بقلم بيار سمعان

احتفل المسيحيون منذ ايام بعيد ميلاد السيدة العذراء بعيداً عن السياسة، اردت ان اسرد بعض الحقائق حول الأصول العائلية وجذور مريم العذراء، وحول حقيقة «الحبل بلا دنس» وكيفية حدوثه وولادة مريم وتكريسها للهيكل كما اوردته الأخت الراهبة الرائية آن كاترين إيميريتش (او إيميريك)، كون العذراء مريم تحظى بمحبة خاصة من قبل المسيحيين والمسلمين على حدّ السواء، خاصة في الشرق الاوسط عامة ولبنان خاصة، حيث يحتفل بعيد البشارة يوماً وطنياً، وخصص فنانون مسيحيون ومسلمون اغانٍ واناشيد خاصة لتكريمها، وقدمت جوقة مؤسسة السيد موسى الصدر للفتيات عدة حفلات انشدت خلالها التراتيل المخصصة للعذراء مريم كتعبير عن روح المشاركة واللقاء في الوطن الذي وصفه قداسة البابا يوحنا بولس الثاني  انه اكثر من وطن، انه رسالة…»

 

• من هي آن كاترين إيميريتش؟

ولدت آن كاترين إيميريتش في ايلول 1774 في جنوب المانيا. دخلت رهبنة الاوغسطينيات عام 1803 وتوفيت في 9 شباط 1824.

ورغم ثقافتها المحدودة، منحها الله قدرة فائقة على فهم الاحداث الماضية في حياتها. وعاشت السنوات العشر الأخيرة تقتات فقط على القربان الاقدس. وكانت معدتها ترفض اي طعام او شراب آخر، فتتقيأه.

منذ عام 1812 وحتي وفاتها ظهرت على جسمها جروحات السيد المسيح مع صليب على صدرها.

خلال السنوات الخمس الأخيرة كانت آن كاترين إيميرتش تُختطف بالروح وتنتقل لتعاين جميع الاحداث منذ بداية الخليقة مع آدم وحواء، وحتى صعود السيدة العذراء وانتقالها بالنفس والجسد الى السماء. هذا الاختطاف كان يحدث يومياً معها. وكانت تروي تفاصيل معايناتها باللغة اللاتينية التي لم تدرسها او تكن على المام بها.

وطوال هذه المدة قام الكاتب والشاعر والأديب المعروف كليمونس برنتانو بتسجيل ما كانت تذكره من معاينات لأحداث ماضية.

في البداية كان برينتانو Brentano يشكّك بمصداقية ما تذكره الراهبة، كونه كان يميل اكثر الى الالحاد منه الى الإيمان، غير ان نظرته الى هذه الظاهرة الغريبة تبدلت رأساً على عقب، عندما كانت تعود آن كاترين إيميريتش من حالات الانتقال، حاملة معها ذخائر للقديس بطرس وآخرين من الرسل.

وذكرت الراهبة ان ملاكاً كان يرافقها في رحلات الانخطاف ويشرح لها ما تعجز عن فهمه ويهدئ من روعتها في الحالات الصعبة او المؤلمة.

ولا بد من التذكير ان الممثل والمخرج الاسترالي ميل غيبسون اعتمد على ما ذكرته حول آلام وعذابات السيد المسيح لينتج فيلمه الشهير «آلام المسيح Passion of the Christ .

ويعتقد ان غيبسون المتأثر بسلسلة مؤلفاتها يعد الآن فيلماً آخر حول الأيام الثلاثة التي امضاها المسيح في الينبس بعد موته على الصليب، بناءً على ما  ورد في مجموعة المؤلفات (5 مجلدات) والتي تحمل عنوان «حياة السيد المسيح».

وباعتقادي ان العناية الالهية ارادت من خلال هذه الراهبة تسليط الاضواء على تفاصيل كثيرة من حياة السيد المسيح الخلاصية وجميع الذين  لعبوا دوراً في خلاص البشرية. ويذكر يوحنا الحبيب في نهاية انجيله ما يلي :

«واشياء اخرى كثيرة صنعها يسوع ان كتبت واحدة واحدة، فلست اظن ان العالم نفسه يسع الكتب المكتوبة » (يوحنا 21/25).

