بقلم بيار سمعان

الى ابراهيم عوض البدري الملقب بابو بكر البغدادي، والى جميع المجاهدين والمقاتلين في صفوف دولة الاسلام الذين يسعون الى اقامة الخلافة وفرض الاسلام على العالم…
تذكروا ان العالم يتغير باستمرار ولا يمكن ان يعود التاريخ الى الوراء. وان الثقافة العالمية التي يرثها ابناؤنا واحفادنا ستكون حتماً مختلفة عن ثقافة اليوم…
نحن على وشك ان نشهد تغييراً ديمغرافياً جذرياً لمصلحة العالم الاسلامي، لكن التعصب والتطرف والعنف والعبث الذي تبدونه وتمارسونه هو لغير صالح الاسلام والمسلمين.
العديد من الزعماء والقادة والعلماءالمسلمين قالوا لمن ذلك، لكنكم لم تفهموا الرسالة. لانه متى يحكم التعصب في نفوس العباد يغيب لديهم العقل والمنطق.
فيا قادة ومقاتلي داعش، انتم بعيدون كل البعد عن الواقع. فإذا أردتم حقاً إقامة الخلافة الاسلامية في العالم، فإنكم على ما يبدو تفتقرون الذكاء والعبر وبعد النظر… لان العنف والفوضى لن يحققا احلامكم، فالعنف يولد العنف، والفوضى ليس بمقدورها ان تبني. وان اسلوب عملكم سيلقى معارضة من المسلمين انفسهم قبل غيرهم. والقوة لن تسرع مشاريعكم ولن تحققها لانها ستشير قوات تخاصمكم وستنهض عزائم وجهود من تهددون في داخل العالم العربي وخارجه على حد سواء…
فإصغوا ملياً الى هذه الحقيقة التاريخية الثابتة:
لكي تتمكن أية ثقافة من الاستمرار والحفاظ على ذاتها لمدة 25 سنة واكثر يُفترض ان تكون معدل الخصوبة فيها 2.11 طفلاً على الاقل لكل اسرة. واي انخفاض عن هذه النسبة يشكل خطراً على ديمومة هذه الحضارة والبيئة السكانية فيها.
والتاريخ يثبت ان الحضارات البائدة لم تتمكن ان تعكس معدل الخصوبة عندما يبلغ 1.9 ويصبح ذلك مستحيلاً في حال كانت نسبة الخصوبة 1.3 او اقل من ذلك. هذه المجتمعات التي تعاني من قلة الانجاب يلزمها على الاقل 80 او 100 سنة لكي تعيد اصلاح ذاتها في حال التزام جميع السكان بسياسة الانماء الديمغرافي وقرروا انجاب الاطفال لاصلاح الخلل في الهرم السكاني لديها. فغياب الانجاب يعني خلق ازمات اقتصادية وبداية اختفاء الثقافة الاجتماعية السائدة ولو بشكل بطيء. فمع تقلص عدد السكان تتقلص الثقافات وتضمحل الحضارات.
في اوروبا مساجد اكثر من الكنائس:
اوروبا هي في حالة من التراجع الكبير. انها تعيش دوامة لم تعد قابلة لعكس وجهتها. قبل 10 سنوات، كان معدل الخصوبة في فرنسا 1.9 وانكلترا 1.6 وألمانيا 1.3 وايطاليا 1.2 واسبانيا 1.1.وفي الاتحاد الاوروبي بلغ معدل الخصوبة 1.38.
مع حلول 2013 تحسنت معدلات الانجاب بعض الشيء، فاصبحت في فرنسا 2.0 وألمانيا 1.4 وايطاليا 1.4 واسبانيا 1.3.ورد الباحثون الاجتماعيون هذا التحسن البطيء الى الهجرة من الخارج. ويلاحظ انه منذ 2006 لم ينخفض عدد السكان في اوروبا بفضل تدفق المهاجرين واللاجئين. لكن كل هذا تغير مع حلول 2014 وبدأ عدد السكان بالانخفاض رغم الهجرة الكثيفة.
وتجدر الاشارة انه منذ التسعينات (1990) بلغ نسبة المسلمين المهاجرين الى اوروبا 85 بالمئة من مجموع المهاجرين وربط النمو السكاني في القارة بهذه الزيادة السكانية ومقارنة صغيرة تشرح ما أقول: في سنة 2013 كانت معدلات العائلة الفرنسية 1.9 طفلاً لكل عائلة بينما تألفت العائلة المسلمة المقيمة في فرنسا من 4.1 اطفال للعائلة الواحدة. في جنوب فرنسا اليوم يوجد مساجد اكثر من الكنائس، وفي شوارع المدن الكبرى يوجد اليوم العدد الاكبر من الاطفال المسلمين بالمقارنة مع غير المسلمين. ويقدر علماء الاجتماع انه بحلول 2027 سيكون واحداً من كل 5 فرنسيين مسلماً وبحلول 2050 يعتقد ان فرنسا ستتحول الى الاسلام بأغلبية سكانها. وان تمسك فرنسا التقليدي والتاريخي وبالعلمنة والحرية سيتبدل وان المثل والثقافة الفرنسية ستبدأ بالإختفاء.
