بقلم هاني الترك OAM

ابتهج قلبي حينما علمت ان الزميلين ديالا العزي وصالح السقاف في اذاعة اس بي اس برنامج البيت بيتك قد خصصا البث يوم الجمعة لمناقشة قراءة كتاب.. وقلت لهما اهنئكما على فكرة البرنامج التي نحن في اشد الحاجة اليها.. واكرّر ما قلته في السابق اننا نحن العرب لن نستعيد امجادنا الا اذا اعتبرنا الكتاب «الهواء والدواء والماء».
وطالما فتحتم موضوع القهوة التي هي عصب الإنسان المعاصر يجب ان اذكر حقيقة تاريخية قد لا يعرفها الكثير كما ظهرت في كتاب بحثي تاريخي لبروفسور سامر عكاش من جامعة جنوب استراليا صدر العام الماضي يحمل عنوان  «شاميات» مفاده ان منشأ القهوة كان في اليمن في القرن الرابع عشر.. وانتقلت بعد ذلك الى الشام  حيث كانت كل الدول العربية تحت الحكم العثماني.
وفي الشام بدأ الناس يجتمعون للتسامر في اماكن تناول القهوة.. وتطورت الى ما يعرف بالمقاهي.. واقتبس العثمانيون الفكرة ونقلوها الى تركيا.. ومن هناك انتقلت ظاهرة اقامة مقاهٍ لتناول القهوة والتسامر الى اوروبا في عصري النهضة والتنوير.. وانتشرت بعد ذلك في العالم وحتى وقتنا الحالي.
فإن اصل ظاهرة المقاهي في العالم هي من القهوة العربية اليمنية ومن ثم تأسيس المقاهي في الشام.. ومن هنا انطلق المثل العربي: «الذي يرفض القهوة عند العرب انما يبغي القتال».
وعرجت بعد ذلك في البرنامج باقتضاب شديد على كتاب «الله والفيزياء الجديدة» لأكبر العلماء المعاصرين في العالم وهو البروفسور بول ديفيز.. وكان في زيارة خاطفة الى استراليا حيث ذهب ابني جورج وقابله واتصل بي وسألني اي كتاب ليس في حوزتي لـ ديفيز اذ انني اجمع معظم كتبه.. فكان ذلك الكتاب فوقعه وارسله  لي .. وقرأته.
ويجب الاشارة الى حقيقة هامة هي ان الفلسفة اصبحت الآن تقوم على العلوم واصبحت فلسفة العلم بعد ان كانت تقوم على التأمل والمخيلة والآداب.. بل ان الميتافيزيقا اي ما بعد الطبيعة وهي اقدم فروع الفلسفة اصبحت تقوم الآن على العلوم والتكنولوجيا الحديثة.
وفي كتابه «الله والفيزياء الحديثة» يقول ديفيز ان القوانين الفيزيائية التي تنظم الكون الفسيح والمجرات تختلف عن القوانين الفيزيائية التي تنظم الذرات والجزئيات.. ويسعى العلماء منذ عدة عقود الى البحث عن القوانين الفيزيائية التي تجمع كل من المجالين والتي تسمى قانون كل شيء ولكن لم ينجحوا حتى الآن.
وبعد اكتشاف نظرية النسبية للزمان والمكان لـ ألبرت إينشتاين وبعد ذلك نظرية الكم اصبح العلماء ينظرون الى ظاهرة جديدة وهي الوعي ( او العقل او الروح).. وملخصها ان الوجود في حد ذاته لا يظهر للوجود الا من خلال الوعي البشري كما يبدو لنا .. وكان اعظم فلاسفة العصر الحديث قبل تقدم العلوم ايمانويل كانط قد قال في كتابه «نقد العقل العملي» ان الله قد خلق في الانسان تصورات المكان والزمان ولا وجود للوجود الا من خلال الانسان اي في العلم المعاصر الوعي البشري وهو جزء من الوعي المطلق الله. ويخرج ديفيز بإثبات وجود الله عن طريق نظريات الفيزياء المعاصرة.
ووعدت برنامج «البيت بيتك» كل يوم جمعة ان ألخص كتاب قرأته سواء بالعربية او الانكليزية.. مع تقديم امتناني لـ ديالا وصالح لهذا البرنامج الابداعي الذي يدفع المستمعين للقراءة . فكم نحن العرب في أمس الحاجة الى تعلم عادة القراءة التي هي اهم ميزة للإنسان المعاصر المتحضّر.