لذا اعود الآن الى ما ذكرته الراهبة إيميريتش حول العذراء مريم.

• جذور مريم العذراء.

تذكر آن كاترين إيميريتش ان جدود القديسة حنة (والدة العذراء مريم) كانوا من الآسينيين. وهم مجموعة من الكهنة اوكلت اليهم مهمة نقل تابوت العهد منذ ايام موسى وهارون، تلقوا تعليمات صارمة منذ عهد الانبياء، خاصة ارميا وحزقيا، عاشوا لاحقاً في فلسطين كمجموعات انعزلت عن سائر اليهود. اتسموا بالتقوى والورع والصلاة، وانتظروا مجيء المسيح المخلص بالمعنى الروحي وليس الزمني كسائر اليهود.

حافظ الاسينيون على نظافة العرق والإيمان، وشجعوا التزاوج من داخل مجتمعهم. ولم يشجعوا الاختلاط بين الجنسين، حتى ضمن العائلة اذ كان يجرى الفصل بين الذكور والانسان. فالرجل يتناول الطعام اولاً ثم المرأة والفتيات لاحقاً.

اقام الأسينيون في جبل الكرمل وجبل حٍراب بعد ان جمعهم النبي حزقيا. وينتمي المكابيين الى هذه المجموعة. وكان لدى الأسينيين «عصا هارون» وبذلة موسى وذخائر اخرى كانت موضع تكريم واجلال من قبلهم.

ويؤلف العازبون منهم تنظيماً رهبانياً لا يقبل به إلا من جرى اعدادهم ايمانياً للانخراط في صفوفهم، وحافظ هؤلاء على العفة والصلاة والطقوس باشراف كاهن يعرف بالنبي. وغالباً ما كان يطرد من يرتكب خطيئة عظيمة. ووُهب الكاهن النبي القدرة الالهية على معرفة المخطئ ونوع الخطيئة التي ارتكب.

كان الأسينيون يعيشون في كهوف ويكتفون  بالضروري من الطعام. لم يتداولوا العملة بل غالباً ما يتبادلون منتوجاتهم الزراعية ومواشيهم بمواد ضرورية لهم.

يئم الأسينيون هيكل سليمان ثلاث مرات في السنة. وخصّص جناح منه لهم. كما كانوا يمتلكون اماكن (منازل) يقيمون فيها عند زيارة اورشليم.

وفي زمن والدي حنة، كان يعيش نبي يدعي أرخوس في احدى المغاور ظهرت له رؤىً اكثر من مرة، حول اقتراب موعد مجيء المخلص.

وتصف آن كاترين إيميريتش اجداد العذراء مريم، خاصة جدتها من ناحية والدتها انها كانت امرأة نبيلة وتقية تدعى موروني او ام مارون التي شرحت انها تعني المرأة الفاضلة والعريقة النسب.

وتذكر ايضاً ان تلميذي المسيح  (ابني زبده) ينحدران ايضاً من نفس الأصول العائلية. كذلك اليصابات، والدة يوحنا المعمدان كانت الخالة الثانية للعذراء مريم.

• حنة،  والدة العذراء مريم

والدة حنة التي تدعى زميريا تزوجت من إليود من قبيلة لاوي، وكان من الأثرياء والأتقياء. قاما بزيارة ارخوس النبي، فشجعهما على الزواج، لأن من نسلهما سوف يأتي يسوع المخلص.

وتقول إيميريتش ان والدي حنة لم يعملا بالزراعة، بل كان لديهما الكثير من المواشي ويعيشان في منطقة مجاورة للناصرة. وكانا يقيمان في منزل فخم ولديهما الكثير من الممتلكات والاراضي والخدم والرعاة.

واعتاد سيفيوديس، والد حنة على قسمة مواشيه الى ثلاثة اقسام: الاول للهيكل، والثاني للفقراء والمحتاجين من الأقارب والثالث يحتفظ به. ولفتت آن كاترين إيميريتش ان الله يبارك المحبين وصانعي الخير، اذ ان القسم الثالث من المواشي كان يتكاثر بشكل غير طبيعي ليعود عدد المواشي الى ما كان عليه، قبل توزيعه وهكذا دواليك على مدار السنين.

