بقلم بيار سمعان

في سنة 2014 أقر البرلمان الفيدرالي في استراليا قوانين جديدة بالاجماع تلزم وسائل التواصل الاجتماعي والمراكز الالكترونية ووسائل الاتصالات بضرورة الاحتفاظ بالمعلومات والبيانات الخاصة بزبائنهم. وتوصي هذه القوانين انه يحق للمؤسسات الاستخباراتية الاطلاع على هذه البيانات تحت شعار حماية السلم الاهلي ومكافحة الارهاب والعصابات الاجرامية المنظمة .
هذه القوانين دفعت شركات الاتصال والتواصل الاجتماعي الى اتخاذ تدابير لوجيستية اضافية للاحتفاظ بالمعلومات وتخزينها لسنوات. وتعهدت الحكومة بدفع تعويضات نتيجة للتدابير الاضافية التي ارغمت الشركات على اتخاذها.
بكلام آخر، سيتحمل المواطنون ودافعو الضرائب، دفع اموال اضافية لكي تتمكن الحكومة من مراقبتهم والاطلاع على بياناتهم الشخصية، ومعرفة أدق التفاصيل عن حياتهم، تحركاتهم، اوضاعهم القانونية والمالية والقضائية، الى ما هنالك من تفاصيل صغيرة تصبح هامة، في حال جمعت معاً.
وتخشى مؤسسات حماية الحريات العامة ان تتحول استراليا الى دولة بوليسية تغيب فيها الحريات العامة، باسم حماية الحريات والأمن ومكافحة الارهاب.
< التدابير الدولية
الحالة الاسترالية ليست استثنائية وليست الوحيدة في العالم. فقد بدأت في الولايات المتحدة عام 2013 عندما طالبت الاجهزة الاميركية من شركة «فايسبوك» تزويدها بمعلومات شخصية عن آلاف الاشخاص، ثم في عام 2014، ارتفعت اللائحة وشملت اسماء الداخلين الى الولايات المتحدة.
الاسبوع الماضي توصلت الحكومات في اميركا الشمالية والجنوبية واوروبا واستراليا والهند وفي دول اخرى الى تفاهم مع واتس أب، فايسبوك، تويتر وسائر قنوات الاتصال والتواصل الاجتماعي على ان تقوم هذه القنوات بتسجيل المحادثات الالكترونية والمكالمات الهاتفية والرسائل الصوتية والخطية. وسمحت المحاكم والقوانين في هذه الدول ان تقوم الاجهزة المختصة بالاطلاع على جميع البيانات الشخصية وتحليلها واستخدامها لملاحقة من تراهم يشكلون خطراً على الأمن القومي ومَن يهددون السلم الاهلي والنظام في هذه البلدان.
وهذا يعني ان جميع قنوات التواصل على انواعها اصبحت اليوم مراقبة من قبل الاجهزة المختصة، وان كل انسان حول العالم تحوّل الى هدف ووسيلة لجمع المعلومات الشخصية عنه، وعن المجموعات التي يمثلها وينتمي اليها. جميعنا مراقبون وجميعنا ندفع ايضاً كلفة واعباء عمليات المراقبة.
هذه التدابير انتجت حالة من الاستنفار العام على الصعيد العالمي. مما يلزم الناس بضرورة الحذر حول المواضيع التي يتحدثون عنها او ما يكتبونه من رسائل بريدية وما يشكفونه من معلومات شخصية وخاصة. حتى الصور الشخصية او العائلية يجري تخزينها في بنك من المعلومات وتستخدم عند الضرورة للتعرف على هويتنا، اينما تنقلنا حول العالم.
