عبدالله بارودي

يرى البعض أنّ تيار «المستقبل» باتَ يشَكّل حالةً سياسية فريدة، بصَرفِ النظر عن مدى إعجابك بها أو رفضِها، هذه الحالة تتلخَّص بإصراره، على رغم كلّ ما يحصل في لبنان والمنطقة، وما يتعرّض له مِن حصارٍ على المستوى السياسي الضيّق، على التمسّك بخطابه الجامع والعابر للطوائف والمذاهب، في اعتباره الخَلاصَ الوحيد لبقاء الكيان اللبناني.
قيادة «المستقبل» قلِقة حتماً ممّا تشهَده سوريا، وتحديداً على الحدود الشمالية، وهي تحاول قدرَ الإمكان بناءَ حائطٍ من «الباطون الوطنيّ المسَلّح» في كلّ مِن البقاع وعكّار، يشَكّل رادعاً حقيقياً أمام أيّ محاولة لتعاطف أبناء هذه المناطق مع الفِكر التكفيري القادم من خلف الحدود.

لذا، فهي تلتقي دَورياً مع منسّقي التيار وكوادره في تلك المناطق، لتشجيعهم وتحفيزهم على العمل جدّياً للحفاظ، على رغم كلّ الظروف الصعبة التي تحوط بهم، على التواصل المستمر مع قاعدة «المستقبل» الشعبية، ومحاولة تلبية احتياجاتها من خلال مراجعتها مع المعنيّين، ومنهم المحافظ ورؤساء البلديات وغيرهم من السلطات المحلّية.

بالإضافة إلى ذلك، اعتمدَ «المستقبل» في الفترة الماضية استراتيجية «لمِّ الشَملِ»، وتحديداً ضمن البيت الواحد، لأنّه يَعلم تماماً أنّه في يده فقط يستطيع جمعَ الأضداد، وإنْ لم تكن هذه المرحلة الدقيقة التي تعيشها البلاد المبرِّر الحقيقي لإنجاز هذا الأمر، فمتى تكون؟

مِن هنا، كانت الزيارات المتتالية للأمين العام لتيار «المستقبل» أحمد الحريري إلى الشمال في الأسابيع الماضية، والتي استطاع فيها إنجازَ مصالحات عدّة بين العائلات والعشائر، وكانت أبرزها في المنية، وتحديداً في بلدة دير عمار حيث تمَّت المصالحة بين آل عيد ورئيس البلدية الحالي خالد الدهيبي بعد قطيعةٍ دامت سنوات.

«المستقبل»: أين البقيّة؟

استراتيجيةٌ نجَح فيها «المستقبل» إلى حدٍّ بَعيد أيضاً في طرابلس، بعدما أعاد الرئيس سعد الحريري الوَصلَ مع النائب محمد الصفدي والوزير السابق فيصل كرامي، ما أراحَ نوعاً ما الأجواء في المدينة، وكان مِن أهمّ نتائجه ما شهدَته بلدية طرابلس بعد تعطيل بلديّ استمرّ أكثر من عامين.
إلّا أّن العلاقة بقيَت مقطوعة تماماً مع الرئيس نجيب ميقاتي لأسباب واضحة، منها إصرار الأخير على الهجوم المستمرّ على كلّ ما يتعلّق بوزراء «المستقبل» ونوّابه وقياداته، تحت عناوين وشعارات مختلفة، من قضية «مرآب التل»، وصولاً إلى إفطارات «المستقبل»، مروراً بفيديو تعذيب سجَناء رومية، ومطالبة وزيرَي الداخلية والعدل بالاستقالة، على عكس رأي غالبية المرجعيات السياسية في طرابلس.

لكن في الوقت نفسِه، يرى مراقبون أنّ على مختلف الأفرقاء السياسيين في لبنان أن يَعوا أنّ معركة «المستقبل» ومواجهتَه اليوم للفكر المتشدّد، لا تُحقّق أهدافَها إلّا باحتضان غالبيةِ المرجعيات السياسية في البلد، وإنْ كانَ «المستقبل» نجحَ في الحفاظ على نهج الاعتدال والخطاب الوطني الجامع ضمنَ بيئته، على رغم كلّ الحملات والمخطّطات التي استهدفَته في المرحلة السابقة، إلّا أنّ هذا الأمر يحتاج في المقابل «مسايرةً» ولو شَكلاً، من الآخرين، من خلال عدم الخوضِ والبحث كثيراً عن المصالح والحسابات الطائفية والمذهبية الضيّقة، بل البحث دائماً عن الحلول الوطنية الجامعة!

ثمَّةَ مَن يَعتقد أنّ عدمَ دخول لبنان مجدّداً، في أتون مواجهة عسكرية بين أبنائه مرَدُّه الأوّل والأخير، يعود إلى إصرار «المستقبل» على أن لا يكون طرفاً في أيّ حرب أهلية قد تقعُ، لا سمحَ الله، في حال استمرّ «الطرف الآخر» على المنوال نفسِه في التعاطي السياسي عبر تعطيل عمل المؤسسات الدستورية، والإصرار على التمسّك بسلاح الفتنة المتنقّل بين منطقة وأخرى.
ولعلّ المعادلة الذهبية التي يَنتهجها «المستقبل» اليوم، هي عدم فتح منازل عزاء في بيوته ومناطقه، كما هي الحال في بيوت ومناطق الآخرين، مصِرّاً على «العضّ على الجروح» وتقديم كلّ التسهيلات الممكنة من أجل وحدة لبنان وبقائه وحماية أجيال المستقبل.