بقلم بيار سمعان

رغم رهان البعض ان الرئيس الاميركي دونالد ترامب لن يتمكن من انهاء ولايته، فهو إما سيرغم على الاستقالة والتنحي من منصبه او يجري اغتياله على يد «معتوه» غسل دماغه من قبل الاجهزة المخابراتية المتخصصة، فتنتهي الاحلام والتهديدات وحالة الرعب والقلق الديبلوماسي في العالم…
غير ان العديد يعتقدون على عكس ذلك ان العالم بعد ترامب سيكون مختلفاً عما قبله، وان الرئيس الاميركي الجديد، النسخة المناقضة للرئيس باراك أوباما، جرى اختياره من قبل النورانيين والمجموعات المؤثرة في السياسة الامريكية والدولية ليحقق البرنامج الذي تعهد بتنفيذه، معتمداً على الدعم الخفي له وعلى الصلاحيات الرئاسية التي تمنحه القدرة على اتخاذ قرارات فاعلة دون العودة الى مجلس الشيوخ.
وفيما لعب اوباما دور “الزعيم المسلم” يسعى ترامب الى لعب دور “المنقذ للعالم المسيحي” وحاميه في وجه “جحافل الاسلام المتطرف” بدءاً بحماية الداخل الاميركي ووصولاً الى ايران التي تهدد أمن الشرق الاوسط واسرائيل وسلامة العالم بعد ان بدأت حملة التخويف من قدرتها النووية البالستية.
ويعتمد ترامب على التأييد الشعبي له وعلى دعم مجلس الشيوخ وعلى قدرته كرئيس للبلاد على اصدار اوامر تنفيذية ملزمة تتخطى صلاحيات المؤسسات الدستورية..!!
فكيف يعمل النظام الرئاسي في الولايات المتحدة؟؟
النظام الاميركي.
لكي نفهم صلاحيات الرئيس وقدرته على اصدار مراسيم رئاسية ملزمة تتخطى الكونغرس الاميركي. يجب ان نتذكر ان الحكم في الولايات المتحدة يقسم الى ثلاثة فروع:
الكونغرس، او مجلس الشيوخ الذي يشرع القوانين.
الرئيس ويمثل مع حكومته السلطة التنفيذية.
المحاكم القضائية وهي من تقيِّم القوانين وتمنحها صفة الشرعية.
وعندما يصدر الرئيس مراسيم رئاسية فهو لا يشرع قوانين جديدة، وهذا دور الكونغرس، بل يقول بشكل آخر للمؤسسات الفيدرالية انه يمتلك القدرة على تنفيذ القوانين التي اقرها الكونغرس مسبقاً.
على سبيل المثال، إن أَمَر الرئيس ترامب باجتياح تركيا من اجل اعادة الكنائس الى اصحابها، فهو ينفذ قرار الكونغرس الذي طالب السلطات التركية باعادة الكنائس المسيحية التي استولت عليها تركيا وحولت بعضها الى مساجد وأخرى الى متاحف..
مثال آخر تعيشه الولايات المتحدة اليوم هو حظر دخول مواطنين مسلمين الى الولايات المتحدة من سبع دول ذات أغلبية مسلمة والطلب الى المؤسسات تنفيذ هذا القرار. فالقرارات الرئاسية ليست تشريعات قانونية بل تدابير اصدرها رؤساء الولايات المتحدة منذ جورج واشنطون حتى اليوم. وهذا لا يمنع ان هذه الاوامر غالباً ما تثير ردود فعل  وموجة من الانتقادات، خاصة ان القرارات الرئاسية قد تطال اكثر من قضية ويمكن الاستفادة منها لتحقيق امور عديدة ومتشعبة.
ويحق لرئيس الولايات المتحدة ان يلغي قرارات رئاسية سابقة. وهذا ما فعله ترامب منذ الساعات الاولى عندما استدعى جميع السفراء الاميركيين في العالم، خاصة من عينهم الرئيس اوباما وأمر باستبدالهم.
ونشرت وسائل الاعلام ان الرئيس ترامب اصدر خلال الاسبوع الاول من عهده 6 قرارات رئاسية، واهمها: الانسحاب من المشاركة التجارية عبر المحيط الهادي، وهو عبارة عن معاهدة تجارية بين اميركا و11 بلد من ضمنهم استراليا. كما أصدر قراراً رئاسياً آخر باعادة فرض سياسة مدينة مكسيكو والتي تحظر انفاق اموال دافعي الضرائب لدعم مؤسسات دولية تعني بتحديد النسل وتوفر خدمات الاجهاض. ومنع ترامب تقديم المشورة الطبية لهذه المؤسسات. وكان الرئيس الاسبق رونالد ريغان قد طبق هذه القرارات وإلتزم بها الرئيسان بوش الأب والابن غير ان الرئيس كلينتون عاد وأقرها.
وفي قرار ثالث أمر ترامب بتجميد اموال العمال غير العسكريين في جميع المؤسسات الفيدرالية، وسار بذلك على خطى ريغان أيضاً.