مضى 18 عاماً على زواجهما دون ان يرزقا بطفل. وكان الزوجان يواظبان على الصلاة والتضرّع الى الله ان يرزقهما وريثاً. في احد الأيام تراءى ملاك للوالدين كل على حدة وكتب على الحائط حرف (م) M.  ثم ولدت حنة وبدا على بطنها حرف (م) مرسوماً.

كانت حنة عزيزة على قلب والديها، كانت جميلة للغاية، لكن جمالها لا يضاهي جمال العذراء مريم على حد قول إيميريتش. وبدت منذ صغرها تقية، تواظب على الصلاة.

عندما بلغت الخامسة من عمرها، اخذها والداها الى الهيكل كما فعلت مريم، وامضت اثني عشرة عاماً، لتعود الى منزلها عندما بلغت عمر 17 سنة.

بعد عام مرضت الوالدة ازميريا، فدعت الخدم واوصتهم ان حنة ستكون سيدة المنزل وعليهم اطاعتها . ثم تحدثت الى حنة وطلبت اليها الزواج. وتوفيت الوالدة بعد ذلك.

في عمر 18 تزوجت حنة من يواكيم اتخذت هذا القرار بعد استشارة المرشد الروحي وتوجيهات الكاهن النبي. وكان يواكيم من سلالة داود.

يواكيم لم يكن ثرياً، لكنه كان يرتبط بقرابة مع يوناتان جد القديس يوسف (خطيب العذراء لاحقاً) وكان للجد ولدان يسّ ويعقوب، والد يوسف.

ورغم عدم ثروته كان يواكيم يختلف بشخصيته عن الآخرين. فتشعر بوجوده انك امام عملاق. لكن حنة ويواكيم نادراً ما كانا يمزحان او يضحكان . و عاش الزوجان الشابان مع اليود، والد حنة، وكان اسينياً ملتزماً. وامضى الزوجان سبع سنوات في ذلك المنزل  حيث انجبت طفلتها الاولى ودعتها مريم. ورغم محبتهما الفائقة لها، احس الوالدان ان مريم هذه ليست الـ«مريم الموعودة». وشعر الزوجان بالذنب والقلق لأنهما ربما اخطآ امام الله. وغالباً ما كان يواكيم وحنة يختليان في امكنة مختلفة للصلاة على حدة.

وبعد 7 سنوات من ولادة الابنة البكر، قرّر الزوجان العيش لوحدهما والسلوك حسب العناية الالهية والمواظبة على الصلاة ارضاءً للرب. وسمحا لإبنتهما مريم العيش مع جدها وتوفير المساعدة له ومرافقته في ايامه الاخيرة.

من ناحيته واظب يواكيم على نفس التقليد الذي ورثه عن عمه. فكان يوزع المواشي على ثلاث فئات: للهيكل والمعوزين والعائلة.

لكن بعد حوالي عشرين عاماً على ولادة ابنتهما لم يرزق الزوجان بطفل آخر. وبدأ الناس يتهكمون عليهما. حتى ان البعض نشر اشاعات ان مريم ليست ابنتهما، والا لكانا رزقا المزيد من الاطفال.

وشاهدت إيميريتش يواكيم يقدم الأضحية الى احد الكهنة في الهيكل، لكن يبدو ان الأخير لم يقبلها للحرق، فاعتبرها يواكيم غير  مقبولة. فأحس بحزن كبير زاد حزنه الاول (عدم الانجاب) حزناً. فلم يشأ ان يسيء الى زوجته حنه او يخبرها حقيقة ما حدث، فقام عند عودته الى المنزل باصطحاب ماشيته وانتقل الى جبل حرمون (جبل الشيخ في لبنان) حيث امضى سنوات هناك، قضاها بالتأمل والصلاة ورعاية المواشي، وكان ينقل حصة الهيكل السنوية الى اورشليم.

وتقول إيميريتش انها رأته حزيناً مكتئباً يعيش في عزلة عن آخرين ويمضي ساعات يصلي وهو منبطح ارضاً. وعبثاً حاول الخدم معرفة سر حزنه. الا انه تحفظ حول اسباب تعاسته.