< ابعد من حماية السلم القومي
قد يعتقد البعض ان اعتماد مثل هذه التدابير سيخلق مجتمعات آمنة ويسهل عمليات حماية المواطنين، وهذا امر مشكور. لكن الأخطر من ذلك هو ان الناس حول العالم فقدوا من ناحية كل مظاهر الخصوصية واصبحوا مادة مكشوفة للمراقبة ولمعرفة أدق التفاصيل الخاصة. وما تطلع عليه المؤسسات المعنية بواسطة قنوات الاتصال والتواصل الاجتماعي قد يكون جزءاً من الحقيقة، لأن القسم المخفي يكمن في المعلومات الشخصية من مصادر ومرافق اخرى، مثل السنترلينك، والسجلات الضريبية والصحية والقانونية وبطاقات الإئتمان التي يمكن بواسطتها معرفة رصيدنا المالي وكيفية انفاق الاموال وهذه بدورها تكشف ايضاً جانباً من شخصيتنا الاجتماعية والاقتصادية والقانونية. اضف الى ذلك رخص قيادة السيارات واستخدام الصور الشخصية للتعرف على هويتنا بواسطة كاميرات تحديد الهوية، بالاضافة الى مكان الاقامة والعمر والمخالفات لقوانين السير وغيرها.
فمن يمتلك المعلومات عن الآخرين، يمتلك ايضاً المعرفة والقدرة على التحكم بسلوكياتهم ومصيرهم وسن القوانين الملائمة واتخاذ القرارات السياسية لتحقيق ذلك.
< التحكم بالعالم : وهم ام حقيقة؟؟
ان ادارة شؤون الدول والعالم ليست عملاً اعتباطياً يقوم على فعل وردود فعل. فالدول تعمل وفق برامج وسياسات تخطط لها الحكومات، وتؤثر بها عوامل كثيرة، منها الاقتصادي والبيئي والاجتماعي والعقائدي، ومنها ما هو مخطط له مسبقاً وعلى اساسه يجري اختيار النواب والحكومات ورؤساء الجمهوريات.
ولم يعد خفياً انه كما تسعى الدول الى النمو والتطور وتحسين اوضاع الناس المعيشية، تحاول دول اخرى ان تتحكم وتسيطر وتفرض شروطها وسياستها على دول اخرى، مستفيدة من قوتها الاقتصادية والعسكرية كما توجد مجموعات سياسية من كبار الرأسماليين العالميين يسعون اليوم الى فرض سيطرتهم على العالم وتحقيق برنامج سياسي يتلاءم مع اهدافهم البعيدة ومنها اقامة حكومة عالمية واحدة تدير شؤون العالم بأسره وتحدد مصير الشعوب وعدد السكان ونوع الانتاج الذي يسمح به، وتفرض مبادئ سياسية واخلاقية وعقائدية على حساب التنوّع والحريات والخيارات المسؤولة.
من هنا يمكن فهم القرارات الاخيرة التي اتخذتها الحكومات في الاميركيتين واوروبا وآسيا واستراليا حول مراقبة وسائل التواصل الاجتماعي والقنوات الالكترونية على انها وسيلة لمعرفة اسرار الناس وكيفية التحكّم بمصيرهم.
فهل يتجه العالم اليوم نحو المزيد من مساعي التحكم والسيطرة عليه؟ وكيف يتم ذلك؟
1 – التحكم بسياسية الدول
قد يفاجأ البعض انه من السهل التحكم بالمجموعات السكانية، كما يسهل التحكم بسياسة الدول عندما يجري تنظيم هذه المجتمعات والدول في مؤسسات يديرها فريق من لون واحد.
فالأمم المتحدة التي انشئت بقرار اميركي بريطاني سوفايتي قبل نهاية الحرب العالمية الثانية، هي افضل مثال على ذلك.
الأمم المتحدة ومجلس الامن يؤلفان اليوم المؤسسة الدولية التي ترسم سياسة العالم، وتسن القوانين نيابة على الحكومة المحلية. هي من يحدد الخطوط العريضة لسياسة الدول، ومن تقرر الحروب وتغيير الانظمة. انها المظلة الكبرى التي تسير الدول في ظلها، ويجري سن القوانين الدولية تحت اروقتها. وهي قادرة، بفعل الصلاحيات الممنوحة لها ان تأمر الدول بالانصياع لمقرراتها، وتعمل عند الضرورة وبواسطة القوات المسلحة لديها، او من خلال قوات الدول الاعضاء ان تفرض مقرراتها بالقوة، تحت شعار «المصلحة الدولية».
