بقلم هاني الترك OAM

بمناسبة الاسبوع الوطني للكتاب فتح الزملاء سيلفا مزهر وسليم الفهد وديالا العزي وفارس حسن الحوار المباشر في اس بي اس حول الاطلاع والقراءة في الجالية.. وما اثلج صدري هو ان كل المتصلين بالبرنامج كانوا من القراء المثقفين مما يتطلب من البرنامج فتح الحوار على قضايا ثقافية وعلمية مثل عظماء التاريخ وليس من شؤون الساعة فحسب.. على ان حال مستوى البرنامج الثقافي كان عالياً وكان ضيف الحوار المفتش والمدرس السابق في دائرة التعليم جورج هاشم الذي ابرز ضمن ما ابرز اهمية زرع حب القراءة منذ الطفولة التي اسماها تنمية موهبة القراءة.
منذ حوالي 20 عاماً اجريت دراسة لجامعة نيو ساوث ويلز تحمل عنوان احتياجات الجالية العربية للمعلومات نشرت في المجلات الوطنية والعالمية لعلوم المكتبات والمعلومات وجدت فيها حقائق صادمة للنفس وهي النسبة القليلة من ابناء الجالية العربية الذين يستعملون المكتبات العامة بل ان 21 في المئة منهم لا يعرفون بوجود مكتبات عامة مجانية.. ومنذ عدة سنوات استدعيت للمساعدة في احدى المكتبات العامة التي تخدم منطقة يوجد فيها سكان بكثافة من الجالية العربية.. فوجدت ان قسم الكتب العربية في فوضى عارمة ويضع القراء العرب الكتب على الارض.. بل بعض صفحات الكتب ممزقة اذ بدلاً من تصويرها يتم انتزاعها من الكتاب ولا يرجعون الكتب التي يقترضونها.. وحزنت جداً على هذا الوضع المأساوي.. وخصوصاً اذا تذكرنا ان نسبة القراءة في العالم العربي هي نصف صفحة كل عام فإن التخلف في العالم العربي يعود للجهل وهو العدو الاول لنا … وفي دراستي التي اجريتها وجدت ان اهم مصدر للمعلومات لأبناء الجالية هو الإذاعة.. لذلك يجب الثناء على ادارة المؤسسة الاعلامية اس بي اس على قفزتها الحديثة بإطالة البرنامج العربي على مدى 24 ساعة.
على اي حال بعد مضي 20 عاماً على دراستي الاولى في جامعة نيو ساوث ويلز قارنتها مع الوضع الحالي في مكتبة بانكستاون ذات الثقافة السكانية العربية فوجدت ان استعمال المكتبة العامة افضل بكثير  مما كان عليه منذ عشرين عاماً.. وخصوصاً بالنسبة للجيل الثاني الذي وُلد وتعلّم في المدارس الاسترالية .. مع ان الوضع اقل من النسبة في المجتمع الاسترالي حيث تتربع استراليا على قمة دول العالم في الاطلاع.. حتى ان المؤلفين باللغة الانكليزية في العالم الغربي يطلقون كتبهم في استراليا لأنهم يعلمون ان الشعب الاسترالي قارئ من الدرجة الاولى.
وعن اهمية الكتاب في حياة الاستراليين يقول الشاعر الكبير تيد هيوز في سيرته الذاتية انه في كل مرة يدخل فيها المكتبة يشعر بالاثارة والنشوة الجنسية.. يقول الكاتب الكبير كولين ويلسون انه في المكتبة يشعر بأنه مثار جنسياً وكأنه وسط مجموعة من النساء الجميلات.. واثناء دراستي في مادة القانون في جامعة سيدني للتكنولوجيا كان عميد الجامعة وهو مؤرخ قانوني يقول لنا انه عندما ينقب في التاريخ ويريد معرفة فيما اذا كان القانون العام الانكليزي والتشريعات الانكليزية اصبحت هي المطبقة على سكان مستوطنة نيو ساوث ويلز وقت اكتشافها يقول ان تلك القضية القانونية تفتح شهيته الجنسية.
وانا نفسي حينما ادخل المكتبة اذ ان مهنتي هي مكتبات القانون اشعر بمتعة ذهنية عارمة لأنني اتجول في معبد تراث الانسانية.. يسحرني الكتاب ويخلب لبي.. فرغم الثورة الرقمية فلم تجذبني الانترنيت للقراءة ولم تؤثر فيّ الكتب الالكترونية ebook .. بل طيلة عمري وانا اعشق الكتاب الورقي.. اعشق شكله في المكتبات واحب رائحته .
ان الجهل هو عدو البشرية الأول.. والقراءة هي غذاء الروح ونور العقل ويقظة القلب ومتعة الشعور وبسط آفاق واسعة من التأمل والفكر والاتصال الدائم بأحداث العالم.. وفي الكتب يكمن تراث الانسانية كله من فنون وآداب وعلوم.. فعندما نهتم بالكتاب كإهتمامنا بالغذاء والدواء والهواء ساعتئذ نستطيع ان نستعيد امجادنا وسط الأمم.. فهكذا تبني الأمم امجادها..