إعداد بيار سمعان

انتهت الأحد الماضي انتخابات البلديات والمخترة في جميع محافظات لبنان. وتمت هذه الانتخابات بهدوء وبروح المنافسة الديمقراطية رغم ما اشيع من دفع اموال هناك او هنالك. لكن يُشهد ان الانتخابات جرت دون تسجيل حوادث امنية تذكر رغم التحديات السياسية الممزوجة بالعائلية والخلافات الضيقة.
< فماذا يفهم من المناخ العام الذي رافق هذا الحق الديمقراطي الذي مارسه اللبنانيون مع دلالات كثيرة وما هي العبر التي يمكن استخلاصها؟؟
> الأمر الاول الذي يمكن استخلاصه هو ان هذه الانتخابات هي تعبير صارخ من قبل كافة اللبنانيين ورفضهم للواقع السياسي السائد الذي عطل كامل مؤسسات الدولة بطريقة مبرمجة وتكاد تكون مخطط لها. انها صرخة مدوية في وجه مجلس نيابي يمدّد لنفسه دورة بعد دورة ويتعمد عدم ممارسة واجباته  الدستورية في وجوب الحضور الى مجلس البرلمان وانتخاب رئيس للبلاد. فأي مبرر سوف يقدمه نواب الأمة للشعب اللبناني وللتاريخ بعد ان مضت حتى الآن سنتان وهو يدعي العجز في انتخاب رئيس للبلاد. فهل نواب لبنان هم فعلاً نواب الأمة ام انهم سعداء بتلقي الأوامر من الخارج لقاء مساعدات او لاهداف اقليمية تتعارض بالطبع مع مصلحة الوطن ووحدته وديمومته…؟؟
> اجراء الانتخابات دون تسجيل اية حوادث مقلقة تؤكد باعتقادي على رغبة الناس في العودة الى منطق الدولة والى الممارسات الديمقراطية والى رفض المنطق السائد الذي فرضه نواب وقادة الأمة والذي يمكن اختصاره بالمحاصصة في نهب خيرات الوطن (ضمن القانون) وتقسيم اللبنانيين الى امارات وولايات، فتحول معهم الوطن (الذي لا تغيب عنه  الشمس بفعل انتشار اللبنانيين في كافة انحاء العالم) الى مجرد دكان بعد ان اصبحوا تجار حرب وتجار سلم ومستثمرين من الطراز الاول، وبشتى الوسائل، ومعظمها مخالف للاعراف والقوانين والاخلاق ايضاً.
> حيال هذا الوضع المذري وحيال تعطيل المؤسسات العامة، انطلاقاً من تعطيل الرئاسة الاولى، ادرك اللبنانيون ان الادارة الذاتية للمدن والبلدات والقرى هي آخر ما تبقى لديهم. لقد تحوّل لبنان وبكل اسف الى «حارة كل مِن إيدو إلو»، عوضاً ان تكون البلديات مؤسسات متكاملة يكتمل بها ومعها صورة الوطن المؤسساتي والقانوني والديمقراطي بامتياز.
مع غياب منطق الدولة وتعطيل مجلس النواب ووجود حكومة بمئة رأس يتدافعها آلاف الرؤوس في الداخل والخارج، لم يبق امام الشعب اللبناني الا رعاية شؤونهم المحلية، بانتظار الفرج الكبير.
>  ان اجراء الانتخابات بشكل منضبط يثبت مرة اخرى ان الاعذار الواهية التي يتستر وراءها نواب الأمة هي اعذار واهية وغير صحيحة. فالتخوف من احداث غير مقبولة في لبنان خلال  الانتخابات هو غير صحيح  ومجرد وهم لأن اللبنانيين يئسوا من رؤية معظم النواب الحاليين يعيدون التجديد لانفسهم، واصبحوا على قناعة لا شك فيها ان لا فائدة من وجودهم في البرلمان، وان التعطيل الحاصل هو انتاج محلي مع غطاء محلي ولمصالح انانية يتمتع بها هؤلاء مستفيدين من تمثيل الشعب والحصانة النيابية والامساك بالقوانين التي يجيرونها لصالحهم. فالاختلاف على قانون الانتخاب يدخل ضمن منهجية التعطيل طالما ان كل نائب يسعى الى تفصيل قانون جديد يحمي استمراريته وديمومة ابنائه واحفاده من بعده.
فالعلة في لبنان ليس لدى الشعب المغلوب على امره، بل هي في صفوف الطبقة الحاكمة التي تتخذ من الاعذار الامنية والاوضاع الاقليمية حججاً للتجديد والتمديد واجراء الصفقات المشبوهة… والتفرّج على جبال الزبالة تتراكم في عاصمة، اعتادت ألا تنام لكثرة الحياة فيها فاصبح المواطنون اليوم لا ينامون لانتشار الروائح الكريهة والميكروبات.. والأوبئة.
> كان من المفترض ان يقوم لبنانيو الانتشار بالادلاء بأصواتهم بعد ان استعادوا حق الاقتراع. لكن للأسف الشديد وللأسباب نفسها،، لم يتفق المعنيون على تقنية اجراء الانتخابات في الخارج وهذا ما دفع البعض للاستفادة من هذه المناسبة للعودة الى لبنان للادلاء بصوته  وممارسة حقه وتمضية اسابيع في ربوع الوطن.
منهم من حصل على بطاقات سفر مجانية ومنهم من ابتاع بطاقته وغادر آملاً ان تحدث مشاركته تأثيراً ما في الانتخابات.
مع اسدال الستار على الفصل الأخير في الانتخابات البلدية واجتياز لبنان هذه المرحلة بنجاح، رغم الشكوك والهواجس، اكد الجيش اللبناني انه الضامن الأوحد للبنانيين اليوم وفي المستقبل، وهو المؤسسة الوحيدة التي تتمتع بالتجرد والشفافية والالتزام بمصلحة الوطن وتقدم التضحيات رغم كل المضايقات والضغوطات من هنا وهناك..
آمل ان ينكب المعنيون منذ الآن على وضع قانون جديد يخدم مصالح المواطنين دون ان يتوقف عند مصالح الزعامات .

pierre@eltelegraph.com