ويعتقد البعض ان منظمة الأمم المتحدة هي بالفعل حكومة الظل العالمية، بانتظار ان تقام حكومة عالمية فعلية تفرض شروطها وسياستها على الجميع.
ويتفرع عن الأمم المتحدة مؤسسات عديدة، كمنظمات الصحة العالمية، وغوث اللاجئين وحفظ السلام، وتحديد النسل ومنظمة التغذية والتعليم والأثار وغيرها.
والى جانب الأمم المتحدة، يوجد ايضاً العديد من المنظمات الخفية والسرية التي تمتلك فلسفة ورؤية سياسية معينة، تعمل منذ قرون على تحقيق اهدافها ويعتبر اعضاؤها انهم ملزمون بالطاعة والعمل على تحقيق اهدافها.
< التحكم بالاقتصاد والثروات
قول شهير لأحد اجداد عائلة روتشيلد يجب التوقف عنده: «لا يهمني من يحكم العالم، اذا كان لديّ السيطرة على رأسماله واقتصاده…» هذا القول يختصر الوضع الحالي في العالم اليوم.
فالدخل القومي العام في الولايات المتحدة على سبيل المثال يذهب 70 بالمئة منه الى جيوب 7 بالمئة من الاميركيين و30 بالمئة يوزع على سائر المواطنين.
فالتحكم بالاقتصاد العالمي والثروات المالية يؤهل صاحبها فرض شروطه على الناس والحكومات، ويصبح هؤلاء اسرى ما يمليه عليهم المتمولون، ينفذون اوامرهم ويعدلون القوانين لتتلاءم مع هذه الإملاءات.
ويجري التحكم بالعالم من خلال السيطرة على الثروات الطبيعية، من معادن ونفط ومواد غذائية ومياه، كما يضع المتمولون يدهم على انتاج المواد الغذائية واجراء تعديلات في تكوينها الجيني بحجة زيادة الانتاج والقدرة على حماية المحاصيل والبيئة.
واثبتت الابحاث ان التعديلات الجينية للمواد الغذائية لها انعكاسات سلبية على الصحة العامة وهي تخفض القدرة على الانجاب وتسرع الشيخوخة وتخفض المناعة وتسبّب الامراض المعوية وتبطل عمل الاجهزة في الجسم وتسرع بانتشار الاوبئة الجديدة.
وقد تكون شركة «مونسانتو» للاغذية افضل مثال على ذلك. فهي تحتكر انتاج الحبوب والذري والخضار والزيوت المعدلة جينياً وتبيع البذور التي تعرضت للتغيير في تكوينها الطبيعي، ولم تعد قادرة على انتاج بذور صالحة للزراعة. وهكذا يرغم المزارعون في العالم على شراء البذور من هذه الشركة التي تتعرض للانتقادات الحادة، ويصفها الناس بالشركة الشريرة.
< التحكم بالمناخ
في سنة 1958 اعد قرار للأمم المتحدة الخلفية القانونية للدول لاجراء اختبارات حول كيفية التحكم بالمناخ بحجة مكافحة التلوّث والتبدلات المناخية. ومع الوقت جرى تدعيم هذه الفكرة لتأتي مقررات مؤتمر باريس للمناخ وتفرض على الدول الاعضاء توفير المساعدات المالية لتحقيق ذلك.
الابحاث التي بدأها العالِم نيكولا تسلا» حول تحويل الطاقة المغناطيسية حول الارض الى طاقة كهربائية والقدرة على التحكم بالطقس من اجل الخير العام ومساعدة البشرية.