اما حنة التي كانت تعيش حالة دائمة من القلق على زوجها كانت تعاني ايضاً من الحزن. وقامت احدى الخادمات بتعييرها ان الله يعاقبها لأنها عاقر وان ابنتها «مريم» ليست ابنتها. فأمضت حنة وقتاً طويلاً تتحدث اليها، ثم منحتها اجورها واعطتها هدايا، وامرت الخدام ان يعيدوها الى ذويها.

وبدأت حنة تدعو الى الله ألا يحرمها من زوجها يواكيم. وكان يواكيم يكرّر نفس الدعوات طالباً الى الله ان يحرمه من البنين وان يحفظ زوجته حنة.

في تلك اللحظات ظهر ملاك لحنة وآخر ليواكيم المقيم في جبل الشيخ وقالا لهما: لقد استجاب الله لصلواتكما. ودعا حنة الى الاطمئنان طالباً اياها ان تتوجه في اليوم التالي الى اورشليم. كذلك طلب الملاك الى يواكيم ان يتوجه الى الهيكل لأن تقدمته ستصبح مقبولة  لدى الله. ودعاه الى الانتظار تحت المدخل المذهب للمدينة.

اما حنة التي تراءى لها الملاك خلت الى غرفتها وامضت ساعات طوال وهي تصلي. ثم أوت الى فراشها.

وتقول إيميريتش: رأيت الى جانبها ضوءاً مشعباً يتجه نحوها ويخترق جسدها. فاستيقظت مرتعشة وخائفة. ثم توجه النور الى الحائط وبدأ يكتب بالعبرانية انها ستحبل وان ثمرة احشائها ستكون مميزة لدى الله. وان النعم التي حصل عليها ابراهيم هي نفس النعم التي ستجعلها تحمل.

فاضطربت حنة حول ما ستقوله ليواكيم، لكن الملاك طمأنها انه جرى ابلاغ يواكيم بهذه الرؤية.

وتقول إيميريتش : في تلك اللحظة شرح اليّ بوضوح كامل مفهوم الحبل بلا دنس للعذراء مريم. ورأيت انه في تابوت العهد يكمن سر التجسّد بالتي حبل بها بلا دنس، سر إنقاذ البشرية الساقطة في الخطيئة.

ورأيت حنة التي كستها فرحة عظيمة تقرأ الكتابة المذهبة والحمراء التي خطها الملاك على الحائط. وزادت فرحتها لدرجة انها عندما نهضت للذهاب الى اورشليم، بدت اكثر شباباً من السابق. ورأيت ملاكاً يظهر لها كأشعة ضوء في احشائها، وكأنها تحولت الى سفينة مشعة. ولا يمكنني ان اصف هذا المشهد سوى بقولي انها كانت كالمهد او كالهيكل الذي كان مقفلاً وفتح الآن ليصبح جاهزاً لاستقبال هذا الحدث الإلهي. يا لروعة ما شاهدت. لا يمكني ان اصف ما عاينت . رأيتها وكأنها مضجع لخلاص الجنس البشري بأكمله، وكأنها سفينة مقدسة. لقد تحولت حنة واحداً متكاملاً مع العمل الإلهي.

ورأيت ايضاً الملاك يظهر الى يواكيم ويطلب اليه ان يحمل التقدمة الى الهيكل. احس يواكيم بالاحراج والخجل ان يعود مرة اخرى الى الهيكل. لكن الملاك طمأنة انه جرى تنوير الكهنة بشأنه.

بعد 4 ايام وصل يواكيم الى اورشليم، وكان اليوم الرابع لعيد المظال. كذلك وصلت حنة في نفس النهار وامضت بعض الوقت في منزل زكريا قريبها. لكنها لم تلتقِ يواكيم الا في آخر العيد.

عند وصوله الى الهيكل، استقبل الكهنة يواكيم الذي حمل معه خروفين وثلاث نعاج. وقبل الكهنة بوحي إلهي تقدمته التي ذبحت واحرقت. ومع صعود  دخان الأضحية رأيت شعاع نور يهبط على يواكيم وعلى الكهنة الذين يقدمون الذبائح.

ثم خرج كاهنان واقتادا يواكيم داخل بيت المقدس وامام المذبح، حيث ترك وحيداً وتقول إيميريتش: رأيت يواكيم رافعاً يديه وفي حال انخطاف وقد اخفى دخان البخور معالمه.، وذكرني هذا المشهد بزكريا داخل قدس الأقداس. ظهر له شخص مشع واعطاه ورقة كتب عليها بأحرف مضيئة ثلاثة اسماء: حلّة، حنّة ومريم.