في بريطانيا تضاعف عدد المسلمين خلال 40 سنة 30 مرة. خلال السنوات العشر في هولندا وبلجيكا 60% من الاطفال المولودين هم مسلمون. وخلال السنوات العشر المقبلة سيصبح نصف السكان في هذين البلدين هم من المسلمين ايضاً.
هذه هي الحقيقة التي يجهلها قادة داعش، ان شئنا ام أبينا، ومهما كانت الاسباب وأيا كانت القيم، فإن تقلص عدد السكان يعني حتماً تقلصاً في الثقافة. فما يجهله قادة ومقاتلي داعش هو ان الغرب لم يعد مسيحياً كما يعتقدون.
المسيحية غادرت بيوت الاوروبيين ومن يحتفظ بها وضعها في احدى زوايا خزانته، وانحصرت المشاعر المسيحية في اوروبا في امور ثلاثة في حياتهم: العمادة والزواج والجنازة.كثيرون تخلوا عن العمادة واكتفوا بالزواج والجنازة فقط. القلة احتفظوا بالقربانة الاولى لاطفالهم. القلة الضئيلة تتظاهر بالحفاظ على الايمان من خلال الذهاب الى الكنيسة ايام الآحاد… قلة يفعلون ذلك وهي على تناقص.
وبالواقع تحولت العديد من الكنائس في اوروبا الى متاحف أو قاعات للاجتماعات… لم تعد اماكن مقدسة للصلاة.
في جنوب فرنسا عدد كبير من الكنائس تحول الى مساجد … هذا لا يعني غياب المؤمنين والمصلين الذين يرفعون بإيمان عميق صلواتهم وتضرعاتهم من اجل السلام في العالم ويؤمنون ان عليهم محبة اعدائهم ومباركتهم والصلاة من اجلهم…
لكن الحقيقة المرة هي ان الايمان اصبح شيئاً من الماضي، وان حرية الاختبار والحرية الفردية التي يفاخر بها الاوروبيون اصبحت سبب دمارهم وابتعادهم عن الايمان.
خطأ لا يغتفر..
منذ الثلاثينات، وعندما قبلت الكنيسة الانكليكانية بإعطاء الضوء الاخضر لوسائل منع الحمل، وتلاهم معظم الطوائف الاخرى، ما كان يقصد به ان يكون استثناءً، أصبح فيما بعد القاعدة الملزمة اجتماعياً، وأصبح انجاب أسر كبيرة جريمة لا يحبذها المجتمع.
ومنذ الستينات عندما قرر عدد من الاساقفة الكاثوليك تجاهل رسالة البابا بولس السادس «الحياة الانسانية»Humanae Vitae على انها تقليدية وتنظر الى الجنس نظرة كلاسيكية، تسارعت وتيرة التغيير الاجتماعي في اوروبا.
لم يدرك الاوروبيون خطورة هذين الحدثين لانهم فرحوا وتلهوا بحرية الاختيارومفاهيم المساواة والحقوق الفردية… لم يولوا اهمية لانخفاض مستوى الانجاب وتقلص حجم العائلات.
ان قبلنا أم لا، تعيش اوروبا اليوم عقدة العدد ونتئج حبوب منع الحمل والحرية الجنسية. واوروبا اليوم تبنى على قنبلة مؤقتة لن يتمكن احد من وقف عدها العكسي نتيجة للتبدلات الديمغرافية.
العقيد معمر القذافي ادرك هذا الواقع وتحدث صراحة عنه: “هناك مؤشرات ان الله سيمنح الاسلام نصراً في اوروبا دون اللجوء الى السيف، أو السلاح أو الغزو. نحن لسنا بحاجة الى ارهابيين (أي ان القذافي لا يحتاج الى داعش وغير من التنظيمات المتطرفة والاصولية… لسنا بحاجة الى انتحاريين… ان الخمسين مليون مسلم الذين يعيشون الآن في أوروبا سيحولونها الى قارة مسلمة خلال عقود من الآن…”.
لقد كان مصيباً في رؤيته. لكن تنظيم داعش يدمر هذه الفرضية الآن ويشوه صورة ملايين المسلمين من محبي السلام والانفتاح على الآخرين والقبول بهم…
التطرف لدى داعش يضع جميع المسلمين في حال العداوة مع الغرب والعالم بأسره.
ان احلام السيطرة على العالم لا يمكن ان تتحقق عن طريق العنف والاغتصاب وجز الاعناق والتهديد باشعال العالم…
تخلوا عن البندقية والانتحار والتفجير ودعوا مقاتليكم ينجبون اطفالاً ويعيشوا بسلام مع الآخرين.
فالإنجاب قد يكون افضل من السلاح اذا رافق ذلك الثقافة العالية واللجوء الى العقل والمنطق وفهم التاريخ على حقيقته. فالخلاف لا يبنى بالعنف، لان العنف يواجهه عنف أشد…
الخوف ان تتحول تهديدات داعش الى اعمال حربية ضد جميع المسلمين المنتشرين في العالم…