتخلي عن التبعية.
غير ان هذا الواقع لا يدخل في لعبة  التماهي  الكامل. فهناك امور كثيرة تفرق بين الزعيمين. فتيرنبل يؤيد على سبيل المثال، زواج المثليين لكنه ملتزم بقرارات سابقة اتخذها الحزب والقاضية باجراء استفتاء عام حول هذه المسألة الحيوية. فبدا تيرنبل حيال هذا الموضوع بمثابة الطائر الذي يغرد خارج سربه.
وبدا ذلك في اكثر من تعليق اطلقه وزراء وبارزون في الإئتلاف، وكأنهم يرسمون خطة طريق لرئيس الوزراء الذي وصل الى الحكم بدعمهم بعد ان تعهد ان يكون المنقذ للإئتلاف.
اما شورتن  فهو مكبّل اليدين بعد ان اتخذ الحزب قراراً خلال المؤتمر السنوي العام بالاعتراف بزواج المثليين واعادة تحديد الزواج خلال 100 يوم من استلام العمال قيادة الحكومة في البلاد.
هذا القرار الملزم لجميع نواب وشيوخ حزب العمال، جرد اعضاء الحزب من حرية الرأي وحقهم الديمقراطي والغى قراراتهم التي تتلاءم مع قناعاتهم الشخصية وارادة الشعوب التي يمثلون في الدوائر الضيقة. شورتن نفسه ارغم على التراجع ايضاً عن تصريحات سابقة ينتقد فيها زواج المثليين الذي اصبح عامل انقسام داخل العمال ودفع الى استقالة 4  نواب من جنوب استراليا، ولم يشجع العديد من الناخبين الملتزمين  دينياً بدعم العمال خلال الانتخابات الاخيرة، وفضلوا الادلاء باصواتهم لاحزاب صغيرة ولمستقلين. وباعتقادي لو اتخذ حزب العمال موقفاً مماثلاً يؤيد قرار الاستفتاء ويترك حرية الخيار للنواب، لكان بيل شورتن اليوم رئيساً لوزراء استراليا. فالكنيسة الكاثوليكية ومعظم الجاليات الاثنية المحافظة تؤيد تقليدياً حزب العمال، غير انها لم تكن متحمسة خلال الانتخابات الأخيرة للوقوف الى جانبهم بعد تصميمهم المسبق على اعادة تحديد زواج المثليين . اما تيرنبل فهو  لم يتمكن من استقطاب انصار المثليين عندما اعلن عن تأييده لهم ولكنه بالمقابل خسر الاصوات التقليدية  المحافظة والملتزمة دينياً عندما دعا الشعب الاسترالي الى دعم  قرار زواج المثليين خلال الاستفتاء العام المفروض عليه.
معظم  المحللين السياسيين كانوا يتوقعون فوز الإئتلاف بأكثرية ضئيلة. لكن يبدو ان هذا الواقع هو صعب المنال. فما هي الاسباب الاخرى المؤثرة في النتائج.
يجمع العديد من المحللين ان مالكولم تيرنبل لم يكن «المخلّص» الموعود او الحصان المضمون والقادر على اعادة فوز الإئتلاف.
بالاضافة الى الانقلاب على طوني آبوت الذي تآمر مع الـ  «ABC» لتنفيذه من خلال ترويج الاشاعات وتسريب الاسرار وتشويه صورة آبوت كونه وزير الاتصالات والمسؤول المباشر عن هذه الشبكة الاعلامية الوطنية العملاقة، تبين لاحقاً ان قدرات تيرنبل وشعبيته كانت وهمية.
فعلى الصعيد الشخصي لا يتمتع تيرنبل بشخصية كاريزماتية، بل هو يمثل بنظر الشعب الاسترالي المواطن الثري الذي لم يعان كسائر المواطنين وقاد الحملة الانتخابية بطريقة جوفاء، باردة تخلو من التعاطف مع مآسي الناس. وبدا في حالات عديدة وخلال جولاته الانتخابية انه يمثل دوراً فرض عليه. ولم تخل زياراته المتعددة من «الشوفنه والسنوبيزم والكبرياء..»  وهذا ما احس به الناخبون. وباعتقادي ان جولاته الانتخابية المبنية على مشاعر التكابر والثقة الفائقة والخالية من العفوية والموضوعية تمكن زعيم المعارضة بيل شورتن من الاستفادة منها، فطرح نفسه كزعيم الشعبي بديل، قادر على معالجة عامة الناس والطبقات الكادحة. وصوّر نفسه انه عامل مثلهم ومغلوب علىامره بسبب سوء السياسة الاقتصادية لحكومة الإئتلاف. واستفاد شورتن من غياب الرؤية الاقتصادية لدى الحكومة ليتلاعب بمشاعر الناس، مستفيداً من الفجوات التي تؤثر بالحياة اليومية لدى عامة الاستراليين. فطرح ولو عن غير حق مسألة خصخصة الميدي كير واصر ان تيرنبل الذي لا  يمكن ان نثق به، ينكر نواياه لاسباب انتخابية بحتة. طرح العمال هذه الاكذوبة التي اصبحت هماً مقلقاً لعامة المواطنين لكثرة تكرارها من قبل شورتن  وجميع مرشحي حزب العمال.
ونجح شورتن في التشكيك بنوايا تيرنبل الذي كان يدعو الناخبين ان يثقوا به وبحكومته لأنها تمتلك الرؤية الصحيحة لاقتصاد يسير نحو التعافي والازدهار.
لكن تيرنبل تناسى ان العديد من نواب الإئتلاف لا يثقون به. وهو خلال حكمه لم يقدم اي جديد سوى تكرار ما اعتمدته حكومات آبوت السابقة، فكيف يثق به المواطنون.
لقد فقد تيرنبل معظم مقومات القيادة وقاد الإئتلاف الى خسارة معنوية  بعد دورة واحدة من الحكم. حاول تيرنبل ان يشبه نفسه بجون هاورد، لكن اهل البيت رفضوا هذا التشبيه قبل سواهم.
باعتقادي، لو ابعد حزب الاحرار مالكولم تيرنبل عن الحكومة وحافظوا على طوني آبوت وعلى تماسكهم الداخلي، لكانوا قادرين على تحقيق فوز جديد في هذه الانتخابات.
لقد اخطأ الاحرار، بسبب صراعهم الداخلي على السلطة واستراليا سوف تدفع الثمن.
pierre@eltelegraph.com