لكن فرع الابحاث العسكرية في الولايات المتحدة وضع يده على نظريات «تسلا» وحولها الى سلاح عسكري واصبح لديه القدرة الآن على افتعال المطر والفيضانات وانتاج العواصف والرعد او التسبّب بالجفاف والتصحّر، وافتعال الهزات الارضية وامواج تسونامي. واصبح التحكم بهذه القدرات الطبيعية سلاحاً فتاكاً يصعب الكشف عنه او الاعتراض عليه، كونه مجرّد عوامل طبيعية.
< الطائرات المجهزة خصيصا لهذه المهام بمعدات كيميائية تستخدم يومياً في مختلف انحاء العالم لرش المواد الكيمائية لاحداث المطر او الحؤول دون تساقطه. كما تستخدم لنشر المركبات الكيميائية للتأثير على الانتاج الزراعي ولنشر الاوبئة والامراض. في اختبارات تسعى الى تحقيق امرين: احكام السيطرة على الناس، ونشر الامراض لاسباب مادية . وتقود كل من الولايات المتحدة وروسيا واسرآئيل هذه الاختبارات.
فالانسان اصبح في آخر المطاف مجرّد وسيلة انتاجية مستهلكة للعقاقير والادوية، وهذه تؤلف قطاعاً صناعياً يقدّر مدخوله السنوي بمئات المليارات من الدولارات.
< التحكم بالصحة العامة
وهذا يفتح نافذة على قطاع هام يتعلق بالصحة وانتاج الادوية، وهي محصورة الآن في بضعة شركات عالمية تنتج الادوية التي تسيطر على الامراض المستعصية دون معالجتها. فامراض السكري والضغط والسرطان وانتاج اللقاحات للاطفال والشلل والامراض المعدية جرى تصنيعها بشكل يضمن السيطرة عليها دون معالجتها. وهكذا يتحول المرض الى مستهلكين مدى الحياة، يدفعون من جيوبهم او من اموال دافعي الضرائب ثمن بقائهم على قيد الحياة.
< مكافحة الارهاب ومساعي التحكم
وهكذا يتبين ان خرافة «الارهاب الاسلامي» الذي أوجدته اسرائيل وبريطانيا والولايات المتحدة، تحول الى «فزاعة» عالمية لتعديل القوانين، والحدّ من الحريات العامة والتضييق على الحريات الدينية، كون العقائد الدينية هي مصدر كل تطرف، كما يطرح في وسائل الاعلام التي يسيطرون عليها.
احكام السيطرة على العالم يجرى على قدم وساق من خلال الأمم المتحدة، كما ذكرت، والمؤسسات العامة والمنظمات السرية، ومن خلال الهيمنة على وسائل الاعلام وخلق البدع الدينية المتناحرة. والتحكم بالعالم يتم ايضاً بواسطة افتعال الحروب للتطويع او لتدمير الانسان والاقتصاد ولمحو التاريخ وخلق ازمات جديدة تستثمر في مجالات ودول اخرى.
كما يجري التحكم بالبشرية من خلال التحكم بمصادر الطاقة والاقتصاد العالمي والمواد الغذائية المعدلة جينياً، والتحكم بالمناخ لاهداف عسكرية، ومن خلال نشر الاوبئة والجراثيم والعمل بمختلف الوسائل لخفض عدد السكان.
ان تغيير النظام العالمي يوجب دمار الانظمة القديمة القائمة، وفرض حكومة عالمية على الناس تتطلب منح الحكومات والمنظمات الدولية صلاحيات فائقة لاتخاذ قرارات حاسمة عندما تحين ساعة تغيير النظام.
العالم اليوم يتجه نحو «الدولة البوليسية» التي تعمل بمبدأ «نفذ ثم اعترض». ومع غياب المساءلة ستغيب العديد من الخيارات والحريات والصلاحيات.
العالم يسير نحو العبودية المطلقة، انها روما الجديدة او بابل التي تسعى ان تحل مكان الله.
ورغم كل ذلك، لست متشائماً ، لأن الله الذي خلق الانسان وافتداه لن يتخلى عنه بسهولة، رغ اننا على ابواب محنة كبرى.