اما القرار الرئاسي الاهم فهو حظر مواطنين من سبع دول اسلامية دخول الولايات المتحدة. وأثار هذا القرار ردود فعل مختلفة من المعارضة واعتراض المحكمة العليا الى الرضى والدعم لهذا القرار من مجموعات أخرى.
ترامب يستدير نحو ايران
استفاد الرئيس الاميركي ترامب مرة اخرى من التجارب البالستية التي اجرتها ايران نهار الجمعة الماضي لينقلب على التفاهمات التي عقدها الرئيس أوباما مع الجمهورية الاسلامية في ايران. فعمد الى إلغائها وامر بفرض عقوبات على ايران التي تدعم الارهاب حسب الادارة الاميركية وتشكل خطراً على السلام في العالم.
وتشمل العقوبات الاميركية حظر 13 شركة اميركية من التعامل التجاري او التعاون التكنولوجي مع ايران. جاء هذا القرار رداً على اختبار للصواريخ البالستية قامت به ايران واعتبرته الادارة الاميركية عملية “جس نبض” لها من قبل الحكم في ايران.
وفسر مراقبون هذه التدابير على انها عملية تخلي عن سياسة باراك السابقة للتعامل مع قضية الصواريخ والمفاعل النووي. كما اعتبر خبراء ان ردود الفعل السريعة من قبل الادارة الاميركية تؤكد ان هذه الادارة لن تتساهل مع ايران من الآن وصاعداً وان اميركا بدأت عهداً جديداً في التعامل مع ايران يختلف عن العهد السابق.
فقد اعلن ترامب مراراً انه لن يكون الصديق الطيب لإيران، كما اعلن مستشار الامن القومي مايكل فلين انه جرى تحذير ايران من الانعكاسات السلبية عليها بعد التجارب البالستية الاخيرة، كما بدأت الادارة الاميركية تستخدم لغة متشددة عند التحدث عن القضية الايرانية.
وكان قرار الامم المتحدة (2015) الذي منح ايران حق تطوير الطاقة النووية قد اوصى الجمهورية الاسلامية بعدم اجراء اختبارات نووية عسكرية وتطوير صواريخ بالستية عابرة للقارات. هذا القرار يمنح الادارة الاميركية خلفية قانونية لمعاقبة ايران، وهذا ما تسعى اسرائيل الى تحقيقه والحصول عليه من الادارة الاميركية الجديدة.
الطريق الى ايران عبر الشرق الاوسط
يأمل الرئيس الاميركي من فرض عقوبات على ايران استمالة اصدقاء اميركا في العالم العربي، خاصة من دول الخليج. غير ان المواجهة العسكرية مع ايران لن تكون سهلة كما يتصور ترامب، بعد ان بلغت الجمهورية الاسلامية مستوى عالٍ من التطور التكنولوجي العسكري والقدرة العسكرية، كما تمددت القدرة الايرانية في اكثر من بلد شرق اوسطي مثل العراق وسوريا واليمن ولبنان، ويتوقع مراقبون في الشرق الاوسط ان المنطقة ستشهد مرحلة من التوترات العسكرية كما كانت عليه الاحوال في عهدي بوش الأب والابن معاً. عندما خاضت اميركا وايران حرباً بالوكالة من خلال النزاعات السنية الشيعية في المنطقة، كما خاضت حرباً مع ايران بالتحالف مع اسرائيل عند وقوع حرب تموز 2006 بين اسرائيل وحزب الله في لبنان.
لذا يعتقد الخبراء ان الصدام مع ايران سوف يكون قاسياً بعد ان استفادت ايران من السنوات الست لحكم أوباما لتدعم قدراتها العسكرية وتتمدد اكثر فأكثر على الساحة العربية.
ورغم قرارات الامم المتحدة واعلان المسؤولين الايرانيين عدم تطوير الاسلحة، غير ان الاختبارات الاخيرة ومعلومات المخابرات تشير الى ان الجمهورية الاسلامية هي اليوم قادرة على توجيه صواريخها الى القواعد الاميركية في المنطقة، كما يمكنها تهديد الدولة العبرية مباشرة او بواسطة تجهيز حزب الله.
فإيران اصبحت الآن قوة ضاربة من حدود الخليج العربي الى حدود اسرائيل، ومن خطوط المواجهة مع الناتو الى شواطئ البحر المتوسط. وبمقدور ايران تجييش آلاف المقاتلين من دول الشرق الاوسط في حال تعرضت لاعتداء عسكري مشترك بين اميركا واسرائيل.
ويعتقد شيعة المنطقة الذين قرروا الانضمام الى الحرس الثوري الايراني انه لابد من وقوع هذه المعركة قبل مجيئ المهدي. وان انخراط ايران في الاعمال العسكرية المباشرة في سوريا وغير المباشرة في اليمن ولبنان اكسبتها خبرة عسكرية ميدانية وكرس وجودها الفعلي في المنطقة.
فهل يرغم ترامب العمل على اعادة رسم الشرق الاوسط الجديد وخلق دويلات جديدة يدور معظمها في فلكه السياسي؟ وهل تجد الادارة الاميركية نفسها مرغمة على التعاون مع روسيا للقضاء على ايران التي تحكم قبضتها على الهلال الخصيب يوماً بعد يوم..!!