والى جانب اسم مريم ظهرت صورة صغيرة لتابوت العهد. وسمع صوت ملاك يقول له: حنة ستحمل طفلة بلا خطيئة دنس ومنها يأتي مخلص العالم. وطلب اليه الملاك ألا يحزن لعقمه. فما هو مخجل له هو لتمجيد الله، لأن الطفلة التي ستحملها حنة ليست منه بل هي ثمرة من الله تأتي بواسطته تحقيقاً للوعد الذي ضربه الله لابراهيم.

وشعرت ان يواكيم كان غير قادر على فهم هذه الكلمات. ثم نقل الملاك يواكيم الى قدس الأقداس حيث اظهر له كرة مشعة امام وجهه كالمرآة. وطلب الى يواكيم ان ينفخ في هذه الكرة، وبدأ يواكيم يرى صوراً متتالية، كان آخرها ظهور الثالث الأقدس والى الأسفل ظهرت الجنة، وآدم وحواء وسقوط الانسان ووعد الله بمجيء المخلص ، ثم نوح والسفينة ومشاهد مرتبطة بابراهيم وموسى، وتابوت العهد وصور ترمز الى مريم.

وتقول: رأيت مدناً وابراجاً ومعابر وطرقات يربط بينها نور ساطع. كانت جميعها ملك للوحش (الشيطان») لكن النور الإلهي حررها من سطوته.

ورأيت الملاك يتناول شيئاً من داخل تابوت العهد دون ان يرفع الغطاء عنه. وعلمت ان ما اخذه الملاك كان سر الأسرار في تابوت العهد، انه سر التجسّد والحبل بلا دنس والبركة التي وعدها الله لابراهيم.

ثم بارك الملاك يواكيم بالزيت المقدس ومسح جبهته، وقذف الكرة المضيئة داخل جسد يواكيم، واعطاه مادة يشربها من كأس يشبه كأس العشاء السري. وطلب الى يواكيم ان يأخذ هذه الكأس ويحفظها في منزله.

وطلب اليه الملاك الا يتحدث عما شاهده وما جرى معه. وفهمت إيميريتش لماذا اصبح زكريا ابكم بعد ظهور الملاك له. ولم يتيقن الكهنة ان اموراً قد اختفت من داخل تابوت العهد حتى بعد خروج يواكيم من قدس الأقداس . وتقول الرائية ان الكهنة تحولوا بعدئذ الى فريسيين.

عند خروجه من قدس الأقداس كان وجه يواكيم مضيئاً ، لكنه كان متعباً. استراح بعض الوقت، ثم رافقه الكهنة عبر سرداب خاص تحت الهيكل، عابراً تحت البوابة المذهبة، حيث التقى بحنة بعد فراق طويل.

وتصف إيميريتش المشهد فتقول:

«رأيت يواكيم وحنة يتعانقان وهما في حالة الانخطاف تحيط بهما افواج الملائكة. وكان بعضهم يحمل برجاً مضيئاً (برج داود) . واختفى هذا البرج بين حنة ويواكيم اللذين احاطت بهما اضواءً ساطعة.

في تلك اللحظة فتحت السماء، و رأيت الثالوث الاقدس فرحاً والملائكة مبتهجين لأن الحبل بمريم تم في تلك اللحظة.

وكان يواكيم وحنة في حالة فائقة الطبيعة. وعلمت انه عندما تعانقا بشوق ومحبة تم الحبل بمريم العذراء. وادركت ان الحبل بمريم لم يكن عملاً بشرياً من صنع انسان ساقط بالخطيئة، بل بتدخل إلهي مباشر وامام أعين الناس.

بعد ذلك زار يواكيم وحنة منزل احد الكهنة، ثم غادرا باتجاه الناصرة. وعند وصولهما الى المنزل اقاما صلاة الشكر الى الله وهما في حالة الفرح والتعبّد الكلي. وادركت في تلك اللحظة اهمية الصلاة والتضحية والطهارة لدى الأهل واثرها في ابنائهم.

تابع غداً: ولادة العذراء وتكريسها