بقلم  / بيار سمعان

احدثت المادة 50 من قانون موازنة الحكومة اللبنانية لهذا العام جدلاً ومادة اعتراض اطلقها البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي.
منحت هذه المادة اي مواطن عربي او اجنبي الاقامة الدائمة له ولعائلته ولأولاده القاصرين، في حال تملّك شقة سكنية في لبنان. ورأت الحكومة ان هذه المادة تشكّل حافزاً مهماً لتحريك القطاع العقاري الذي يعاني ركوداً وتراجعاً منذ سنوات، وتفتح المجال للاستثمارات الاجنبية في لبنان، فتساهم بتحريك الوضع الاقتصادي فيه وخلق فرص عمل جديدة.

غير ان البطريرك الماروني انتقد في عظتين متتاليتين هذا القانون معتبراً انه مقدمة لتوطين اللاجئين السوريين والفلسطينيين، وتغيير وجه لبنان، وتعديل تركيبته الديمغرافية. ودعا الى إلغائه لأن اضراره هي اكثر بكثير من منافعه.
واعترض حزب الكتائب على هذه المادة ودعا النائب سامي الجميل رئيس الجمهورية لاستعمال صلاحياته الدستورية لأن هذه المادة هي «خطيرة» وبامكان رئيس الجمهورية ان يرد قانون الموازنة الى مجلس النواب ويطلب وفقاً للمادة 57 من الدستور، اعادة النظر في المادة 50 من القانون، وعلى المجلس ان يجتمع مجدداً ويصوّت على المشروع بغالبية مطلقة.

< المادة 50 : بين الاقامة والجنسية

وانبرى عدد من رجال السياسة والفكر للدفاع عن هذه المادة. وحاول النائب ابراهيم كنعان ان يقنع اللبنانيين بوجود فروقات بين الاقامة والحصول على الجنسية اللبنانية. وبرأيه هما مسألتان مختلفتان.
وشرح الجوانب القانونية المعقدة للتأكيد ان منح الاقامة الدائمة لا يعني الحصول على الجنسية اللبنانية. واكد ان هذا القانون خطا خطوة متقدمة لتحسين شروط تملك الاجانب في لبنان.
غير ان النائب كنعان عاد وتراجع عن محاولاته «الفاشلة» عندما اطلع على وجهة نظر البطريرك الماروني.
اما الخبير المالي وليد ابو سليمان عبر عن اسفه لأن لبنان «يضع نفسه وكأن العالم يتآمر عليه. واكد ان قانون منح الاقامة الدائمة لمن يمتلك منزلاً، اعتمدته دول عدة عندما كان وضعها الاقتصادي متأزماً، مثل اليونان والبرتغال وقبرص. مما اتاح لها تحريك القطاع العقاري وتفعيل الوضع الاقتصادي والاستهلاك الداخلي. وكرّر موقف النائب كنعان ان تملك مسكناً يمنح العائلة اقامة دائمة وليس الجنسية اللبنانية. وان المادة 50 وضعت بهدف ادخال اموال خارجية الى البلاد لسدّ العجز في ميزانية المدفوعات.

< خطورة المادة خمسين

قد تكون هذه الاعذار مقبولة ومنطقية في اي بلد آخر كاليونان والبرتغال وغيرها، او سوريا التي اصدرت القانون رقم 10 بهدف تشجيع الاستثمارات الاجنبية. فهذه الدول لديها اغلبية دينية او عرقية تتحكم بقرار السلطة وتختلف في تكوينها الديمغرافي والطائفي علنلبنان الذي بني نظامه السياسي على التوازن والمحاصصة بين الطوائف والمذاهب. فأي خلل في التركيبة الديمغرافية سيحدث خللاً في التكوين السياسي الاجتماعي، ويتسبّب بحرب اهلية في المستقبل.
ويبدو ان من سعوا الى تمرير هذا البند في الميزانية العامة انهمكوا بمعالجة الوضع الاقتصادي المتردي، بعد ان اوصلوا البلاد الى ما هي عليه الآن بسبب سوء الادارة والفساد والسرقة المنظمة وانتشار الفساد الاداري في جميع الادارات الحكومية . كما رغبت الحكومة عن قصد او غباء سياسي، وضع اسس جديدة لحرب اهلية مستقبلية. ولشرح خطورة هذه المادة اعود الى الحرب اللبنانية واسبابها العميقة.

< المادة 50 والحرب اللبنانية:

ربما يتناسى البعض ان الحرب اللبنانية اندلعت سنة 1975 لتحقيق عدة اهداف اهمها:
1 – توطين اللاجئين الفلسطينيين في لبنان وانهاء القضية الفلسطينية بعد ان يتحول لبنان الى «وطن بديل». وكانت نفس المغامرة قد جرت في الاردن، لكنها فشلت لوجود سلطة متماسكة وشعب ينسجم دينياً وعقائدياً.
2 – تحويل لبنان الى بلد مسلم يقبل به العرب بعد التخلّص من رئاسة جمهورية مسيحية هي الوحيدة في الشرق الاوسط.
3 – منح صلاحيات اضافية لسنة لبنان على حساب الوجود المسيحي فيه. لهذا طلب الاميركيون من موارنة لبنان الرحيل «نهائيا»» الى الولايات المتحدة او كندا اواستراليا، مقابل 100 الف دولار لكل عائلة.
وكان المطلوب ايضاً بعد ترحيل مسيحيي لبنان، القضاء على الوجود المسيحي في الدول العربية وخلق كيانات مذهبية وعرقية في العالم العربي، لضمان وجود اسرائيل واستمراريتها كقوة عظمى في منطقة مفتتة، تدوم فيها النزاعات الدامية خلال سنوات طوال، وتستنزف طاقاتها البشرية والمالية على القتل والدمار وليس الإنماء والتطور.
فالاحداث التي عصفت بلبنان والمنطقة تثبت باعتقادي صحة هذه الادعاءات، وان تبدل اسلوب ونوع النزاعات ، فالحرب لا تزال قائمة في لبنان، وان اتخذت ابعاداً جديدة.
– مؤتمر باريس 4 والمادة 50
من يقرأ بين الاسطر يدرك ان الدول الاوروبية التابعة للسياسة الاميركية – الصهيونية لعبت وتلعب دوراً خطيراً في تثبيت اللاجئين السوريين في اماكن تواجدهم.
فاوروبا التي تدرك مستوى الفساد والافلاس في لبنان، تغاضت عن سوء ادارة البلاد من قبل الطبقة الحاكمة وقبلت بمساعدة لبنان مالياً. فلماذا تبادر اوروبا الى منح لبنان هذه المساعدات الطائلة دون قيد او شرط، او هكذا سعى المستفيدون للترويج له.
نتذكر جيداً في منتصف العام الماضي، طالبت هذه الدول بدعم من الأمم المتحدة بضرورة تسهيل اقامة اللاجئين السوريين في البلدان التي لجأوا اليها هرباً من الموت. والمقصود هنا 3 بلدان هي لبنان والاردن وتركيا.
يوجد في لبنان مليون ونصف لاجئ سوري مسجلين لدى الأمم المتحدة. هذا الى جانب مئات الآلاف من غير المسجلين، ممن يدخلون البلاد ويخرجون حسب الظروف والمصالح. وبعد التهديدات الاميركية الاخيرة بضرب سوريا، دخل لبنان عشرات الآلاف منهم.
في باريس 4 او مؤتمر سيدر، طالبت الدول الاوروبية لبنان ان يعمل على تنفيذ التوصيات السابقة، اي تسهيل اقامة اللاجئين فيه. لأن اوروبا التي بدأت تعاني من تدفق اللاجئين لا ترغب بقدوم المزيد منهم الى ديارها لأنها بدأت تعاني من التطرّف والارهاب وتخشى عدم اندماج هؤلاء اجتماعياً واحداث تبدلات ديمغرافية بفعل ارتفاع الولادة لديهم.
لبنان المفلس والمنهار والمتآمر على شعبه والغارق في فساد الطبقة الحاكمة، ارغم قادته على ادراج المادة 50 للحصول على بضعة مليارات من المساعدات الاوروبية والعربية. لهذا جاءت صفقة الحريري والعهد، وعدم اعتراض حزب الله المنسجم مع ذاته وقاعدته الشعبية المكتفى ذاتياً. فالحريري لن يتضرر من اقامة مليون ونصف لاجئ سوري، معظمهم من السنة ومن منح الاقامة لما يزيد على 500 الف فلسطيني يصبحون مع مرور الزمن مواطنين بالولادة، وليس من اصحاب الهوية «قيد الدرس». ويمنح هؤلاء دعماً سياسياً لمن وفر لهم الاقامة الشرعية في لبنان.هذا التحوّل يعيدنا الى اسباب انطلاق الحرب اللبنانية، اي ارضاء اسرائيل، والقضاء على مشكلة الفلسطينيين في الخارج، وتحويل الواقع الديمغرافي في لبنان، وارضاء التيارات الاصولية الاسلامية، والتخلص من «العقل اللبناني المنفتح الذي يقلق اسرائيل».

< تمويل اللاجئين

ردد البعض ان اللاجئين السوريين والفلسطينيين هم غير متمكنين من توفير المال لشراء مساكن في لبنان. لذا يروّج اتباع البند 50 ان الهدف هو جلب مستثمرين اجانب. باعتقادي انه مجرّد هراء. لماذا؟
لنتصوّر السيناريو التالي: اصبح حقيقة ملموسة ان دول الخليج العربي تسعى على قدم وساق لتطبيع علاقاتها مع اسرائيل. وهي على استعداد لاتخاذ كل الاجراءات التي تقربها منها وتوطد علاقاتها فيها.
وكما انفقت السعودية وقطر مليارات الدولارات في الحرب السورية، بامكان دول الخليج توفير بضعة مليارات لتوطين السوريين والفلسطينيين في لبنان، وتوفير المساعدات المغرية للحكم في لبنان كهبات ورشوات شخصية.. ألم يفعل ذلك الرئيس الياس الهراوي لتجنيس 40 الف سوري في السابق مقابل «هدايا» خاصة؟
اليوم تتفق اوروبا والعرب واسرائيل على متابعة المؤامرة على لبنان، ولكنها مؤامرة ذات وجه اقتصادي. لقد افلس زعماؤنا البلاد ولم يتفقوا حتى على معالجة «الزبالة» في اجمل بلد في العالم لتبرير قرارات خطيرة متل المادة 50.
على الشعب اللبناني القادم على انتخابات عامة خلال اسابيع ان يعاقب متآمرو الداخل على الوطن الرسالة ويبعدهم نهائياً عن السلطة.
لكن ما نخشاه ان يتحول المواطنون الى سلعة اخرى يبيعون اصواتهم لقاء بضعة دولارات بسبب كثرة الغباء والتزلم الاعمى لسياسيين اقل ما يقال فيهم انهم «تجار الهيكل»، فاسدون ومفسدون. ولبنان بنظرهم هم مجرد وسيلة للمزيد من الاثراء.
متى يعي اللبنانيون بما يحاك لهم وحولهم ويستيقظون من سباتهم العميق؟
شكراً للبطريرك الراعي الذي حذر من خطورة هذه المادة.
يبقى على سيد العهد ان يقول كلمته.